مستحبات الكفن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمسنون فيه أمور منها:
اغتسال الغاسل قبل التكفين أو وضوؤه، ازدياد الحبرة للرجل،
استحباب كون الحبرة غير مطرزة بالذهب، ازدياد خرقة لربط فخذيه،
العمامة للرجل، كون
الكفن من القطن، تطيب الكفن بالذريرة، الكتابة
بالتربة الحسينية، جعل قطن بين أليتيه، ازدياد لفافة ونمط لثديي المرأة، جعل
قناع للمرأة بدل العمامة، سحق
الكافور باليد، أقل كافور
الحنوط.
أن يغتسل الغاسل قبل الأخذ في تكفينه أو يتوضأ كما في
الشرائع وعن النهاية والمبسوط والسرائر
والجامع. وليس عليه رواية، وعلّل بتعليلات عليلة معارضة باستحباب تعجيل التجهيز، والصحيحين: «ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل»
ونحوه المروي في
الخصال. فإذاً التأخير أولى، وفاقاً لبعض الأصحاب
. ثم ظاهر المتن كغيره استحباب تقديم غسل المس. وعن الذكرى أنّ من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين
. وعن
النزهة أنّ به رواية
ولم أقف عليها، وليست الصحيح: «الغسل في سبعة عشر موطناً.. وإذا غسلت ميتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد»
إلّا على تقدير حمل «إذا غسّلت» على إرادة التغسيل، وهو مجاز، مع منافاته السياق، فتدبر. نعم يستحب غسل اليدين من العاتق قبل التكفين؛ للصحيحين، في أحدهما: «ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرّات، ثمَّ إذا كفنه اغتسل»
. ودونه غسلهما إلى المرفقين، والرّجلين إلى الركبتين لرواية
عمّار.
وأن يزاد للرجل خاصة، كما عن
الإصباح والتلخيص
والوسيلة، أو المرأة أيضا، كما هو ظاهر جماعة
حبرة كعنبة: ضرب من برود
اليمن يمنية. ويستحب كونها عبرية بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر: جانب الوادي، أو موضع كما هنا وفي الشرائع
والمبسوط والوسيلة والإصباح والنهاية
للرواية: «كفّن
رسول اللّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وثوب يمنية عبري أو أظفار»
.
والمستفاد منها كسائر الأخبار كونها أحد الثلاثة كما عن
العماني، لا زائدة كما في المشهور. بل المستفاد من بعض المعتبرة كون الزيادة موافقة للتقية كالحسن أو
الصحيح: «كتب أبي في وصيته أن أكفّنه في ثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه
يوم الجمعة، وثوب آخر، وقميص. فقلت لأبي: ولم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، فإن قالوا: كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل»
. ونحوه بعينه الرضوي
.
ويؤيده النهي عن الزيادة على الثلاثة، بل التصريح بأنها بدعة في بعض المعتبرة كالحسن أو الصحيح، وفيه بعد ذكر الثلاثة المفروضة: «وما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب فما زاد فمبتدع، والعمامة سنّة»
. ولا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو
العمامة والخرقة المعبّر عنها بالخامسة. هذا مع ما في الزيادة من إتلاف المال والإضاعة المنهي عنهما في الشريعة. إلّا أن الحكم بذلك مشهور بين الطائفة، بل عليه الإجماع عن
المعتبر والذكرى
والتذكرة، ويومئ إليه بعض أخبار المسألة. ففي الخبر عن
أبي الحسن الأول (علیهالسّلام) يقول: «إني كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت
لعلي بن الحسين (علیهالسّلام)، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع مائة دينار»
. ولكنه يحتمل التقية، ولا سيّما مع شدتها في زمانه عليه السلام غاية الشدة. والاحتياط بالترك لعلّه غير بعيد؛ إذ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، فتأمّل.
ويستحب أيضاً أن تكون غير مطرّزة بالذهب كما في الشرائع والمبسوط والوسيلة والجامع والمعتبر
والنهاية، ولا بالحرير كما عمّا عدا الأول من الكتب المزبورة؛ لأنّه إضاعة للمال منهي عنها في
الشريعة مع عدم الرخصة.
وأن يراد أيضاً خرقة لربط فخذيه بلا خلاف؛ للمستفيضة. وطولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر كما في
المرسل، ولكن ليس فيه ذكر الطول، أو ونصف كما في
الخبر الموثق المتضمن للطول أيضاً
. ويثفر بها الميت ذكرا أو اُنثى، ويلفّ بالباقي حقويه إلى حيث ينتهي، ثمَّ يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه.
