اشتراط كون المبيع معلوم القدر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الثاني : يشترط فيهما المعلوميّة كلاًّ أو بعضاً على ما يأتي ،فلا يصحّ بيع المجهول والمبهم ؛ حذراً من
الغرر المنهي عنه إجماعاً ، وقطعاً للنزاع.ولكن المعلومية لكلّ شيء بحسبه في العادة، فما بيع بـ (الكيل أو الوزن أو العدّ) يكون تعيينه بها، على الأظهر الأشهر بين أصحابنا.
(فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعدّ لا كذلك) بل جزافاً (بطل) لما تقدّم؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع الأُولى
متواترة ، ففي الصحاح : «ما سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة».
وقرينة السؤال في أحدها مع نفي الصلاح الدالّ على الفساد وفهم الأصحاب قرينة على الدلالة.
وفي الخبرين، أحدهما الصحيح : «لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر».
ونحوه الثاني
مع قوّة في الدلالة؛
لتبديل «لا يصلح» بـ «لا يحلّ» مع المنع فيه عن
البيع بصاع البيت الذي يكون أصغر من صاع السوق.وفيهما الدلالة على
اعتبار صاع البلد ومكياله المشهور، كما هو عن الأصحاب منقول، فلا يجوز البيع بالكيل النادر، وعليه ينزّل
إطلاق ما مرّ حملاً له على الأغلب والمتعارف.
وفي الموثق كالصحيح : عن شراء الطعام أو ما يكال ويوزن، هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فأجاب عليه السلام بنفي البأس إذا كاله البائع وأخبر به المشتري.
وظاهر البأس في مفهومه بحكم السياق وفهم الأصحاب التحريم.وفي المرسل كالصحيح على الصحيح : عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل؟ فقال : عليه السلام : «إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه، وإمّا أن يكيل كلّه».
وفي الخبر خطاباً لقوم شكوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم سرعة نفاد طعامهم لأنّهم لا يكيلون : «كيلوا فإنّه أعظم للبركة».
ويستفاد من سابقيه جواز
الاعتماد في الكيل والوزن على
إخبار البائع، ولا خلاف فيه في الظاهر، والنصوص به معهما مستفيضة، منها الموثق : يقول الرجل أعطنيه بكيلك، قال : «إذا ائتمنك فلا بأس».
ومنها الخبر المعتبر بوجود جملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم في سنده، فلا يضرّ
اشتراك راويه، مع قرب
احتمال كونه الثقة، وفيه : اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله، فصدّقناه وأخذناه بكيله، فقال : «لا بأس» فقلت : يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : «لا،أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله»
ونحوهما غيرهما.
ويستفاد من هذه الأخبار تقريراً، وذيل الأخير كبعض ما مرّ صريحاً اشتراط الكيل في المكيل كما في أكثرها، والوزن في الموزون كما في بعضها أيضاً. ويلحق بهما الأخير؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً، مضافاً إلى ثبوته كالمتقدّمين من القاعدة المتقدمة أيضاً، مع إمكان
الاستدلال عليه بمعونة التقرير المستدل لأجله ببعض الأخبار المتقدمة على الأوّل بالصحيح : عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه، فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، فقال : «لا بأس به».
(و) يستفاد منه بمعونة عدم القائل بالفرق بين الجوز وغيره من المعدود وغيره، كما في
المسالك وغيره،
أنّه (لو تعذّر الوزن أو العدّ) أو الكيل (اعتبر مكيال واحد) أو ميزان كذلك، وأُخذ بعد ذلك (بحسابه) الباقي.ولا خلاف في الجواز، وإن اختلفوا في اشتراطه بالتعذّر، كما في المتن وغيره،
بل في الروضة التعبير به عن كثير من الأصحاب؛
وقوفاً مع ظاهر النص. أو التعسّر، كما قيل؛
حملاً له عليه، جمعاً بينه وبين عموم ما يدل على نفيه.
أو عدم الاشتراط مطلقاً، كما عليه
الشهيد الثاني وغيره؛
لزوال الغرر، وحصول العلم،
واغتفار التفاوت هنا كما في غيره، وعدم المنافاة له في الصحيح، فإنّ القيد في كلام الراوي، ولم يظهر من الجواب اعتباره.مع إطلاق الخبرين في غير المعدود، وفيهما : عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن يعيّره أي : يمتحنه.وفي «ح» والوسائل : بغيره. ثم يأخذه على نحو ما فيه، قال : «لا بأس».
ونحوهما آخر : فيمن اشترى مائة راوية من زيت، فاعترض راويه أو اثنتين ووزنهما، ثم أخذ سائره على قدر ذلك، قال : «لا بأس».
وفي زوال الغرر وحصول العلم
إشكال ، واغتفار التفاوت هنا غير معلوم، والقياس على غيره حرام،
والاستقراء لو تمسك به لتصحيحه غير معلوم، ومنافاة الصحيح له لأجل التقرير الذي هو العمدة في
إثبات اعتبار العدّ في المعدود به ثابتة.
والأخبار بحسب الأسانيد قاصرة، مع احتمال قصورها في الدلالة من حيث إنّها مطلقة، منصرفة إلى الصور المتعارفة التي ليس فيها العدول عن الثلاثة إلى الاعتبار بالمكيال الواحد، كما في العبارة، إلاّ مع التعذّر أو التعسّر.مضافاً إلى تشويش في متن الأوّلين بحسب النسخة الموجب لخروجهما عن مفروض المسألة.
