آداب الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فللإجارة آداب من جملتها
كراهة إجارة الإنسان نفسه خاصة للأعمال الدنيئة
وإباحة استئجار
الكافر للمؤمن وكراهة أجر النائحة مع الشرط وكراهة استخدام من يستحق الإكرام وكراهة اشتراط المباشرة على الأجير وكراهة استعمال الأجير قبل المقاطعة على الأجرة وكراهة تفضيل الأجير بعض المستأجرين على بعض آخر وكراهة استئجار الغير للعمل بالأدون وكراهة تضمين الأجير.
يجوز للإنسان إجارة نفسه للغير- ولو بأن تكون جميع منافعه للمستأجر- على
كراهة فيه؛
للروايات المتقدمة.
يجوز
للكافر أن يستأجر المسلم على عمل في الذمة بلا خلاف؛
لأنّه كدين في ذمته؛ إذ له إناطة العمل لغيره فينتفي السبيل،
ولما روي: أنّ
عليّاً عليه السلام أو بعض
الأنصار آجر نفسه من ذمي ليستقي له كلّ دلو بتمرة، وأتى به
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينكره.
ولو وقعت الإجارة على العين فقد ذهب بعض الفقهاء إلى الجواز، حراً كان الأجير أو
عبداً ؛ لأنّها لا تفيد ملك الرقبة، وليست تسلّطاً تامّاً بل نفسه في يده أو يد مولاه، وإنّما يستوفي منفعته بعوض.
نعم تكره إجارة الإنسان نفسه لخدمته.
وذهب بعضهم إلى
البطلان ؛ نظراً إلى أنّ صحتها تستلزم استحقاق استعماله وفيه إذلال له، فيكون أشبه شيء بالشراء،
كما يمكن استفادة ذلك من بعض الروايات.
يكره للإنسان أن يؤجر نفسه لعمل دنيء
كالحجامة مع شرط الاجرة، وليس محرماً؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم استأجر
أبا طيبة فحجمه.
ومستند الكراهة دلالة بعض الروايات عليها، كخبر
الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي أعطيت خالتي غلاماً ونهيتها أن تجعله قصّاباً أو حجّاماً أو صائغاً».
وخبر
أبي بصير : أنّه سأل
الباقر عليه السلام عن كسب الحجام؟ فقال: «لا بأس به إذا لم يشارط».
وعليه فلا يحرم ما يأخذه من الاجرة؛ للأصل، ولما روي عن الباقر عليه السلام أنّه قال: «احتجم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه، ولو كان
حراماً ما أعطاه، فلما فرغ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: أين الدم؟ قال: شربته يا رسول اللَّه، فقال:
ما كان ينبغي لك أن تفعل، وقد جعله اللَّه عز وجل لك حجاباً من النار فلا تعد».
ثمّ إنّ الحكم بالكراهة يختص بما إذا كان اشتراط الاجرة من ناحية الحجام، ولا يكره للمستأجر ذلك؛ لخبر
زرارة قال:
سألت الباقر عليه السلام عن كسب الحجام؟ فقال:
«مكروه له أن يشارطه، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماسكه، وإنّما يكره له ولا بأس عليك».
ولقول
الصادق عليه السلام: «إنّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الحجام؟ فقال: لك ناضح؟ فقال له: نعم فقال: اعلفه إياه ولا تأكله».
وفيه دلالة على حكمين: الكراهة حيث نهاه عن أكله، وعلى الاباحة حيث أمره أن يعلف الناضح به.
وقد احتمل
الأردبيلي كراهة أخذ الاجرة مطلقاً؛ لعدم دلالة الأخبار على الكراهة صريحاً، ولا دلالة في مثل موثقة زرارة على عدمها بدون الشرط، وإن كان مع الشرط آكد، والاجتناب أحوط.
وكذا يكره للقابلة أخذ الاجرة مع الشرط،
ولعلّ دليل الكراهة فيه هو الخبر، أو
الإجماع ، وإن قال بعضهم إنّه: لم يره.