سمّيت في عبارات الأصحاب خامسة، نظراً إلى أنها منتهى عدد
الكفن الواجب وهو الثلاث، والندب وهو الحبرة والخامسة. وأمّا العمامة فلا تعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحاً وإن استحبت، ويشهد به بعض المعتبرة الآتية. لكن المستفاد من الصحيح وغيره
كونها منها. وكونها من المندوب دون المفروض كما عن
الشهيد طريق الجمع. وتظهر الثمرة في الدخول والخروج بنذر الكفن المندوب، فيأتي بها على الأوّل دون الثاني. وعمامة للرجل إجماعاً؛ للمستفيضة منها الصحيح: فالعمامة للميت من الكفن؟ قال: «لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب» ثمَّ قال: «العمامة سنّة» وقال: «أمر
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) بالعمامة وعمّم النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)»
.
ونحوه
الحسن: «وعمّمه بعد عمامة، وليس تعدّ العمامة من الكفن»
. وقدرها طولاً ما يؤدي هيئتها المطلوبة المشهورة بأن يشتمل على ما تثني به محنّكاً، ويخرج طرفا العمامة من الحنك، ويلقيان على صدره للمرسل: «ثمَّ يعمم ويؤخذ وسط العمامة، فيثنى على رأسه بالتدوير، ثمَّ يلقى فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمدّ على صدره»
، ونحوه الرضوي
. وعرضاً ما يصدق عليه معه اسم العمامة. وقد دلّ على استحباب
التحنك مضافاً إلى
الإجماع المحكي خصوص المرسل
لابن أبي عمير: في العمامة للميت، قال: «حنّكة»
. وقد ورد بالكيفية أخبار اُخر
، إلّا أن الأول أشهر.
وأن يكون الكفن قطناً وفاقاً للأكثر، بل عليه
الإجماع عن التذكرة ونهاية الإحكام والمعتبر
؛ للخبر: «الكتان كان
لبني إسرائيل يكفّنون به، والقطن لاُمة محمّد (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)»
. وأن يكون أبيض بلا خلاف كما عن
الخلاف، بل إجماعاً كما عن
نهاية الإحكام والمعتبر
للخبرين أحدهما الموثق: «البسوا البياض فإنه أطيب وأطهر، وكفّنوا فيه موتاكم»
. ويستثنى منه الحبرة للمعتبرة
.
وأن يطيّب الكفن بالذريرة إجماعاً من أهل العلم كافة كما عن المعتبر
للمعتبرة منها الموثق: «إذا كفّنت
الميت فذر على كل ثوب شيئاً من ذريرة وكافور»
. في آخر: «يطرح على كفنه ذريرة»
.
قيل: والظاهر أن المراد بها طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في
بغداد وما والاها
. وعن
الشيخ في
التبيان: أنها فتات قصب
الطيب وهو قصب يجاء به من الهند كأنه قصب النشّاب
. وفي المبسوط: يعرف بالقمّحة بضم القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة
.
•
الكتابة على الكفن، وأن يكتب
بالتربة الحسينية (علىمشرّفهاأفضلصلاةوسلاموتحية) إن وجدت، للتبرك
؛ وصورة الكتابة فلان يشهد أن لا إله إلّا اللّه، بزيادة وحده، لا شريك له، ويشهد أنّ محمّدا
رسول اللّه، والإقرار
بالأئمة: أنهم أئمته، ويسمّيهم واحداً بعد واحد للبركة
؛ وربما يزاد في الكتابة بمثل
الجوشن الكبير،
والقرآن بتمامه أو بعض آياته
.
وأن يجعل بين أليتيه قطن على فرجيه للخبر: «واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجيه قبل ودبر»
. وحكي عن
المقنعة والمبسوط
والمراسم والوسيلة
والمصباح ومختصره والإصباح
والتحرير والنهاية
. وفي آخر: «فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة»
. وبه أفتى في
المقنع والسرائر
. وهو ظاهر المتن والشرائع
، ويحتملان الأوّل أيضا خصوصا في المرأة. واقتصر في
الفقيه على وضعه على القبل وزاد حشوه في الدبر
. ثمَّ إن خاف خروج شيء حشا دبره بالقطن، كما عن الفقيه
والكافي والخلاف والمعتبر
والجامع والنهاية والمبسوط والوسيلة
. لكنهم لم يشترطوا خوف خروج شيء، غير أنّ كلامي الخلاف والجامع يعطيانه ككلام
الإسكافي.
والمستند فيه بعد الإجماع المحكي عن الخلاف المرسل المضمر المرفوع: «ويضع لها القطن أكثر ممّا يضع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط». ونحوه المرسل الآخر: «واحش القطن في دبره لئلّا يخرج منه شيء»
ومقتضى التعليل الإشعار باختصاص
الاستحباب باحتمال خروج شيء منه ولعلّه المراد من المرسل المتقدم كالخبر: «وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل»
.
