الصد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الحصر عند أصحابنا لا يكون إلا بالمرض، والصد يكون من جهة العدو، وعند الفقهاء، الحصر والصد واحد، واعلم أن الحصر والصد اشتركا في ثبوت
أصل التحلل عند المنع من
إكمال النسك في الجملة، وافترقا في مواضع.
الأول : (في) أحكام (
الإحصار والصدّ) قدّم الحصر هنا للنص عليه في
القرآن العزيز.
قيل : ولعمومه لغةً، وأخّره بعد لكثرة مسائل الصدّ.
و (المصدود) هو (من منعه العدو) وما في معناه خاصة، بلا خلاف عند نافيه، ولا فيما سيأتي من أن المحصور مَن منعه المرض خاصة، وبالإجماع منّا صرّح جماعة مستفيضاً
ومنهم شيخنا في
المسالك فقال : هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم.
أقول : ومنها الصحيح : «المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليس من مرض، والمصدود تحلّ له النساء، والمحصور لا تحلّ له النساء».
ثم قال : وهو مطابق أيضاً للّغة، قال في الصحاح : أُحصر الرجل على ما لم يسمّ فاعله، قال
ابن السكيت : أحصره المرض، إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها، قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) إلى آخر ما قال. وما نقله عن ابن السكيت قد نقله أيضاً في
المصباح المنير عنه وعن ثعلب، وعن الفراء أن هذا هو كلام العرب وعليه
أهل اللغة.
أقول : ولكن المحكي عن أكثرهم
اتحاد الحصر والصدّ، وأنهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض، وهذا هو الذي عامة فقهاء الجمهور.
وكيف كان فلا ريب فيما ذكرنا بعد ورود النص بذلك عن أهل
العصمة سلام الله عليهم.
واعلم أنهما مشتركان في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة، ويفترقان في عموم التحلّل، فإنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل كلّ ما حرّمه
الإحرام ، والمحصَر ما عدا النساء؛ وفي مكان ذبح هدي التحلل، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث صدّ، والمحصَر يبعثه إلى مجلّة بمكة ومنى؛ وفي إفادة
الاشتراط تعجيل التحلل للمحصَر دون الآخر، لجوازه له بدون الشرط. وقد يجتمعان على المكلّف بأن يمرض ويصدّه العدو، فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما، وأخذ الأخفّ من أحكامهما؛ لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم، سواء عرضاً دفعةً أو متعاقبين، وفاقاً لجماعة.
خلافاً للشهيد في
الدروس ، فاستقرب ترجيح السابق إذا كان عرض الصدّ بعد بعث الهدي للحصر، و
الإحصار بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر.
ولا يخلو عن وجه، ومع ذلك فلا ريب أنه أحوط.
•
أحكام المصدود، وأما المصدود، فهو الذي يصده العدو عن الدخول إلى مكة، أو الوقوف بالموقفين، فإذا كان ذلك، ذبح هديه في المكان الذي صد فيه، سواء كان في الحرم، أو خارجه، وإذا قد تمهد هذا (فإذا تلبّس بالإحرام) لحج أو عمرة وجب عليه
الإكمال إجماعاً، فتوًى ودليلاً، كتاباً وسنّة.
(و) انما (يتحقق الصدّ مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة) بل عن مناسكها، ولو قال «من مكة» تنزّل عليه بلا تكلّف مع
الإيجاز إن كان معتمراً (أو الموقفين) أو أحدهما مع فوات الآخر إن كان حاجّاً (بحيث لا طريق) له (غير موضع الصدّ، أو كان) له طريق آخر (لكن لا نفقة) له في سلوكه. ولا خلاف في حصول الصدّ بذلك، بل قيل : اتفاقاً.
وكذا إذا صدّ المعتمر عن
الطواف أو
السعي خاصة؛ لعموم الآية و
استصحاب حكم الإحرام إلى
الإتيان بما على المصدود، وأما حصول الإحلال به فبطريق أولى مع العموم.
ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها، قيل : إجماعاً كما نقله جماعة من الأصحاب، بل يحكم بصحة حجه ويستنيب في
الرمي إن أمكن، وإلاّ قضاه في القابل.
وإن منع من مناسك منى
يوم النحر واستناب قد تمّ نسكه بمنى بلا خلاف. فإن تعذّر
الاستنابة قيل : احتمل البقاء على إحرامه مطلقاً؛ للأصل.
وكذا لو كان المنع عن مكة ومنى جميعاً، ولو منع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى يبقى على إحرامه بالنسبة إلى
الطيب والنساء والصيد خاصة. وقيل : إن لم يمكنه الاستنابة في الرمي فهو مصدود؛ لعموم نصوصه، وأولوية تحلله من المصدود عن الكل. وفي
الذبح فهو لا يستطيع الهدي، فعليه
الصيام بدله إن لم يمكنه
إيداع الثمن ممن يذبح بقية ذي الحجة.
وهذا القول أظهر؛ لقوة دليله، مع ما في الأول من لزوم البقاء إلى القابل العسر والحرج. ومنه مضافاً إلى
الأولوية المتقدم إليها
الإشارة يظهر الجواب عمّا قيل على عموم الكتاب والسنة باختصاص إطلاقهما بحكم التبادر وغيره بحيث لا يدانيه شبهة بما إذا صدّ عما يفوت به الحج أو العمرة بالكلّية، لا بعض أفعالهما المتأخرة؛ فإنه على تقدير تسليمه، وربما يمنع بأن منطوقهما وإن اختص بذلك إلاّ أن فحواهما يعمّه وغيره حتى ما يمكن فيه الاستنابة، إلاّ أنه خرج اتفاقاً فتوًى وروايةً.
ومن ثمرات الصدّ وإن كان قضاء الحج من قابل وجوباً أو استحباباً، إلاّ أنه في صورة فواته بالصدّ ونحوه، لا مطلقاً، فإنه ليس من لوازمه التي لا تنفك منه إجماعاً، وإنما ثمرته اللازمة له جواز
الإحلال من الإحرام ووجوب الهدي. ونحن نقول بهما هنا، لكن على إشكال في الأخير؛ لفقد العموم فيه، وعدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصدّ عن الحج أو العمرة من أصله، فإنّ غاية الأولوية
إفادة جواز الإحلال لا وجوبه، لاحتمال خصوصية في الصدّ عن كلّ الحج في إيجابه لا توجد في الصدّ عن أبعاضه، لكن غاية ذلك الشك، و
أصالة البقاء على الإحرام ربما تحكم بإيجابه، فإيجابه للأصل لا للفحوى وهو كافٍ في ذلك.
وتلخّص ممّا ذكرنا تحقّق الصدّ الموجب و
الهدي بالمنع عن الحج والعمرة بتمامهما أو أبعاضهما، وسقوط ما صدّ عنه بعد التحلّل في عامة إلاّ ما تقبل النائبة فيجب، ولا ثمرة للصد فيه إلاّ إفادة جوازم التحلّل فيما لا تحلّل إلاّ بفعله أو بالصدّ.
(ولا يسقط الحج الواجب) المستقر في ذمته قبل عام الصد، ولا المستمر إليه وإلى العام المقبل (مع الصدّ) فيقضيه وجوباً في القابل.
(ويسقط المندوب) أي لا يجب كما أوجبه أو حنيفة وأحمد في رواية
للأصل و
الإجماع ، كما هو ظاهر التذكرة والمنتهى،
وإنما يقضيه ندباً. وفي بعض الأخبار المتقدمة والآتية في الحصر دلالة عليه.
•
أحكام هدي المصدود، وأما المصدود، فهو الذي يصده العدو عن الدخول إلى مكة، أو الوقوف بالموقفين، فإذا كان ذلك، ذبح هديه أو نحره مكان
الصد بنية
التحلل فيحل على
الإطلاق .
رياض المسائل، ج۷، ص۲۲۴- ۲۳۸.