مع معارضتها بإطلاق النصوص المتقدّمة المعتبرة للكيل أو الوزن، وسيّما المرسل المتقدّم في الجصّ، ونحوه الصحيح : في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم، ثم إنّ صاحبه قال للمشتري : ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت، قال : «لا يصلح إلاّ أن يكيل»
الخبر.وهما كالباقي وإن شملا صورتي التعذّر والتعسّر أيضاً، إلاّ أنّ مقتضى الجمع بينهما وبين ما مرّ التخصيص بغيرهما، مضافاً إلى فتوى الأصحاب.ثم إنّ المحكي عن الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع ولو لم يبع الآن كذلك.
وإثباته من النص مشكل، إلاّ أنّ
الأمر فيه هيّن بناءً على عدم معلوميّة مثله في زمانه لنا الآن إلاّ في نحو الطعام والزيت والجصّ، وأمثالها الآن تباع كذلك، وإن غُيّر الكيل بالوزن في بعضها وانعكس في آخر.ولا بأس بالأوّل في المشهور؛ لأضبطية الوزن من الكيل.ويحتاط في الثاني، وإن ألحقه بالأوّل جماعة؛
للخبر : «لا بأس بالسلف ما يوزن فيمايكال وما يكال فيما يوزن».
وفيه ضعف سنداً وقصور دلالةً، مضافاً إلى ما في
السرائر من نفي الخلاف عن عدم جوازه.
والأحوط المنع مطلقاً، فتأمّل جدّاً.
(و) يتفرّع على اشتراط المعلوميّة بأحد الأُمور الثلاثة فيما يباع بها أنّه (لا تكفي مشاهدة الصُّبرة) المجهولة في صحّة المعاملة (ولا المكيال المجهول) كقصعة حاضرة إن وتراضيا به، ولا الوزن المجهول، كالاعتماد على صخرة معيّنة وإن عرفا قدرها تخميناً، أو كالاه أو وزناه بعد ذلك، ولا العدّ المجهول، بأن عوّلا على ملء اليد، أو آلة يجهل ما يشتمل عليه ثم اعتبر العدّ به.خلافاً للإسكافي في الصُّبرة.
ويدفعه مضافاً إلى ما مرّ دعوى
الإجماع على خلافه في المختلف.
(ويجوز
ابتياع جزء مشاع) معلوم (بالنسبة) كالنصف والثلث (من معلوم) بالكيل أو الوزن أو المساحة مطلقاً (وإن اختلف أجزاؤه) قيمة كالجواهر والحيوان، إجماعاً؛
للأصل ، وفقد المانع من الغرر وغيره جدّاً، فيصحّ بيع نصف الصبرة المعلومة المقدار والوصف ونصف الشاة المعلومة بالمشاهدة أو الوصف.
واعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة، ذكر الماتن بعضها منطوقاً وبعضهامفهوماً.وجملتها : أنّها إمّا أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته، فإن كانت معلومة صحّ بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدار معيّن علم اشتمالها عليه كقفيز، وبيعها كلّ قفيز بكذا، لا بيع كلّ قفيز منها بكذا.والمجهول يبطل بيعها في الأقسام الخمسة إلاّ في الثالث، بشرط العلم
باشتمالها على المقدار، كما عن الأكثر،
أو مطلقاً على قول،
يجبر نقص المبيع فيه إذا تحقّق بالخيار بين الأخذ للموجود منها بحصّته من الثمن وبين الفسخ لتبعّض الصفقة.
ولا خلاف فيما عداه إلاّ ما يحكى عن الطوسي من الحكم بالصحة في القسم الرابع مطلقاً ولو كان الصبرة مجهولة.
وهو مشكل يدفعه عدم تعيّن العوضين في هذه الصورة.واحتمل العلاّمة في المختلف فيها الصحة في القفيز الواحد لا الجميع، كما حكاه عن أبي حنيفة.
والمناقشة فيه واضحة، بل
البطلان مطلقاً في غاية القوّة.
وهل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين على
الإشاعة ، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة؟ وجهان، أجودهما الثاني عند جماعة.
وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.
وفي الصحيح : رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طُنّ-الطنّ بالضم ـ : الحُزمة من الحطب والقَصَب.
في أنبار بعضه على بعض من أجَمَة واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طُنّ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طُنّ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، ووكّل المشتري من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ وبقي عشرة آلاف طن، فقال : «عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البائع».
واعلم أن تعيين المبيع مثلاً المعتبر في صحّة البيع تارة يكون من جهة المقدار وأُخرى من جهة الجنس والنوع والشخص والصفة ونحو ذلك. والتعيين المقداري مرَّ ذكره. والمراد يقول الماتن هنا : لا تباع العين الحاضرة.. بيان
اعتبار التعيين بالمعنى الثاني. وحينئذٍ فلا وجه لذكر التعيين المقداري هنا. كما لا يخفى. إلاّ أن يكون المراد منه بيان أن التعيين الثاني غير معتبر في المبيع الذي لا يعتبر تعيينه به بل بالتعيين المقداري خاصة. فيكون تنبيهاً على أن التعيين الثاني لا يعتبر في مطلق بيع العين الحاضرة. بل قد يعتبر تعيينه به. وأما ما لا يعتبر تعيينه إلاّ بالتعيين المقداري فهو كافٍ. وهو حسن. إلاّ أنه فرع وجود مثل هذه العين التي لا تحتاج إلى التعيين الثاني. ولا أظنّه. فتدبّر. (منه ;).
وهو ظاهر في الثاني، إلاّ أنّ في صحة
البيع الذي تضمّنه إشكالاً من حيث جهالة عين المبيع فيه، الموجبة للغرر المنفي، الموجب لفساد
المعاملة ، وصرّح به الأصحاب فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع، فقالوا : بطل وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها.
رياض المسائل، ج۸، ص۲۳۲-۲۴۰.