الإحصان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصان (توضيح) .
هو إفعال من الحَصانة- بالفتح- بمعنى المنع، ومنه الحصن- بالكسر- أي المكان الذي لا يُقدر عليه لارتفاعه؛ ولذلك يقال للمرأة ذات البعل: محصنة- بالفتح- لأنّ زوجها قد أحصنها، وللعفيفة محصنة؛ لمنع نفسها من السفاح.
الإحصان:
إفعال من الحَصانة- بالفتح- بمعنى المنع، ومنه الحصن- بالكسر- أي المكان الذي لا يُقدر عليه لارتفاعه؛ ولذلك يقال للمرأة ذات البعل: محصنة- بالفتح- لأنّ زوجها قد أحصنها، وللعفيفة محصنة؛ لمنع نفسها من السفاح، ومنه قوله تعالى في
مريم عليها السلام : «وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها»،
وللحرّة محصنة؛ لأنّ حرّيتها منعتها عن البغاء،
وللمسلم محصن؛ لأنّه بإسلامه أحقن دمه، وأحصنه من
الإراقة ، أو لأنّ إسلامه حقن دمه وماله.
لا يخرج استعمال الفقهاء للكلمة عن معناها اللغوي. نعم، قد شاع
استعماله في باب الزنا من كتاب الحدود في كون المرأة ذات بعل والرجل ذا زوجة، وفي باب القذف بمعنى العفّة مع شروط اخرى، وكأنّه
اصطلاح فيهما. ويسمّى الأوّل إحصان الرجم، والثاني إحصان القذف، ومجمل القول فيهما :
أنّ إحصان الرجم يتحقّق بالشروط التي توجب بمجموعها
استغناء الزاني عن ارتكاب الزنا. وقد عرّفها بعضهم بأنّه
إصابة البالغ العاقل الحرّ فرجاً مملوكاً بالعقد الدائم أو الرقّ، يغدو عليه ويروح، إصابة معلومة.
وأمّا إحصان القذف فهو بمعنى عفّة المقذوف مع توفّر شروط فيه تستوجب تحقّق الفرية و
استحقاق فاعلها الحدّ، وهي عبارة عن البلوغ والعقل والحرّية والإسلام والعفّة عن الزنا ونحوه.
كما يطلق الاحصان في كلماتهم على الاحصان الحاصل بالاسلام وعلى الاحصان الحاصل بالعتق.
قال في
الروضة : «وهو يطلق على التزويج كما في قوله تعالى: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ»،
و «مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ»،
وعلى الإسلام، ومنه قوله تعالى: «فَإِذا أُحْصِنَّ»،
قال
ابن مسعود : إحصانها إسلامها، وعلى الحرّية، ومنه قوله تعالى: «وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ»،
وقوله تعالى: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» ».
قال في
مجمع البيان : «
أصل (الإحصان ) المنع؛ لأنّ الحرّية تمنع عن
امتهان الرقّ، والعفّة حظر النفس عمّا حظّره الشرع، والتزوّج في المرأة يحظر خطبتها التي كانت مباحة قبل، ويمنع تصدّيها للتزويج، والإسلام يحظر الدم والمال اللذين كانا مباحين قبل الإسلام».
ثمّ المراد من العفّة المعتبرة في إحصان المقذوف هو خصوص العفّة عن الزنا واللواط- كما مرّ- لا العفّة عن كلّ قبيحٍ وفسقٍ، فمن لم يثبت أنّه زانٍ أو لائط فهو محصن وإن لم يكن عفيفاً من جميع الجهات وكان مرتكباً للفسق.
وهو- بالكسر والتشديد- كفّ النفس عمّا لا يحلّ، أو لا يجمل،
أو حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، ومنه قوله تعالى: «وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً».
والمراد العفّة عن الزنا واللواط وما يضاهيهما في الحرمة، كما أنّ المراد منها في قوله تعالى: «وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»
هو الكفّ عن
الأكل المُجاز. والفرق بينها وبين إحصان الرجم واضح، وأمّا فرق العفّة بمعناها اللغوي عن العفّة المشروطة في إحصان القذف فبالعموم والخصوص؛
لاختصاص إحصان القذف بالكفّ عن خصوص الزنا واللواط- كما مرّ- والعفّة بمعناها اللغوي تعمّ ذلك.
