إباقة المدبر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
( ويبطل التدبير بإباق المدبّر ) مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى من مولاه.
(ولو ولد له في حال إباقه ) أولاد من أمة لسيّده أو غيره حيث يلحق به
الولد ، أو حرّة عالمة بتحريم
نكاحه (كان أولاده أرقّاء) مثله بلا خلاف ظاهر، كما في التنقيح والمسالك، وغيرهما من كتب الأصحاب،
بل عن صريح الشيخ، وظاهر الحلّي
الإجماع عليه؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الخبرين المنجبر قصور سندهما بعمل الطائفة، في أحدهما : رجل دبّر غلاماً له، فأبق الغلام، فمضى إلى قوم فتزوّج منهم ولم يعلمهم أنّه عبد، فولد له وكسب مالاً ومات مولاه الذي دبّره، فجاء ورثة الميّت الذي دبّر العبد، فطالبوا العبد، فما ترى؟ فقال : «العبد رقّ، وولده رقّ لورثة الميت» قلت : أليس قد دبّر العبد؟ فذكر : «أنّه لمّا أبق هدم تدبيره ورجع رقّاً».
ونحوه الثاني لكن في الجارية.
وفي قوله : حال إباقه
احتراز عمّا ولدته قبله، فإنّه يحكم ببقاء تدبيرهم؛ للأصل
واختصاص الفتوى والنصّ بالأولاد حال
الإباق ، وبه صرّح جماعة
من دون ذكر خلاف.
وهل يبطل تدبيرهم بإباقهم أنفسهم؟ وجهان أجودهما العدم؛ تمسكاً
بالأصل المعتضد بكون تدبيرهم بالسراية وحكم الشرع، وليس حكمها حكم
المباشرة . ولذا يجوز الرجوع في تدبير آبائهم دونهم، كما تقدّم إليه
الإشارة .
ولا يلحق بالإباق
الارتداد ؛ للأصل، وعدم حجية القياس. نعم، إن التحق بدار الحرب بطل؛ لأنّه إباق.
وإبطال الإسكافي إيّاه بأحد الأمرين
شاذّ.
(ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال : هو حرّ بعد وفاة المخدوم، صحّ على) الأصح الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخر، وفاقاً للإسكافي والنهاية والقاضي وابن حمزة.
والمستند (الرواية) الصحيحة : عن الرجل يكون له الخادم فيقول : هو أو هي لفلان يخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرّة. فتأبق
الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين، ثم تجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت؟ فقال : «لا، إذا مات الرجل فقد عتقت».
خلافاً للحلّي خاصّة،
فخصّه بوفاة المولى. قال : عملاً بالمتيقن، وادّعى أنّه شرعاً كذلك،
ولبطلانه بالإباق.
وفي الجميع نظر؛
لاندفاع الاقتصار بالنصّ الصحيح المعتضد بعمل الأصحاب. والثاني مصادرة. والملازمة بين إباقه من المالك ومن المخدوم ممنوعة، مع
إمكان الفرق، بمقابلته نعمة السيّد بالكفران فقوبل بنقيضه، كقاتل العمد في
الإرث ، بخلاف
الأجنبي .
نعم، ربّما يمكن التأمّل في دلالة الرواية؛ لعدم صراحتها في تعليق
التدبير على موت المخدوم إلاّ على تقدير تعيّن رجوع الضمير في عاش، والعهد في الرجل، إلى المولى المخدوم، وليس بمتعيّن،
لاحتمال العكس.
ويمكن الذبّ عنه بمخالفته الظاهر؛ بناءً على أقربية المخدوم إلى الضمير والعهد بحسب الذكر. ولعلّه لذا فهم الأصحاب ذلك كافّة حتى الحلّي، حيث اعترف بالدلالة، وإنّما أجاب عن الرواية بأنّها من الآحاد.مضافاً إلى صراحته في عدم بطلان التدبير بإباقه، وهو لا ينطبق إلاّ على الاحتمال الأوّل، لمخالفته على الثاني
الإجماع .
واحتمال الذبّ عن هذه المخالفة بتخصيص التدبير بما إذا أوجب بنذر وشبهه، مخالف للظاهر بلا شبهة، مع
استلزامه حمل الرواية على الفرد النادر بلا شبهة.وبالجملة : الظاهر تماميّة الدلالة وإن كان يظهر من التنقيح فيها المناقشة بما مرّ إليه الإشارة.
(و) يظهر من الرواية أنّه (لو أبق) المدبّر في المسألة (لم يبطل تدبيره وصار حرّا بالوفاة، ولا سبيل) لأحد (عليه، مع أنّه لا خلاف فيه) أيضاً. والمشهور كما في اللمعة
إلحاق الزوج بالمخدوم، فلو علّق التدبير بوفاته صحّ. وبه صرّح الفاضلان.
ويظهر من الشهيدين وغيرهما
عدم وجود رواية به، وأنّه هو لأجل المناسبة للمخدوم الذي هو مورد الرواية. ويظهر من الماتن في الشرائع
وجود رواية به، وصرّح بها في الكفاية فقال : ويدلّ عليه صحيحة
محمد بن مسلم .
ونحوه في المفاتيح،
قال بعد الحكم باللحوق ـ : ففي الخبر : في رجل زوّج أمته من رجل حرّ، ثم قال : إذا مات زوجك فأنت حرّ، فمات الزوج فقال : «إذا مات فهي حرّة، تعتدّ منه عدّة الحرة».
أقول : وروى هذا الخبر في التهذيب في باب السراري وملك الأيمان، في بحث أنه لا يجوز للمملوك أن يعقد على أكثر من حرّتين أو أربع إماء.
وليس في سنده سوى محمد بن حكيم المشترك بين الحسن والضعيف، المجبور بالشهرة المحكية، ورواية
الحسن بن محبوب عنه مع كونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه
العصابة .
والصحيحة المحكية في
الكفاية لو وجدناها لكانت حجة أُخرى مستقلة أقوى من هذه الرواية، وإن كانت لنا الآن كالرواية المرسلة التي هي حجّة أيضاً بعد
الانجبار بالشهرة. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
رياض المسائل، ج۱۳، ص۷۱-۷۵.