وظائف الحاكم في القضاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في وظائف الحاكم وآدابه وهي أربع: الأولى: التسوية بين الخصوم في
السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات،
والعدل في الحكم، ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون
الكافر قائما
والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا؛ الثانية: لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه؛ الثالثة: اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه؛ الرابعة: اذا بدر أحد الخصمين سمع منه، ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته، ولو ابتدرا الدعوى، سمع من الذي عن
يمين صاحبه، وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه
بالقرعة.
يجب على القاضي التسوية بين الخصوم في
السلام عليهما وردّه إذا سلّما عليه والكلام معهما والمكان لهما فيجلسهما بين يديه معاً والنظر إليهما والإنصات والاستماع لكلامهما
والعدل في الحكم بينهما، وغير ذلك من أنواع الإكرام
كالإذن في الدخول، وطلاقة الوجه. للنصوص المستفيضة:
منها: القريب من الصحيح
بالحسن بن محبوب المجمع على تصحيح رواياته فيجبر به جهالة راويه، وهو طويل ومن جملته قول
علي (علیهالسّلام) لشريح: «ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك، حتّى لا يطمع قريبك في حيفك، ولا ييأس عدوّك من عدلك»
.
ومنها: القوى بالسكوني وصاحبه: «من ابتلى بالقضاء فليواسِ بينهم في
الإشارة، والنظر، والمجلس»
.
وفي مثله: «إنّ
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) نهى أن يضاف الخصم إلاّ ومعه خصمه»
.
وفي القريب منهما: «ثلاث إن حفظتهنّ وعملت بهنّ كفتك ما سواهنّ، وإن تركتهنّ لم ينفعك شيء، إقامة
الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله تعالى في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود»
.
وهذه النصوص مع اعتبار أسانيدها جملة وحجية بعضها ظاهرة الدلالة على
الوجوب، كما هو الأظهر الأشهر بين متأخري
الطائفة، وفاقاً
للصدوقين، بل حكى عليه
الشهرة المطلقة في المسالك
والروضة، فهي أيضاً لقصور النصوص أو ضعفها لو كان جابرة.
خلافاً
للديلمي والحلّي والفاضل في
المختلف، فحكموا بالاستحباب فيما عدا العدل في الحكم؛ للأصل، وضعف النصوص سنداً ودلالة. وفي الجميع نظر يظهر وجهه بالتدبر فيما مرّ.
ثم إنّ الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى الخصوم في الكفر والإسلام.
ولو كان أحد الخصمين مسلماً والآخر كافراً جاز أن يكون
الكافر قائماً
والمسلم قاعداً، أو أعلى منزلاً قولاً واحداً، كما جلس علي (علیهالسّلام) بجنب
شريح في خصومة له مع يهودي
.
وهل تجب التسوية بينهما فيما عدا ذلك؟ ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ذلك
.
ويحتمل قوياً تعدّيه إلى غيره من وجوه الإكرام، وفاقاً
للشهيد الثاني؛ للأصل، واختصاص النصوص الموجبة للتسوية بحكم
التبادر وغيره بغير مفروض المسألة، وهو تساوي الخصوم في الإسلام أو الكفر أيضاً، على بعد فيه خاصة، مع أنّ شرف الإسلام يقتضي ذلك.
ولا يجب التسوية بينهم مطلقاً في الميل القلبي، بلا خلاف فيه، ولا في استحبابها بقدر الإمكان.
لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين ويعلّمه شيئاً يستظهر به على خصمه كأن يدّعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى بالجزم حتى تسمع دعواه، أو ادّعي عليه قرض وأراد الجواب بالوفاء فيعلّمه الإنكار لئلاّ يلزمه البيّنة بالاعتراف، أو نحو ذلك، بلا خلاف فيه على الظاهر.
قالوا: لأنّه منصوب لقطع المنازعة لا لفتح بابها، فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لنصبه.
قيل: نعم لا بأس بالاستفسار والتحقيق وإن أدّى بالأخرة إلى
تلقين صحة الدعوى
.
