الإثم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو إرتكاب
العمل المستحق للعقوبة لمخالفته الشارع المقدس .
الذنب، وقيل: هو أن يعمل ما لا يحلّ له.
من أثِم يأثَم- من باب تعب- أَثَماً، والإثم اسم منه، فهو آثِم، وفي المبالغة أثّام وأثيم وأثوم وأثِم. والأَثام- مثل سلام- هو الإثم وجزاؤه.
قال الراغب: «الإثم والأثام: اسم للأفعال المبطئة عن
الثواب»».
ويحتمل في الإثم أنّه ما يعقب فعل
المعصية ويتأخّر عنها فيكون كالذنب الذي هو تبعة الفعل
القبيح ولذلك يقال للفعل
الحرام: فيه إثم، ولا يقال: هو إثم. نعم قد يعبّر بالإثم كناية عن المأثم.
الفقهاء يطلق بالمعنى اللغوي- أي استحقاق
العقوبة على ارتكاب المخالفة- كما قد يطلق على ارتكاب المخالفة
نفسه، وقد يطلق بمعنى استحقاق العقوبة على قصد المخالفة وإن لم تصدر واقعاً فيكون أعمّ؛ إذ يصدق في موارد
التجرّي أيضاً، وهو الإقدام على المخالفة وإن لم يصب الواقع كمن
شرب قدح
الماء بظنّ أنّ فيه
خمراً، وقد يعبّر عنه بالمخالفة أو القبح
العقلي.
تقدّم تعريف بعض أهل اللغة الإثم به، فهما مترادفان.
لكنّ أبا هلال العسكري فرّق بينهما:
بأنّ الإثم هو القبيح الذي عليه تبعة، والذنب هو القبيح من الفعل ولا يفيد معنى التبعة، ولذا قيل
للصبي: قد
أذنب، ولا يقال: قد
أثم.
وهو ينافي قول الراغب: « إنّ
الذنب هو الأخذ بذنَب الشيء... ويستعمل في كلّ فعل يُستوخَم عُقباه اعتباراً بذنب الشيء ولهذا يسمّى الذنب تبعة، اعتباراً لما يحصل من عاقبته».
الخطأ: نقيض الصواب
، والعدول عن الجهة الصحيحة.
وهو على أضرب:
أن تريد غير ما تحسن
إرادته فتفعله، وهذا هو الخطأ التامّ المأخوذ به
الإنسان، وهذا خطأ في الإرادة والفعل.
أن تريد ما يحسن فعله ولكن يقع بخلاف ما تريد، وهذا خطأ في الفعل حسب.
أن تريد ما لا يحسن فعله ويتّفق خلافه، وهذا خطأ في الإرادة دون الفعل.
وعليه فالفرق بين الإثم والخطأ هو أنّ الخطأ يطلق على الفعل القبيح، والإثم على نتيجته، وأنّ الإثم يختصّ بالضربين الأوّل والثالث من معاني الخطأ، والخطأ يعمّهما مع الخطأ المحض الذي لا إثم فيه، نظير قولهم:
قتل الخطأ.
وبعبارة أوضح: أنّ الإثم لا يكون إلّا في الفعل
العمد سواء اتّفق وقوع ما عمد إليه أم لا، بخلاف الخطأ.
العَدْو: التجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلب فيقال له:
العداوة و
المعاداة، وتارة
بالمشي فيقال له:
العَدو، وتارة في
الإخلال بالعدالة في
المعاملة فيقال له: العدوان والعَدو.
والفرق بينه وبين الإثم: أنّ الإثم هو الجرم كائناً ما كان، والعدوان
الظلم، وعلى هذا فقوله تعالى: «يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ»
من عطف
الخاصّ على
العامّ.
لكن تقدّم أنّ الإثم هو أثر
الجُرم لا
نفسه، والعدوان جرمٌ بنفسه، وقوله تعالى:
«يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ» يراد به يسارعون في المأثم وما فيه الإثم استعمال
اللّازم وإرادة الملزوم بغية
تقبيح فعلهم وتقبيحهم
للسامع.
العصيان: خلاف
الطاعة، عصى
العبد ربّه إذا خالف
أمره، وعصى فلان أميره يعصيه عَصْياً وعصياناً ومعصية: إذا لم يطعه.
والفرق بينه وبين الإثم: أنّ العصيان هو فعل المخالفة، والإثم الأثر المترتّب عليها، وأنّ العصيان يختصّ بارتكاب المخالفة بخلاف الإثم؛ فإنّه يعمّه وقصدها بفعل آخر كما في التجرّي، وقد تقدّم في المعنى الاصطلاحي الإشارة إليه.
إنّ للإثم مراتب من حيث الشدّة و
الضعف، ولذا قسّم
الفقهاء الذنوب والآثام إلى
الصغائر والكبائر، وعرّفوا
الكبيرة بأنّها ما توعّد على إتيانها النار، والصغيرة مقابلها، وتختلف مراتب الكبيرة أيضاً في نفسها
كالزنا مثلًا فإنّه يختلف غلظةً في
الحرمة و
ضعفاً من حيث الفاعل كما إذا كان
الزاني محصناً، ومن حيث المفعول به كمن زنى
بامّه أو
ابنته أو
اخته، ومن حيث مكان الفعل كمن زنى في
الحرم، ومن حيث زمان الفعل كالزنا في
شهر رمضان، ومن حيث حال الفعل كمن زنى في حال
الإحرام أو في حال
الصوم وغير ذلك من الموارد.
