استيفاء الوصي من مال الموصي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجوز للوصي
استيفاء دينه مما في يده من غير توقف على حكم الحاكم بثبوته، ولا على حلفه على بقائه.
(ويجوز) للوصي (أن يستوفي دينه مما في يده) من مال
الموصي مطلقاً، ولو من دون بيّنة، عجز عنها أم لا، على الأقوى، وفاقاً للشهيدين وغيرهما؛
لعموم أدلّة جواز المقاصّة لمن له دين على آخر.
ولأن الفرض كونه وصيّاً في إثبات الديون، فيقوم مقام الموصي في ذلك، والغرض من البيّنة و
الإثبات عند الحاكم جواز كذب المدّعى في دعواه فنيطت بالبينة شرعاً، وعلمه بدينه أقوى منها، بناءً على جواز خطائها دونه.
ولأنه بقضائه الدين محسن، وما على المحسنين من سبيل.
خلافاً للنهاية والقاضي،
فلم يجوّزا ذلك إلاّ مع البينة، وحجّتهم عليه غير واضحة سوى
الأصل ، والموثق : إن رجلاً أوصى إليّ فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له، ففعل، وذكر الذي أوصى إليه لي أن له قِبَل الذي أشركه في
الوصية خمسين ومائة درهم وعنده رهن بها جام فضة، فلما هلك الرجل أنشأ
الوصي يدّعي أنه له قِبَله أكرار حنطة، قال : «إن أقام البينة، وإلاّ فلا شيء له» قال : قلت : أيحلّ له أن يأخذ مما في يده شيئاً؟ قال : «لا يحلّ له» قلت : أرأيت لو أن رجلاً عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أكان ذلك له؟ قال : «إن هذا ليس مثل هذا».
ويضعّف الأوّل بلزوم الخروج عنه بما مر.
والثاني : أولاً : بعدم مقاومته لما تقدم، من حيث كثرته واشتهاره دون الثاني.
وثانياً : بالقول بموجبه من حيث فرضه في استيفاء أحد الوصيين على
الاجتماع بدون إذن الآخر، وذلك فإن أحد الوصيين كذلك بمنزلة الأجنبي ليس له الاستيفاء إلاّ بإذن الآخر كباقي التصرفات، وليس للآخر تمكينه منه بدون إثباته. ولا كذلك ما نحن فيه؛ لفرضه في الوصي المستقل، وقد نبّه عليه بقوله في آخر الخبر بعد أن سأله عن أخذ ماله قهراً : «إن هذا ليس مثل هذا» والمراد أن هذا إنما يجب أن يأخذ بإذن الآخر فليس له أن يمكّنه من الأخذ بمجرد دعواه، بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله مقاصّةً، فإن له ذلك حيث لا يطّلع عليه أحد، وهو منتفٍ هنا، كذا قيل.
ويمكن أن يتنظّر فيه أولاً : بمخالفة هذا الفرق لإطلاق كلام أرباب القول الأوّل، بناءً على أن الظاهر أن مرادهم بالوصي وإن كان بلفظ المفرد الجنس الشامل له وللفرد الآخر، وإلاّ لزم عدم جواز استيفاء أحد الوصيين دينه مع علم الآخر بثبوته على الموصي حال الاستيفاء، ولعله مخالف لظاهر مرامهم، ولا أظن القائل يلتزمه، مع أن عموم أدلّة الجواز شامل له ولمحل الفرض في الخبر.
وثانياً : بعدم وضوح الفرق إلاّ من حيث عدم جواز الأخذ بدون إذن الآخر؛ لعدم استقلاله بالإذن في التصرف. وهو يتمّ إذا كان الوجه في جواز
الاستيفاء هو
الوصية إليه وإذنه في التصرف، وليس كذلك، لما عرفت من أدلته التي منها أدلّة جواز المقاصّة، وكونه محسناً، وبالجملة فوجوه الجواز عديدة، منها الأدلة المزبورة العامة لصورتي كون المستوفي وصيّاً وعدمه، وعلى هذا فيجوز الأخذ بدون إذن الآخر، لجوازه بدون إذن الموصي لو كان حيّاً فلأن يجوز بدون إذنه أولى.
نعم، عليه يتوقف المقاصّة على صورة العجز عن الإثبات بالبينة إن قلنا باشتراطه في مسألة المقاصّة، وإلاّ كما هو الأشهر الأقوى ثمة فلا توقف عليها أصلاً.
وللحلّي والماتن في
الشرائع والفاضل في المختلف
هنا قول بالتفصيل بين صورتي العجز عن الإثبات فالأوّل، وعدمه فالثاني، ووجهه غير واضح غير الحوالة على مسألة المقاصّة إن قيل بهذا التفصيل فيها.
وربما ينسب هذا القول إلى
النهاية والقاضي،
مع أن المستفاد من عبارتهما المنقولة في المختلف وغيره
هو الثاني.
والعجب من الذي نسبه إليهما أنه استدل لهما بالموثق الذي مضى، مع أن ظاهره كما ترى المنع مع عدم
إقامة البينة مطلقا، ولو كان عاجزاً عنها، هذا.
ويمكن توجيه القول الثاني باستلزام مقاصّته التصرف في المال المشترك بينه وبين الورثة من دون إذنهم أو إذن الحاكم مع عدم تقصيرهم في
الأداء ، ولا تشمله أدلّة المقاصّة، لانصرافها بحكم التبادر إلى صورة حياة المديون خاصّة، وليس فيها المانع المتقدم إليه
الإشارة .
ولعل هذا هو وجه الفرق المصرّح به في الرواية المتقدمة دون ما ذكره القائل المتقدم.
وعلى هذا الوجه لا فرق بين الوصي المتّحد والمتعدّد مطلقاً، إلاّ أن يقال بالمنع عن جريان علّة المنع المذكورة في هذا الوجه في المتحد، بناءً على قيامه مقام الموصي مستقلا في أداء دينه، ولذا يجوز له أداؤه إذا كان لغيره بعد علمه بثبوته إلى حال الأداء اتفاقاً، فتأمّل جدّاً.
ويمكن توجيه مختار الماتن في الشرائع أمّا في محل المنع فبما مرّ : من لزوم التصرف بدون
الإذن الممنوع منه، وفي محل الجواز بتخصيص وجه المنع بأدلّة نفي الضرر ولزوم العسر والحرج.
وهذا في الجملة أحوط، وإن كان القول الأوّل أظهر، لكن في الوصي المتحد والمتعدّد على
الانفراد ، دون الاجتماع؛ لقوة المنع فيه، كما ذكره القائل المتقدم، بناءً على
انحصار دليل الجواز على ما ذكر هنا من التحقيق في الإذن بالوصية خاصّة، دون أدلّة
نفي السبيل عن المحسن وجواز المقاصّة، وإن استدل باولاهما القائل المزبور، وبها وبثانيتهما الحلّي، فإنهما بمحلٍّ من القصور، فالثاني : بما مرّ من اختصاصه بحكم التبادر بحال حياة المديون، فلا عموم فيها للمفروض، والأوّل : بأنه لا يخصّص ما دلّ على المنع عن
التصرف في المال المشترك.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۳۳- ۳۳۷.