هذا.
وقال
العلّامة : «لا بأس بأُجرة القابلة؛ لأنّه مما يحتاج إليه، فساغ أخذ العوض عنه كغيره من المباحات».
ونحوه في استئجار من يكنس الكنيف، فقد قيل بأنّه مكروه.
ومن الأعمال المكروهة
الحياكة ، كما يدل عليه قول الصادق عليه السلام لأبي اسماعيل الصيقل- بعد أن قال: أنا حائك-: «لا تكن حائكاً».
ولعلّ المراد اتخاذ ذلك صنعة؛ للتبادر، ولما مرّ في غيره، ولهذا قال في
التذكرة : «ويكره اتخاذ الحياكة والنساجة صنعة».
والظاهر أنّ الحياكة والنساجة شيء واحد، لما نقل عن
الصحاح أنّه قال: «نسج الثوب وحاكه واحد».
ويمكن اختصاص الكراهة بوقت الفعل، فتزول الكراهة الوضعية والرذالة التي اتصف بها الحائك بتركه، كما يشعر به قوله عليه السلام: «لا تكن حائكاً» بعد قوله: أنا حائك.
لا بأس بأجر النائحة بالحق، ويكره مع الشرط، ويحرم بالباطل.
ويدلّ عليه رواية
حنان بن سدير قال:
كانت امرأة معنا في الحي ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي فقالت: يا عم أنت تعلم معيشتي من اللَّه وهذه الجارية النائحة، وقد أحببت أن تسأل
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن ذلك، فإن كان حلالًا وإلّا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي اللَّه عز وجل بالفرج؟ فقال لها أبي: إنّي واللَّه لأعظّم أبا عبد اللَّه عليه السلام أن أسأله عن هذه المسألة، قال: فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أ تشارط» ؟ قلت: واللَّه ما أدري أ تشارط أم لا، قال: «قل لها: لا تشارط وتقبل ما أعطيت».
وقال الصادق عليه السلام: «لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت».
يكره استخدام من يستحق
الإكرام لحسب أو نسب أو كبر سن ونحو ذلك.
يكره اشتراط المباشرة على الأجير.
ويحسن أن يخيّر الأجير في أن يأتي العمل بنفسه أو بغيره.
صرّح الفقهاء
بكراهة استعمال الأجير قبل المقاطعة على الاجرة، بلا خلاف فيه ظاهراً.
ويدلّ عليه من الأخبار موثقة
مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من كان يؤمن باللَّه تعالى واليوم والآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتى يعلمه ما أجره».
وعن
سليمان بن جعفر الجعفري في الصحيح قال: كنت مع
الرضا عليه السلام في بعض الحاجة وأردت أن أنصرف إلى منزلي، فقال لي: «انطلق معي فبت عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المعتب فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أواري الدواب وغير ذلك، وإذا معهم أسود ليس منهم، فقال: «ما هذا الرجل معكم؟» قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئاً، قال:
«قاطعتموه على اجرته؟» فقالوا: لا، هو يرضى منّا بما نعطيه، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط، وغضب لذلك غضباً شديداً فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك، فقال: «إنّي نهيتهم عن مثل هذا غير مرة أن يعمل معهم أحد حتى يقاطعوه على اجرته، واعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً من غير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على اجرته إلّا ظنّ أنّك قد نقصته اجرته، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ورأى أنّك قد زدته».
وظاهر هذين الخبرين التحريم، إلّا أنّهم عليهم السلام كثيراً ما يؤكّدون في النهي عن المكروهات بما يوهم الحاقها بالمحرّمات، وفي
المستحبات بما يكاد يدخلها في حيّز الواجبات، وعلى هذا فربّما يستفاد من الخبر الثاني جواز الضرب على فعل المكروه. ويحتمل أن يقال: إنّ ذلك وإن كان مكروهاً إلّا أنّه من حيث مخالفة أمر المولى- حيث إنّه عليه السلام نهاهم عن ذلك مراراً- كان ما فعلوه محرّماً، فيجوز التأديب عليه بلا إشكال.
