هوام الجسد في الإحرام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قتل هوامّ الجسد بالتشديد جمع هامّة، وهي دوابّه كالقمل. والمنع عن قتلها مطلقاً في الثوب كانت أو في
البدن .
(قتل هوامّ الجسد) بالتشديد جمع هامّة، وهي دوابّه كالقمل. والمنع عن قتلها مطلقاً في الثوب كانت أو في
البدن مشهور بين الأصحاب، كما صرَّح به جمع؛
للصحيح : «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة».
وقريب منه آخر : «إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب و
الفأرة ».
وهما وإن لم ينصّا على العنوان إلاّ أنه داخل في عمومها، ولم أعرف عليه نصّاً بالخصوص، فالتعبير بما فيهما كما عن جماعة من القدماء أولى.
وعن الأكثر التنصيص على خصوص القمل؛ لورود النصوص الكثيرة المتضمنة للصحاح وغيرها فيها بالخصوص.
إلاّ أن الصريح منها في حرمة قتله للتعبير فيه عنها بعد أن سئل عنه ب «بئس ما صنع»
ضعيف السند، معارض بالصحيح : في محرم قتل قملة، قال : «لا شيء عليه في القملة، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها»
ولفظة «لا ينبغي» وعموم الشيء المنفي وشموله للعقاب ظاهران في عدم
التحريم . إلاّ أن الخبر السابق نصّ
بالإضافة إليهما، فيحملان عليه بحمل لفظة «لا ينبغي» على التحريم، كما شاع
استعمالها فيه في الأخبار، وتخصيص الشيء بالكفارة لاستحبابها على الأقوى وإن قلنا بتحريم إلقاء النملة وقتلها (منه رحمه الله).
ونحوه في العموم الصحيح : «لا بأس بقتل القمل في الحرم وغيره».
والمرسل : «لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم»
وهما يعمّان المحرم وغيره. لكن الخبر السابق نصّ في المحرم، فينبغي حملهما على غيره، جمعاً وحملاً للعام على الخاص (منه رحمه الله). وما عداه من الصحاح لم تنصّ بتحريم القتل، بل هي ما بين مانعة عن النزع وعن
الإلقاء ، وموجبة للكفارة بهما، وهما غير المدّعى وإن قيل يستفاد من الأوّل بطريق أولى؛
لعدم وضوحه، سيّما وقد حكي عن ابن حمزة أنه حكم بحرمة الإلقاء وجواز القتل على البدن،
وعن جماعة من القدماء
أنهم لم يذكروا إلاّ
الإزالة عن نفسه والإلقاء دون قتله.
وعلى تقدير وضوحه يعارض ما دلّ منها على حرمة الإلقاء بما دلّ من الصحاح المتقدمة وغيرها من جواز قتله؛ لاستلزامه جواز الإلقاء بطريق أولى. مضافاً إلى صريح بعض الأخبار : عن المحرم يلقي القملة، فقال : «ألقوها أبعدها الله تعالى غير محمودة ولا مفقودة».
وما دلّ منها على وجوب
الكفارة بمثلها ممّا دلّ على عدم وجوبها،
والجمع بينها يقتضي استحبابها، كما عليه جماعة من المحققين.
وبالجملة : التمسك بهذه النصوص لإثبات حرمة قتل القملة فضلاً عن غيرها من هوامّ الجسد لا وجه له، سيّما والأخبار المجوّزة مع موافقتها للأصل مخالفة للعامة كما قيل،
بخلاف المانعة. بل العمدة في
إثبات الحرمة ما قدّمناه من الصحيحين.
مع
إمكان التأمل في ثانيهما بظهور
الاستثناء فيه في كون الدواب الممنوع عن قتلها من قبيل المستثنى، كما صرَّح به بعض المحدّثين، ويعضده ورود النصوص بالرخصة في قتل البقّ والبرغوث. وكونِ المتبادر من الدابة في أوّلهما خصوص القملة لا غير، فيعارضه أيضاً ما دلّ على جواز قتلها، ولذا صرّح بعض المحدّثين بالكراهة في القملة قتلاً وإلقاءً، بل وغيرها، لكن فيها أشدّ كراهة. ولا يخلو عن قوة لولا
اتّفاق الأصحاب ظاهراً على حرمة إلقاء القملة، وعن ابن زهرة أنه نفى الخلاف عنه في الغنية.
وأما قتلها فهو وإن قال به ابن حمزة، لكنه شرط وقوعه على البدن، لا مطلقاً،
كما هو ظاهر الأخبار المجوزة، فهي إذاً شاذة لا عامل بها، وبشذوذ قول ابن حمزة أيضاً صرَّح بعض أصحابنا.
وحينئذٍ فيتعين في القملة القول بالحرمة قتلاً وإلقاءً، ويشكل في غيرها من سائر هوامّ الجسد، خصوصاً الإلقاء. بل الظاهر جوازه؛ لما سيأتي من النص الصحيح بجوازه عموماً في الدواب، وخصوصاً في بعضها، وأما القتل فالأحوط التجنب عنه.
(ويجوز نقله) من مكان إلى آخر من الجسد بلا خلاف؛ للصحيح : «المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فإنها من جسده، فإذا أراد أن يحوّله من مكان إلى مكان فلا يضرّه».
وإطلاقه كالفتوى يقتضي عدم
اشتراط كون المنقول إليه مساوياً أو أحرز. فالقول به كما يحكى عن بعضهم
تقييد للنصّ من غير وجه، إلاّ أن يريد به عدم كونه معرضاً للسقوط قطعاً أو غالباً، فلا بأس به فإنه في معنى الإلقاء.
(ولا بأس بإلقاء القُراد والحَلَم) بفتح الحاء واللام جمع حَلَمة كذلك، وهي القُراد العظيم كما عن
الجوهري ،
والقرُاد : ما يتعلّق بالبعير ونحوه، وهو كالقمل
للإنسان .
بلا خلاف إذا كان عن نفسه؛ للصحيح الآتي. وكذا عن بعيره في القُراد، وفي الحملة عنه قولان، أجودهما المنع، وفاقاً للتهذيب وجمع؛
للصحيحين
وغيرهما،
المصرّحة بالفرق بينها وبين القُراد في حقه.
خلافاً للمحكي عن الأكثر فالجواز،
ومستندهم غير واضح عدا ما يقال من الصحيح : أرأيت إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمة أطرحهما؟ قال : «نعم وصغار لهما، إنهما رقيا في غير مرقاهما».
وهو كما ترى؛ فإن مورده النفس، بل ظاهر التعليل يدل على المنع في
البعير ، فتدبر.
وربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد من نحو البرغوث، ولعلّه المراد من هوامّ الجسد من نحو المتن، فيتّضح له المستند. ولا يضرّ تخالف المتن والنصّ في
الاطراح والقتل؛ لاحتمال التعدي من أحدهما إلى الآخر بفحوى الخطاب، كما صرّح به جمع.
ولكنه على تقدير وضوحه معارض بصريح ما دلّ من النصوص على جواز قتل المحرم البقّ والبرغوث، منها زيادة على ما مرّ الصحيح المروي في آخر
السرائر : عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أذاه قال : «نعم».
ونحوه الخبر مبدلاً فيه الشرط ب «إذا رآه» في نسخة، وب «إذا أراده» في أُخرى.
وهو أحد القولين وأجودهما، وفاقاً لجماعة،
خلافاً لآخرين فالمنع،
وهو أحوطهما.
رياض المسائل، ج۶، ص۲۸۶- ۲۹۲.