نكول المدعي عن الحلف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فان حلف المنكر استحق؛ وان امتنع سقطت دعواه.
وحيث يتوجه للمنكر ردّها على المدّعى فإن حلف استحق المدّعى؛ لما مضى.
وإن نكل وامتنع عن
الحلف، فإن لم يعلّله بشيء، أو قال: ما أريد أن أحلف، سقطت دعواه وليس له مطالبة الخصم بعد ذلك، ولا استئناف
الدعوى معه في مجلس آخر كما لو حلف المدّعى عليه؛ للنصوص المستفيضة:
منها
الصحيح: في رجل يدّعي ولا بيّنة له، قال: «يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق»
.
ومنها
الموثق كالصحيح، بل قيل
صحيح: «إذا أقام المدّعى البيّنة فليس عليه يمين، وإن لم يقم البيّنة، فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين فأبى، فلا حق له»
.
ومنها: في الرجل يدّعى عليه الحق، ولا بيّنة للمدّعي قال: «يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حقّ له»
.
ونحوه
المرسل المقطوع: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعى، وإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف وردّ اليمين على المدّعى، فهي واجبة عليه أن يحلف، ويأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له»
.
وقصور سنده بالأمرين كما سبقه بالجهالة مجبور بعمل
الطائفة.
ولأنّه لولا ذلك لرفع خصمه كلّ يوم إلى
القاضي والخصم يردّ عليه اليمين وهو لا يحلف، فيعظم الخطب.
مع أنّ ذلك إجماعيّ إذا كان في مجلس الحكم، كما صرح به في
القواعد والشرائع، ويظهر أيضاً من تتبع
الفتاوى. وإنّما الخلاف والإشكال في غيره، فقيل: إنّما يسقط حقّه في ذلك المجلس وله تجديده في غيره
.
وما ذكرنا أصحّ وأشهر، وعليه عامّة من تأخّر، بل القائل المذكور غير معروف، ومستنده مع ذلك غير واضح، وعلى تقديره لا يعارض إطلاق النصوص المعتضدة بالأصل وعمل المشهور.
واستثنى من ذلك
الشهيدان وبعض من تبعهما
ما إذا أتى ببيّنة.
وإطلاق النصوص والفتاوى يدفع ذلك، إلاّ أن يذبّ عنه باختصاصه بحكم
التبادر بما إذا لم تكن له بيّنة في
نفس الأمر، وانحصر الحجة المثبتة لحقه في يمينه. ولعله غير بعيد.
وإن ذكر لامتناعه سبباً مثل الإتيان بالبيّنة، أو سؤال
الفقهاء، أو النظر في الحساب، أو نحو ذلك، ترك ولم يبطل حقّه من اليمين كما في
المسالك وغيره
، وهو حسن، ولا ينافيه
إطلاق النصوص؛ لاختصاصه بحكم التبادر بالامتناع الخالي عن ذكر نحو ما ذكر من السبب، فلا يشمل غيره، بل لعلّه لا يعدّ مثله في العرف امتناعاً.
وهل يقدر إمهاله أم لا؟ وجهان، أجودهما الثاني عند شيخنا
الشهيد الثاني، قال: لأنّ
اليمين حقّه، وله تأخيره إلى أن يشاء كالبيّنة فيتمكن من إقامتها متى شاء، وهذا بخلاف المدّعى عليه، فإنّه لا يمهل إذا استمهل؛ لأنّ الحقّ فيه لغيره، بخلاف تأخير المدّعى، فإنّه يؤخّر حقّه فيقبل إذا كان له عذر مسموع
. وفيه نظر.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۸۵-۸۷.