معرفة الشاهد بالمشهود عليه
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولا يشهد إلا مع المعرفة أو
شهادة عدلين بالمعرفة؛ ويجوز أن تسفر المرأة ليعرفها
الشاهد.
واعلم أنّه ظهر مما مرّ من اشتراط العلم في الشهادة أنّه لا يجوز أن يشهد
الشاهد على أحد ولا له إلاّ مع المعرفة بما يشهد عليه من شخصه أو نسبه.
وإنّما أعاده هنا مع معلوميته سابقاً تنبيهاً على عدم انحصار مستندها في
العلم الحقيقي، بل يجوز استنادها إليه أو إلى شهادة عدلين بالمعرفة فيعرّفانه ما يريد الشهادة عليه من شخص المشهود عليه أو نسبه ويكون شاهد أصل لا فرعاً، ومحصّله كفاية
العلم الشرعي في الشهادة.
وهي وإن خالفت
الأصل؛ لوجوب حمل العلم الوارد في
النص والفتوى اعتباره في صحة الشهادة على معناه الحقيقي عرفاً ولغةً، وهو ما لا يحتمل النقيض أصلاً، ولعلّه لهذا يظهر من
الكفاية في بحث شهادة الأعمى التأمّل فيه، حيث قال: قالوا والأعمى إذا انضمّ إلى سماعة معرّفان يشهدان على العاقد جاز له الشهادة عليه
. انتهى.
إلاّ أنّه لا خلاف بين
الأصحاب فيما أعلم في اعتبارهم العلم الشرعي المستند إلى شهادة العدلين أيضاً، بل ظاهر
السرائر الإجماع عليه، فإنّه قال: فإذا حضر الشاهد فلا يجوز له أن يشهد إلاّ على من يعرفه، فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته من رجلين عدلين عند أصحابنا، فأمّا الواحد والنساء فلا يشهد بتعريفه ولا تعريفهن؛ لأنّه لا دليل على ذلك
.
وظاهره كما ترى أنّ المستند في الجواز هنا إنّما هو فتوى الأصحاب؛ إذ لم يذكر دليلاً آخر، وفتواهم عنده لا يكون
حجّة إلاّ مع بلوغها درجة
الإجماع كما يستفاد من الجمع المضاف في كلامه المفيد للعموم لغة، كما تشعر به أيضاً عبارة الكفاية المتقدّمة، بل لعلّها فيه ظاهرة.
وقد ذكر جماعة من الأصحاب منهم
الحلّي في السرائر
والفاضل في
التحرير وغيره
أنّه حيثما استند شهادته إلى شهادتهما لا يذكرهم مطلقة، بل يقول: أشهد على فلان بتعريف فلان وفلان.
ويجوز أن تسفر المرأة وتكشف عن وجهها ليعرفها الشاهدان لها أو عليها إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصاً أو نسباً، كما ذكره جماعة
، بلا خلاف بينهم أجده؛ للضرورة، والصحيح: كتبت إلى
الفقيه (علیهالسّلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء
الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز وبيّنها بعينها. فوقّع (علیهالسّلام): «تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله تعالى»
فتأمّل.
والخبر: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عُرفت بعينها أو حضر من يعرفها، فأمّا إذا كانت لا تُعرف بعينها ولا يحضر من لا يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها أو على إقرارها دون أن تسفر وينظروا إليها»
.
ويستفاد منه جواز الشهادة بتعريف العدلين كما مضى، وهو وإن لم يصرّح بعددهما إلاّ أنّه المعهود شرعاً، مضافاً إلى عدم قائل بكفاية الأقل هنا، مع تصريح الحلّي بالعدم كما مضى.
وربما يستفاد من الخبر الأوّل عدم جواز الشهادة بتعريفهما وأنّه لا بدّ من إسفارها، لكنه لا يعارض الثاني وإن قصر أو ضعف سنده؛ لانجباره بفتوى الأصحاب ورجحانه على الأوّل بها. مع احتماله الحمل على
التقية، كما يشعر به
الصحيح الآخر: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها، ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها»
فإنّ الظاهر أنّ مرجع ضمير الجمع هو العامّة العمياء.
مضافاً إلى كونه مكاتبة والغالب فيها التقية، فتأمّل جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۸۵-۳۸۸.