مستحبات المحصور
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ما يستحب فعله للمحصور هي: بعث
الهدي ، والمواعدة مع المبعوث، و
اجتناب ما يجتنبه المحرم، و أنه (لا يلبّي) .
( و ) اعلم أنه ( روي ) في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ( استحباب بعث هدي ) من أيّ أُفق من
الآفاق كان.
(والمواعدة) مع المبعوث معه (لإشعاره وتقليده.
و اجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ
الهدي محلّه .
و) أنه (لا يلبّي) .
أظهرها دلالةً على ذلك الصحيح : «إنّ علياً عليه السلام وابن عباس كانا يبعثان هديهما من
المدينة ثم يتجرّدان، - و - إن بعثا بهما من أُفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوماً معلوماً، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم، ويجتنبان كلّ ما يجتنب المحرم، إلاّ أنه لا يلبّي إلاّ من كان حاجّاً أو معتمراً».
وقريب منه آخر : عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال : «يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم، فإذا كان
يوم النحر أجزأ عنه، فإنّ
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر
بدنة ورجع إلى المدينة».
لكنه كباقي الأخبار يحتمل
الاختصاص بالمصدود والمحصور، لمكان التعليل فيه وإن بَعُد بالإضافة إلى قوله في الصدر : تطوعاً، لقبوله التنزيل على ما يوافق التعليل ويلائمه من الاختصاص بالمصدود، ولا كلام في الحكم فيه ولا في المحصور.
لكن ظاهر متأخري الأصحاب
الاتفاق على عمومها للمسألة، بل اختصاصها بها، حيث استدلوا بها للحكم فيها، مدّعين اشتهارها بين الأصحاب، رادّين بذلك على الحلّي حيث أنكر الحكم في المسألة بعد أن نقله عن الشيخ في النهاية، قائلاً بأنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها، وهذه أُمور شرعية يحتاج مثبتها ومدّعيها إلى أدلة شرعية، ولا دلالة من كتاب، ولا سنّة مقطوع بها، ولا إجماع، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم، ولا يودعونه في تصانيفهم، وإنما أورده شيخنا
أبو جعفر الطوسي في كتابه النهاية
إيراداً ، لا اعتقاداً، لأن الكتاب المذكور كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر، كثيراً ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها، والأصل
براءة الذمة من التكاليف الشرعية.
وأول من ردّه الفاضل في المختلف، فقال بعد نقل هذه الأخبار : وهذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل ذلك شاذاً من غير دليل، وهل هذا إلاّ جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك أحكام الشرع.
وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين،
معربين عن الأكثر بأنهم الكليني والصدوق والقاضي والشيخ في
المبسوط . وهو حسن، إلاّ أن تعداد الكليني والصدوق منهم مبني على ظهور الأخبار عدا الصحيح الأول عندهما في محل البحث، وهو محلّ نظر، ولم يرويا الصحيح الأول الذي هو ظاهر فيه، وروايتهما للأخبار غير معلوم فهمهما منها ما يتعلق بالبحث، فلعلّهما فهما منها ما يختص ببحث
الصدّ والحصر كما مرّ.
ووافقنا على التأمل في دلالة ما عدا الأول على الحكم في محل البحث بعض فضلاء المتأخرين، فقال بعد نقل القول بكون
الاجتناب عما يجتنبه المحرم على الوجوب، كما هو ظاهر الشيخ والقاضي، للأمر به في الخبر المتقدم، مع التصريح بتحريمه عليه كما يحرم على المحرم في الصحيح الآخر وقريب منه في السند ما لفظه : وربما ينازع فيه؛ لعدم وضوح العموم في الروايتين بالنسبة إلى
التطوع .
انتهى.
وهو حسن، إلا أنه يكفي في الوجوب تضمن الصحيح الأول الذي هو نصّ في محل البحث اجتناب
عليّ عليه السلام ما يجتنبه المحرم، وهو وإن لم يفد بنفسه الوجوب بالنسبة إلينا، بناءً على عدم وجوب التأسي من أصله، إلاّ أن بعد انضمام
الأصل من توقيفية العبادة ولزوم
الاقتصار فيها على ما ورد به الشريعة يقتضي ذلك، لأن المعهود والمأثور في الصحيحة من فعل عليّ عليه السلام هذه العبادة إنما هو على الكيفية المزبورة المتضمنة لاجتنابه فيها ما يجتنبه المحرم بالكلية. لكن مفاد هذا التحقيق
الوجوب الشرطي ، بمعنى أن هذه العبادة لا تؤدّى إلاّ بالكيفية المزبورة، لا الشرعي الذي يترتب عليه الكفارة . ومن هنا يظهر وجه النظر فيما يحكى عن ظاهر الشيخ والقاضي في لزوم
الكفارة لو فعل ما يحرم على المحرم،
وتبعهما الفاضلان هنا وفي
الشرائع والقواعد.
(لكن) قالا : (يكفّر لو أتى بما يكفّر له المحرم استحباباً) ولا بأس بقولهما. لا لما قيل من الصحيح
: إن أبا مراد بعث بدنة وأمر الذي بعثها معه أن يقلّد ويشعر في يوم كذا وكذا، فقلت له : إنه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب، فبعثني إلى أبي عبد الله علیه السلام وهو بالحيرة، فقلت له : إن أبا مراد فعل كذا وكذا وأنه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر فقال : «مره فليلبس الثياب ولينحر بقرة
يوم النحر عن لبسه الثياب».
فإنّ غاية ما يستفاد منه على تقدير وروده في محل البحث أن من لبس ثيابه للتقية كفّر ببقرة، وهو مختص باللبس ومتضمن للتكفير فيه ببقرة، ولا يقولون به، كما صرّح به جماعة،
ومع ذلك فحمله على
الاستحباب لا وجه له. بل للتسامح في أدلة السنن ، والخروج عن شبهة خلاف من أوجبها.
والظاهر أن المراد بالثياب التي أُمر فيه بلبسها يوم عرفة إنما هو ثياب الزينة، كما ورد به في الخروج ليوم العيد والجمعة،
وتقييده بذلك فرع
اتحاد الموضوع، وهو مختلف، ففيها الهدي، وفي هذا الثمن، وأحدهما غير الآخر، ولذا أفرد الحكم فيه جماعة ممن تأخر عنه،
وأفتوا به زيادةً على الأول. ولا بأس به وإن ضعف السند؛ لما مرّ من جواز
التسامح في أدلة السنن ، مضافاً إلى موافقته العمومات، كما صرّح به جمع.
ولذا أفتوا به من غير توقف فيه من جهة السند مع أن ديدنهم المناقشة في الحكم المخالف للأصل إذا لم يصحّ السند.
ثم إن مورد العبارة وأكثر الفتاوي وأخبار المسألة إنما هو استحباب بعث الهدي، لا ثمنه. خلافاً لشيخنا
الشهيد الثاني ، فساوى بينهما في ذلك؛
للمرسل : «ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة» فقيل له : لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال : «أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أُضحيّته ويأمره أن يطوف عنه أُسبوعاً بالبيت ويذبح عنه، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ للمسجد، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس».
وفيه نظر؛ إذ الظاهر أن ما تضمّنه صورة أُخرى غير مفروض العبارة والنصوص والفتاوي، لعدم تضمّنه ما تضمّنته من المواعدة لإشعار الهدي، ولا اجتناب ما يجتنبه المحرم.
رياض المسائل، ج۷، ۲۵۶- ۲۶۱.