وهو لغة تغطية الشيء وإخفاؤه في مقابل إظهاره و
الإجهار به، والاسم منه ستير ومستور بمعنى العفيف، أي الذي لا يتجاهر بالفسق، وجارية مستّرة، أي مخدّرة غير مكشّفة،
وهو من إحصان العفّة بمعناها الأعمّ، فيعمّ الإحصان بقسميه.
قد ظهر ممّا مضى في المعنى الاصطلاحي أنّ الإحصان في الفقه نوعان: إحصان رجم، وإحصان قذف، وقد مرّ تعريفهما إجمالًا فراجع.
•
الإحصان (شرائطه)، قد ذكروا لتحقّق الإحصان الموجب لرجم والقذف الزاني شروطاً، وهي كما يلي: أ ـ إحصان الرجم: ۱ ـ البلوغ، ۲ ـ العقل، ۳ ـ الحـرّية، ۴ ـ النكاح الدائم، ۵ ـ تحقّق الوطء في نكاح صحيح،۶ ـ التمكّن من الوطء،۷ ـ الإسـلام، ب ـ إحصان القذف.
قد مرّ تقسيم الإحصان إلى إحصان الرجم وإحصان القذف، فهو بما مرّ له من المعنى شرط في رجم الزاني، كما أنّه بمعنى العفّة شرط في المقذوف لترتّب الحدّ على قاذفه، فأثر الإحصان في الموضعين ترتّب الحدّ المخصوص. وقد وقع الخلاف في تأثير الإحصان في عقوبة اللواط والتفخيذ والمساحقة وإتيان البهيمة، بمعنى استلزامه عقاباً زائداً على أصل عقابها وعدمه، والمشهور عدم التأثير.
والتفصيل في محلّه.
يثبت إحصان الرجم بالإقرار مرّة، ولا يلزم التكرار، كما أنّه يثبت بشهادة عدلين،
ولا يلزم أن يشهد به أربعة رجال؛ لأنّ الإحصان حالة في الشخص لا علاقة لها بواقعة الزنا. وكيفية الشهادة أن يقول الشاهد: تزوّج
امرأة وجامعها أو باضعها أو وطأها وشبهها، ولا يكفي قوله: باشرها أو مسّها أو أصابها؛ لاحتمالها غير الوطء.
وفي الاكتفاء بلفظ الدخول قولان.
قال العلّامة في القواعد: «ولا يكفي أن يقولا: دخل(بها)، فإنّ الخلوة (بها) يطلق عليها الدخول».
وقال في
التحرير : «إذا شهدت بيّنة الإحصان بالدخول كفى، فلا يفتقر إلى لفظ المجامعة والمباضعة، إلّا أن يشتبه عليهما الدخول بالخلوة».
وأمّا إحصان القذف- أي العفّة- فهو ثابت لكلّ مسلم ظاهراً ما لم يثبت خلافه، فإذا قذف مسلماً بالزنا أو اللواط فعلى القاذف
إثبات الفاحشة بإقامة الشهادة، ولا يطالب المقذوف بإثبات العفّة. نعم، لو أقرّ على نفسه بالفاحشة يسقط إحصانه به، ولا يحكم على القاذف بحكم القذف كما ثبت في محلّه.
يزول الإحصان بعروض ما يوجب فقد شرط من شروطه، وهو يحصل في إحصان الرجم بامور:
يزيل الإحصان بعروض ما يمنع من تمكّن الوطء من الموانع الطبيعية كالسفر والمرض والغيبة، فيخرج بذلك عن الإحصان، ولا يخرج بعدم التمكّن منه للموانع الشرعية كالحيض والإحرام والصوم، وقد مضى البحث عنه فراجع.
فيسقط به الإحصان لو كان بائناً؛ لعدم كون البائنة زوجة،
فلو راجع المخالع لم يتوجّه عليه الرجم، إلّا بعد الوطء؛ لأنّها بحكم الزوجة الجديدة.
وقد مضى البحث عن
اعتبار الوطء في تحقّق الإحصان أيضاً. وأمّا
الطلاق الرجعي فلا يسقط به الإحصان ما دامت في العدّة؛ لأنّها زوجة بحكم الشارع، فيترتّب عليها تمام أحكام الزوجة، وكذلك
الأمر في الزوج المطلِّق.