مع أنه مقتضى الجمع بين هذه الأخبار وما دلّ على أنّ حرمة
المؤمن ميتاً كحرمته حيا
. وبظاهره جمد
الحلّي فمنع عن الحشو مطلقا
. وهو ضعيف جدّا. كتجويز
الحشو مطلقا لضعف ما دلّ عليه سندا ودلالة مع عدم جابر أصلاً. ولا يستفاد من الإجماع المحكي
سوى صورة خوف الخروج لتعليل الاستحباب في الحكاية بما يشعر باختصاصه بها كالمرسل المتقدم. ولذا صرّح بالشرط في الشرائع
والقواعد وحكي عن
المنتهى.
وأن تزاد المرأة لفافة أخرى لثدييها تلفّان بها وتشدّ إلى ظهرها، كيلا يبدو حجمها ولا يضطربا فينتشر الأكفان لمرفوع سهل المضمر
. وعمل به الشيخ وجماعة كالحلّي
والقاضي وابن سعيد والمحقّق وابن حمزة. ولا ضير في قصور
السند؛ للانجبار بفتاوى هؤلاء الأخيار. ولولاه لأشكل العمل به لضعفه، وعدم جواز المسامحة في مثله لاستلزامه تضييع المال المحرّم.
وتزاد أيضاً نمطاً كما في الشرائع وعن الكامل والمهذّب
، أو لفافة مخيراً بينهما كما عن المقنعة والنهاية
. وعن المبسوط والخلاف والمراسم
والوسيلة: الاقتصار على اللفافة من دون ذكر النمط
ولعلّه لعدم الدليل عليه من الأخبار، فلا حاجة بنا إلى ذكر تفسيره ومعناه.
والمستند في زيادة اللفافة هنا الصحيح: «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع، ومنطق، وخمار، ولفافتين»
بناء على كون إحدى اللفافتين المفروضة والاُخرى مستحبة. وجعلهما مفروضتين لا يتم إلّا بتقدير جعل المنطق لفافة الثديين كما توهّمه بعض
الأصحاب. وهو فاسد؛ لعدم المناسبة لها بالمعنى اللغوي. ولذا فهم منه المئزر شيخنا
الشهيد في الذكرى
وشيخنا البهائي وغيرهما من المحقّقين
. مضافاً إلى تأيد ما ذكرنا بما مرّ من تعيّن المئزر كما هو الأشهر الأظهر. وبهذا الخبر يخصّ ما دلّ على المنع عن الزائد على خمس قطع
؛ لصحة السند، والاعتضاد بعمل الأصحاب، ولم أقف على رادّ له في الباب.
فينتهي لفائفها حينئذ إلى ثلاث كما عن المشهور
، بناءً على استحباب
الحبرة أو ما يقوم مقامها لها. أو ثنتين، بناء على عدمه كما هو
الأحوط لعدم الدليل المعتد به من أصلها عليها. نعم: لو قيل باستحبابها للرجل أمكن زيادتها هنا لها أيضا للمرسل المرفوع: كيف تكفّن المرأة؟ فقال: «كما يكفّن الرجل غير أنها تشدّ على ثدييها خرقة»
الخبر. وضعفه بالشهرة منجبر. ويؤيده المرسل: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة
سنّة، وأما النساء ففريضته خمسة أثواب»
. وقد عرفت الإشكال في الثبوت للرجل. وعلى تقديره يشكل الاستدلال للشركة هنا بمثل المرسلتين؛ لقصور دلالة الاُولى باحتمال إرادة التشبيه في الكيفية، أو القَطع المفروضة والمستحبة الوفاقية خاصة ومتروكية ظاهر الثانية، مع احتمال أن يراد منها ما في الخبر: في كم تكفّن المرأة؟ قال: «تكفن في خمسة أثواب أحدها
الخمار»
. وكيف كان: فلا ريب في كون
الاحتياط في الاقتصار على اللفافتين، بل الواحدة لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، فتأمل.
وتبدل المرأة بالعمامة قناعاً كما في الشرائع والقواعد والجامع
، ولعلّه المشهور؛ للصحيح المتقدم قريباً المتضمن للخمار، سمّي به لتخميره الرأس ويدل عليه غيره.
•
الحنوط، ويسحق
الكافور باليد، وإن فضل عن
المساجد ألقى على صدره
؛ وأن يكون درهما
أو أربعة دراهم
، وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلثا
.
•
الجريدتان في الكفن، ويجعل مع
الميت جريدتان
، إحداهما من جانبه الأيسر بين قميصه وإزاره، والأخرى مع ترقوة جانبه الأيمن يلصقها بجلده
، وتكونان من
النخل وقيل: فإن فقد فمن
السدر، وإلا فمن الخلاف
، وإلا فمن غيره من الشجر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۳۹۲-۴۱۲.