وزاد بعض متأخري المتأخرين فقال: بل لا يبعد جواز الأوّل أيضاً إذا كان المدّعى جاهلاً لا يعرف التحرير والقاضي علم بالحال، وما ذكروه لا يصلح دليلاً للتحريم مطلقاً؛ إذ فتح باب المنازعة الحقيقية التي تصير سبباً لعدم إبطال حقوق الناس ما نعرف فساده، إلاّ أن يكون لهم دليل آخر من
إجماع وغيره
. انتهى.
وهو حسن إلاّ أنّ فرض علم القاضي بحقيقة الحال لا يتصور معه فتح باب المنازعة بناءً على ما مرّ من جواز
القضاء بالعلم، بل لا يحتاج حينئذٍ إلى تلقين المدّعى، بل يحكم ابتداء على الخصم بعلمه، فتأمّل.
إذا سكتا أي الخصمان استحب للحاكم أن يقول لهما: تكلما أو: ليتكلم المدّعى منكما أو: إن كنتما حضرتما لشيء فاذكراه، أو ما ناسبه من الألفاظ الدالة عليه. ولو احتشماه أَمَرَ من يقول لهما ذلك، ولا يواجه بالخطاب أحدهما. بلا خلاف في شيء من ذلك على الظاهر حتى في النهي عن مواجهة أحدهما بالخطاب، ولكن قد اختلفوا في الأخذ بظاهره كما هو مقتضى وجوب التسوية، أو
الكراهة، والوجه الأوّل؛ لما عرفته.
إذا بدر أحد الخصمين وسبق إلى الدعوى سمع منه وجوباً هي دون غيرها فهو أولى. ولو قطع عليه غريمه كلامه في أثناء الدعوى فقال: كنت أنا المدّعى، لم يلتفت إليه الحاكم، بل منعه حتى تنتهي دعواه وحكومته بمطالبة جوابها منه، ثم الحكم بمقتضاه.
ولو ابتدرا وسبقا إلى الدعوى معاً سمع من الذي وقف عن
يمين صاحبه في المجلس؛ للخبر الذي أجمع أصحابنا على روايته كما في
الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر، حيث قالوا: رواه أصحابنا، وزاد الأوّلان دعوى إجماعنا عليه
فتوى أيضاً وفيه: «قضى رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام»
وعليه عامّة متأخّري أصحابنا، بل ومتقدميهم أيضاً، عدا
الشيخ فمال إلى القرعة
كما تقوله العامّة
، مع أنّه ادّعى على الأوّل إجماع الطائفة، فهو ضعيف غايته.
كتأمّل
الإسكافي في دلالة
الرواية بجواز أن يكون أراد بذلك المدّعى؛ لأنّه صاحب اليمين، واليمين المردودة إليه.
وزاد بعض متأخري المتأخرين جواز أن يكون المراد باليمين يمين القاضي
.
لمخالفة الاحتمالين للظاهر، سيّما بعد الاتفاق على الظاهر المستظهر من تلك الكتب المتقدّمة المصرح به في
المسالك على كون المراد منها ما ذكره، والتأيّد بالصحيح: «إذا تقدّمت إلى والٍ أو قاضٍ فكن يمينه» يعني: يمين الخصم
.
وإن اجتمع خصوم فإن وردوا مترتبين بدأ بالأول منهم فالأوّل، وإن وردوا جميعاً كتب أسماء المدعين في رقاع واستدعى من يخرج اسمه
بالقرعة إلاّ أن يتضرر بعضهم بالتأخير، فيقدّم دفعاً للضرر. ومثله ما لو تزاحم الطلبة عند المدرس والمستفتون عند المفتي مع وجوب التعليم والإفتاء، فيقدّمان الأسبق منهم فالأسبق، فإن جهل أو جاؤا معاً أُقرع بينهم.
ولو جمعهم على درس واحد مع تقارب أفهامهم جاز، وإلاّ فلا.
ومع عدم وجوب الأمرين فالأمر إليهما يتخيّران من شاءا، صرّح بذلك جماعة من أصحابنا
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۵۵-۶۱.