ارتفاع التهمة عن الشاهد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن صفات الشاهد ارتفاع
التهمة عنه؛ فلا تقبل شهادة الجار نفعا،
كالشريك فيما هو شريك فيه؛
والوصي فيما له فيه ولاية؛ ولا شهادة ذي العداوة الدنيوية، وهو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة؛
والنسب لا يمنع القبول؛ وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف، أظهره: المنع. وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته؛ وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل
الشهادة. وكذا في الزوجة؛ وربما صح فيها الاشتراط؛ والصحبة لا تمنع القبول، كالضيف والأجير على الأشبه؛ ولا تقبل شهادة السائل بكفه، لما يتصف به من مهانة النفس، فلا يؤمن خدعه؛ وفي قبول
شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول؛ وفي شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع؛ ولو اعتق قبلت للمولى وعليه؛ ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده، فورثهما غير الحمل واعتقهما الوارث فشهدا للحمل قبلت شهادتهما ورجع
الإرث إلى الولد، ويكره له استرقاقهما؛ ولو تحمل الشهادة الصبى او
الكافر او العبد أو الخصم او الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم.
ارتفاع التهمة في
الشهادة، بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في
المسالك وغيره
. والنصوص به مع ذلك مستفيضة كادت تبلغ
التواتر، بل لعلّها متواترة، ففي الصحاح: عن الذي يردّ من الشهود، قال: فقال: «الظنين والخصم» كما في أحدها
، وبدّل الخصم بالمتهم في آخر منها
، وجمعت الثلاثة في ثالثها: قلت: فالفاسق والخائن، فقال: «كل هذا يدخل في الظنين»
.
وفي
الموثق: عما يردّ من الشهود، فقال: «المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم، والأجير، والعبد، والتابع، والمتهم، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم»
ونحوها غيرها
.
وظاهر إطلاقها المنع عن قبول شهادة المتهم مطلقاً كائناً من كان، وهو خلاف ظاهر كثير من الروايات الواردة في قبول شهادة الرجل لزوجته وبالعكس
، وشهادته لابنه ولأخيه
، وكذا خلاف ظاهر
الأصحاب فيما ذكروه من قبول شهادة الصديق لصديقه والوارث لمورّثه وغير ذلك ممّا يتضمّن تهمة، فليست هذه الأخبار باقية على إطلاقها.
وعلى ذلك نبّه
الشهيدان وغيرهما
، ففي
الروضة: ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة، والوارث لمورّثه بدين وإن كان مشرفاً على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها، وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص إذا لم يكونوا مأخوذين ويتعرضوا لذكر ما أُخذ لهم. انتهى.
ونحوه
الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه، فقال: وليس كل تهمة تدفع الشهادة بالإجماع، فإنّ شهادة الصديق لصديقه، إلى آخر ما في الروضة من الأمثلة بتغييرات في الجملة، منها ذكره الخلاف في المثال الثالث، فقال: قيل: لا يقبل، والقبول قوي، وما هو إلاّ كشهادة بعض غرماء المديون لبعض، وكما لو شهد الاثنين بوصية من تركة وشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية منها أيضاً. وزاد على الأمثلة فقال: ولا تردّ شهادة غرماء المديون له بمال قبل الحجر، ولا شهادة السيد لمكاتبه في أحد قولي الفاضل. انتهى.
وظاهرهما سيّما الثاني من حيث تفريعه قبول شهادة المذكورين على دعوى
الإجماع بعنوان التعليل كون قبول شهادتهم مجمعاً عليه غير ما أشار إلى الخلاف فيه، فلا إشكال فيه في محل الإجماع، استناداً في تقييد
الأصل وإطلاق النصوص المتقدمة المانعة عن قبول الشهادة بالتهمة إليه.
ويشكل في غيره ينشأ من الاتفاق على كل من ردّها بها وقبولها معها، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين، مع اشتراكهما في أصل التهمة، ولم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة والمجامع منها معه.
ولكن التحقيق في المسألة يقتضي الرجوع إلى
إطلاق الأخبار المتقدمة؛ نظراً إلى أنّها بالإضافة إلى ما دلّ على قبول شهادة
العدل عموماً أو إطلاقاً، إمّا خاصّة فيقيد بها، أو عامّة فيصير التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه. وحيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر من إجماع أو غيره ينبغي الرجوع إلى حكم الأُصول، وهو هنا عدم القبول مطلقاً.
إلاّ أن يتردّد في التهمة في بعض الأفراد أنّها هل هي تهمة، أو داخلة في إطلاق التهمة في
النصوص المانعة عن قبول الشهادة معها؟ كما سيأتي من شهادة
الوصي والوكيل فيما لهما
الولاية فيه مع عدم نفع لهما إلاّ خصوص التصرف فيه، فإنّ قبول الشهادة في مثله أوفق بالأصل من حيث العموم الدال عليه على الإطلاق، مع سلامته عن معارضة عموم الأخبار؛ لما عرفت من التأمّل، إمّا في أصل حصول التهمة، أو دخولها في إطلاق التهمة المذكورة فيها.
وإلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الأردبيلي في مسألة شهادة الوصي والوكيل، حيث قال بعد نقل عدم قبول شهادتهما عن أكثر
الأصحاب: وفيهما تأمّل؛ إذ لا نص فيهما بخصوصهما،
والعقل لا يدرك التهمة فيهما، بل الولاية في مثل ذلك ضرر وتعب، إلاّ أن يكون يجعل بحسب مقدار المال، فتأمّل، ولا إجماع؛ إذ نقل عن
ابن الجنيد عدم ردّ شهادتهما فيما ذكر، وعموم أدلة قبول الشهادة يدل على القبول، والعدالة تمنع، بل ظاهر حال المسلم يمنع
شهادة الزور، بل من التهمة الممنوعة ووجوب الحمل على الصحة. ويؤيّده مكاتبة
الصفار الصحيحة قال: كتبت إلى
أبي محمد (علیهالسّلام): هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (علیهالسّلام): «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى
اليمين»
الحديث
. انتهى.
وقريب منه
الشهيد في الدروس، حيث قال: ولو شهد الوصي بمال لليتيم فالمشهور الردّ، وقال ابن الجنيد: تقبل. ودفع بأنّ الوصي متهم بالولاية على المال. وفي تأثير هذه التهمة نظر، وخصوصاً في مال لا
أجرة له على حفظه أو إصلاحه
. انتهى.
وهو في غاية الجودة والمتانة. وعليك بمراعاة هذه القاعدة فإنّها تنفعك في مواضع.
إذا عرفتها فاعلم أنّه لا تقبل شهادة الجارّ أي الذي يجرّ نفعاً
كالشريك إذا شهد لشريكه فيما هو شريك فيه بحيث تقتضي الشهادة المشاركة له فيه.
والوصي فيما له فيه ولاية وكذا الوكيل، على إشكال في الأخيرين، كما عرفته هنا وفي أواخر كتاب
الوصية أيضاً، إلاّ أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما هو ظاهر جماعة
ربما توجب المصير إلى ما هنا من المنع، ولذا صار إليه أكثر من تأمّل فيه بما ذكرنا، ومنهم الشهيد المتقدم ذكره فقد أفتى به في اللمعة
، وكذا في الدروس بعد تنظّره السابق، فقال بعده: فلنذكر أسباب التهمة المعتبرة، فمنها ما يجرّ بشهادته نفعاً، كالشريك إلى أن قال: والوصيّ في متعلق وصيته، وغرماء المفلّس
والميّت، والسيّد لعبده. ومنها أن يدفع ضرراً، كشهادة العاقلة بجرح شهود جناية الخطإ، وشهادة الوكيل والوصي بجرح الشهود على الموكّل والموصي، إلى آخر ما ذكره.
وينبغي القطع به إذا تضمّن شهادتهما احتمال جرّ نفع لهما بأن عيّن لهما اجرةً على التصرف في المشهود عليه.
وأمّا الحكم في الأوّل فلا خلاف ولا إشكال فيه؛ لما مرّ، مضافاً إلى
المرسل كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه
، مع أنّه في
الفقيه مروي من غير إرسال: عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال: «تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب»
.
وأمّا
الخبر: عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان، قال: «يجوز»
فمع قصوره سنداً ومكافأةً لما مضى من وجوه شتى، يحتمل الحمل على القبول فيما ليس لهما شركة فيه أصلاً، وإلاّ فطرحه متعين جدّاً، مع أنّه مرويّ بطريق آخر موثق كالصحيح
كما مرّ، إلاّ أنّه بدّل فيه «يجوز» بـ «لا يجوز شهادتهما» ويحتمل سقوط الزيادة في
الرواية الأُولى.
•
عداوة الشاهد، ولا تقبل
شهادة ذي العداوة الدنيوية على عدوّه، وتقبل له ولغيره، وعليه إذا كانت لا تتضمن فسقاً
؛ والعدو هو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة
.
•
قرابة الشاهد،
والنسب والقرابة لا يمنع القبول للشهادة
؛ وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف
، أظهره: المنع
؛ وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته
؛ وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل
الشهادة، وكذا في الزوجة
؛ وربما صح فيها الاشتراط؛ والصحبة لا تمنع القبول
، كالضيف والأجير على الأشبه
.
•
شهادة السائل، ولا تقبل
شهادة السائل بكفّه
، لما يتصف به من مهانة
النفس، فلا يؤمن خدعه
.
•
شهادة المملوك، وفي قبول
شهادة المملوك روايتان، أشهرهما: القبول
؛ وفي شهادته على المولى قولان، أظهرهما: المنع
؛ ولو اعتق قبلت للمولى وعليه
؛ ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده، فورثهما غير الحمل واعتقهما الوارث فشهدا للحمل قبلت شهادتهما ورجع
الإرث إلى الولد
، ويكره له استرقاقهما
.
•
زوال المانع في الشهادة، ولو تحمل
الشهادة الصبي، أو
الكافر، أو العبد، أو الخصم، أو الفاسق ثم زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم بعد استجماع الشرائط الأُخر؛ لوجود المقتضي وانتفاء الموانع
وغيره
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۲۸۰-۳۱۶.