وقال
السيد اليزدي : «ولا يكون حينئذٍ من الإجارة المعاطاتية كما قد يتخيّل؛ لأنّه يعتبر في المعاملة المعاطاتية اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة، والمفروض عدم تعيين الاجرة في المقام، بل عدم قصد
الإنشاء منهما ولا فعل من المستأجر، بل يكون من باب العمل
بالضمان ، نظير الإباحة بالضمان، كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ونظير التمليك بالضمان كما في القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة. فهذه الامور عناوين مستقلّة غير المعاوضة، والدليل عليها
السيرة ، بل الأخبار أيضاً، وأمّا الكراهة فللأخبار أيضاً».
قال الشيخ في
النهاية : «ينبغي للمعلّم أن يسوّي بين الصبيان في التعليم والأخذ عليهم، ولا يفضل بعضهم في ذلك على بعض».
وقال
ابن إدريس : «وينبغي للمعلّم أن يسوّي بين الصبيان في التعليم والأخذ عليهم، ولا يفضّل بعضهم في ذلك على بعض، إلّا أن يؤجر نفسه لهذا على تعليم مخصوص، وهذا يستأجره على تعليم مخصوص، فأمّا إذا استؤجر على التعليم لجميعهم بالإطلاق فلا يجوز له أن يفضّل بعضهم على بعض في التعليم؛ لأنّه استؤجر عليه، سواء كانت اجرة بعضهم أكثر من اجرة بعض آخر».
ولكن قال العلّامة: «والأقرب عندي كراهة ذلك. لنا: أنّ المأخوذ عليه التعليم، وهو يحصل مع التفضيل. احتج المخالف بما رواه حسان المعلّم قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن التعليم؟ فقال: «لا تأخذ على التعليم أجراً»، قلت: الشعر والرسائل وما أشبه ذلك أشارطه عليه؟
قال: «نعم بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم، لا تفضّل بعضهم على بعض».
والجواب: القول بالموجب، فانّه محمول على الاستحباب دون الوجوب».
لو تقبّل عملًا يعمله كخياطة ثوب أو بناء حائط وشبهه فقد ذهب جملة من القدماء إلى أنّه لا يجوز أن يقبّله غيره بأقل من ذلك مع اتحاد جنس المال فيهما، إلّا أن يعمل فيه شيئاً،
بل نسب ذلك إلى المشهور،
وخالف بعضهم فقالوا بأنّه مكروه،
وقد تقدم الكلام في ذلك.
اشتهر
بين الفقهاء كراهة تضمين الأجير إلّا مع التهمة، وفيه تفسيرات:
الأوّل: أن يشهد شاهدان على تفريطه، فانّه يكره تضمينه للعين إذا لم يكن متهماً.
الثاني: لو لم يقم عليه بيّنة وتوجّه اليمين على الأجير فإنّه يكره تحليفه ليضمنه كذلك. الثالث: لو نكل عن اليمين المذكور وقضينا
بالنكول كره تضمينه. الرابع: ما إذا كان صانعاً فانّه ضامن وإن لم يفرط، لكن يكره تضمينه حينئذٍ مع عدم تهمته بالتقصير. الخامس: كراهة اشتراط الضمان عليه بدون
التفريط ، على القول بجواز الشرط. السادس: لو أقام المستأجر شاهداً عليه بالتفريط كره له أن يحلف معه ليضمنه مع عدم التهمة. السابع: لو لم يقض بالنكول يكره له أن يحلف ليضمنه كذلك.
هذا.
ولكن ذهب بعضهم إلى أنّه لا دليل على الكراهة. نعم لا بأس بالالتزام باستحباب ترك التضمين ورفع اليد عن الحق من باب أنّه إحسان في حق الغير، وهو حسن
ومندوب في كلّ حال.
وقد تقدم الكلام فيه.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۴۱-۳۴۷.