وعليه فمن اضطرّ إلى واحد من محرّمين أو محرّمات وجب عليه
الاجتهاد في اختيار ما هو أقلّ عقوبة من حيث المرتبة.
وكذا تشتدّ مرتبة الإثم بسبب تكرار الفعل كحرمة
الادّهان في حال الإحرام وتكرار إثمه بسبب تكرّره، وكذلك باقي
محرّمات الإحرام.
أن يكون المرتكب
مكلّفاً، فإنّ الإثم لا يتحقّق إلّا في الفعل الصادر من المكلّف، ولا يكون
الإنسان مكلّفاً إلّا عند تحقّق شروط
التكليف العامّة في حقّه من
البلوغ و
العقل والقدرة والاختيار، والخاصّة كدخول الوقت في
الصلاة وعدم
السفر في الصوم وهكذا.
أن يكون التكليف إلزاميّاً، فإنّ الإثم إنّما يصدق في حالات مخالفة
الحكم الإلزامي فقط كترك الواجب- بأنواعه
العيني و
الكفائي أو
المعيّن و
المخيّر- أو الإتيان بالحرام.
أمّا مخالفة الاستحباب والكراهة فلا توجب الإثم.
تنجّز التكليف، فإنّ التكليف ما لم يتنجّز ولم يسجّل في عهدة المكلّف فلا إثم، كما لو كان جاهلًا بالحكم الإلزامي وكان جهله عن قصور أو كان ناسياً أو
ساهياً.
التوبة: فانّها
واجبة عقلًا و
شرعاً على الآثم ليغفر له اللَّه ذنبه ومخالفته.
يجب إرجاع الحقّ إلى
أهله أو أخذ رضاه إذا كانت المخالفة متضمّنة
لسلب حقّ الغير وموجبة
للضمان.
يجب
قضاء الأمر الشرعي الذي خالفه إذا كان ممّا يترتب على تركه القضاء.
وقد تجب أداء
الكفّارة أو
الفدية ونحوهما على المخالفة كما في
الافطار العمدي
لصوم شهر رمضان.
إجراء الحدود و
العقوبات إذا كانت المخالفة
جريمة عليها عقوبة. وقد اختلفوا في أنّ العقوبة هل تكون مطهّرة للآثم أم لا؟
يتحقّق الإثم و
المعصية بفعل
الحرام أو ترك
الواجب فلا يلزم من فعل
المباح أو
المكروه ولا من ترك
المستحب و
المندوب إثم كما تقدّم إلّا أنّ ترك الواجب أو فعل الحرام قد يكون من أفعال الأعضاء والجوارح
كاليد والرجل والسمع والبصر واللسان. وقد يكون من أفعال
القلوب فينقسم الإثم إلى نوعين: آثام الجوارح وآثام القلوب.
وهو واضح؛ لأنّ آثامه معروفة مشهورة، أوردها
الفقهاء مفصّلًا في كتبهم الفقهيّة وغيرها.
وهو
كالحسد و
الحقد وكتمان الحقّ و
الشهادة، قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ».
وإنّ للقصد و
النيّة- وهي من أفعال القلوب- تأثيراً على تحقّق المعصية والإثم من النوع الأوّل، كمن ضرب
يتيماً بقصد
التأديب أو
ظلماً، فيأثم في الثاني دون الأوّل.
كما أنّ
للعلم و
الجهل والخطأ و
النسيان تأثيراً في ذلك، فمن ارتكب محرّماً بتصوّر أنّه جائز لم يكن عاصياً؛ لعدم تنجّز التكليف عليه مع قطعه بالحلّية، ومن
شرب مباحاً بتصوّر أنّه محرّم عليه كان آثماً معاقباً؛ لكونه متجرّياً. و
المشهور لدى الفقهاء تحقّق الإثم واستحقاق العقوبة
بالتجرّي. وقد يصطلح عليه بالإثم أو المعصية
العقلية؛ لأنّ حرمة التجرّي عقلية لا شرعية. ولتفصيله يراجع البحث
الاصولي لمصطلح (تجرّي) كما أنّ ارتكاب المخالفة للتكليف الشرعي خطأً أو نسياناً أو
سهواً لا يوجب الإثم، لكونها عذراً عقلًا بل مانعاً عن فعليّة التكليف شرعاً أيضاً كما تقدّم.
يحرم التعاون على الإثم بمقتضى قوله تعالى: «وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ».
وقد استفاد منها جملة من
الفقهاء حرمة
الإعانة على الإثم أيضاً ولو لم يصدق التعاون والمشاركة في الإثم.
وتجري هذه الكلّية في كلّ مورد تصدق عليه من جميع أبواب الفقه
كالوصيّة بصرف
المال مثلًا في معصية
، وكالوقف على
الكنائس و
البيَع التي هي
معابد أهل الذمّة.
الواجب الكفائي معناه
وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من يحصل به المطلوب فيسقط عن الباقين سقوطاً مراعى باستمراره إلى كماله، فإن تقاعدوا عنه أثموا جميعاً، وإن تقاعد عنه البعض أثم المتخلّف.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۴۵۷-۴۶۱