وإن شئت قلت: إنّه يصدق الملاك الذي جعل في الأخبار معياراً للإحصان، وهو ملك الفرج الذي يمكنه أن يغدو عليه ويروح ولو بالرجوع؛ لتمكّنه منه، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى الزوج دون الزوجة كما لا يخفى، فينحصر الدليل بالنسبة إلى الزوجة في النصوص الدالّة على أنّها زوجة.
بل قد ورد التصريح به بالخصوص في بعض النصوص، كصحيحة
يزيد الكناسي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن امرأة تزوّجت في عدّتها، فقال: «إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم، وإن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن».
وهي وإن كانت في زنا الزوجة المطلّقة لا الزوج المطلّق إلّا أنّه بالفحوى و
الأولوية يحكم بذلك في الزوج أيضاً، مضافاً إلى ورود بعض الروايات المعتبرة في الزوج أيضاً كمعتبرة
عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: عن رجل كانت له امرأة، فطلّقها أو ماتت فزنى، قال: «عليه الرجم»، وعن امرأة كان لها زوج، فطلّقها أو مات ثمّ زنت، عليها الرجم؟ قال: «نعم».
ولا بدّ من حمل الطلاق فيها على الرجعي بقرينة صحيحة يزيد الكناسي. وأمّا الحكم بالرجم للزنا بعد موت الزوج والزوجة فغير صحيح قطعاً؛ لتسالم الأصحاب على خلافه، ومن هنا حمله الشيخ
على وهم الراوي.
يزيل الإحصان بالارتداد بناءً على شرطيّة الإسلام في الإحصان، وأمّا بناءً على المشهور من أنّ الإسلام ليس شرطاً في الإحصان فالارتداد لا يوجب بنفسه سقوط الإحصان. نعم،
الارتداد إن كان عن فطرة حيث إنّه يوجب البينونة بين الزوجين فيوجب خروجهما عن الإحصان قطعاً، وأمّا إن كان عن ملّة فيوجب الخروج أيضاً على إشكال ذكره العلّامة في القواعد،
ينشأ من منعه من الرجوع حال ردّته فكان كالبائن، ومن تمكّنه منها بالتوبة من دون إذنها، فكان كالرجعي. والظاهر أنّ ارتداد الزوجة- مطلقاً- كارتداد الزوج عن ملّة حيث لا يوجب الفُرقة كما فصّل في محلّه.
الكافر- بناءً على تحقّق الإحصان فيه- إذا أصبح رقّاً خرج عن الإحصان؛
لما مضى من اشتراط الحرّية في الإحصان. وأمّا
المسلم فلا يتصوّر عروض الرقّية عليه بعد ما كان حرّاً كما لا يخفى. هذا كلّه بالنسبة إلى إحصان الرجم، وأمّا إحصان القذف فيزول أيضاً بزوال كلّ ما يتحقّق به من الشروط السابقة من العفّة وغيرها، وقد مرّ البحث عنها.
قد ورد الحثّ والتأكيد على اتّخاذ المحصنة بمعنى العفيفة في بعض المقامات:
منها: النكاح، فيستحبّ نكاح العفيفة كما صرّح به جماعة من الفقهاء؛
استناداً إلى ما روي عن
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «أ لا اخبركم بخير نسائكم» ؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، فأخبرنا، قال: «إنّ من خير نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحصان مع غيره...»،
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «أ لا اخبركم بشرّ نسائكم؟... التي لا تتورّع عن قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه إذا حضر...».
بل وكذلك الأمر في
المتعة كما في رواية
إسحاق عن أبي سارة ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عنها- يعني المتعة- فقال لي: «حلال، ولا تتزوّج إلّا عفيفة، إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ»،
فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك»،
وقد استدلّ بها بعضهم.
وأمّا الكتابية فلعلّ إطلاق بعض هذه الروايات يشملها أيضاً- بناءً على جواز نكاحها- وإن كانت الكلمات خالية عن ذكرها.
ومنها: الرضاع، ففي
الشرائع : «يستحبّ أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة»،
وكذا في غيره.
واستدلّ له بالتعليل الوارد في رواية
محمّد بن مروان عن
الإمام الباقر عليه السلام : «استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح، فإنّ اللبن قد يعدي»،
وصحيحة
زرارة عنه عليه السلام. وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام : انظروا من يرضع أولادكم، فإنّ الولد يشبّ عليه».
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۱۱۰-۱۳۹.