الإكتحال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو مايوضع للعين لغرض
الإستشفاء أو للزينة.
من
الكحل ، وهو ما وضع في
العين يستشفى به،
ويقال:
اكتحل، إذا وضع الكحل في عينه،
سواء كان
للاستشفاء به أو للزينة.
ولا يخرج استعمال
الفقهاء عن المعنى اللغوي.
الكلام عن الاكتحال تارة يكون عن حكمه في نفسه لأجل الزينة أو الاستشفاء أو باعتبار ترتّب فوائد صحّية عليه، واخرى يكون باعتبارات اخرى كحكمه بالنسبة
للصائم أو
المحرم أو
المعتدّة من جهة استحباب أو لزوم تجنّب هؤلاء لبعض الامور، وعلى هذا يكون ما يتعلّق بالاكتحال من أحكام ضمن العناوين التالية:
حثّت الروايات المتعدّدة على الاكتحال:
منها: ما ورد عن
عبد اللَّه بن مقاتل عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكتحل».
ومنها: رواية
حمّاد بن عيسى عن [[|أبي عبد الله]] عليه السلام قال: «الكحل يُعْذِب الفم».
ومنها: مرسل
خلف بن حمّاد عنه عليه السلام أيضاً قال: «الكحل ينبت الشعر، ويحدّ البصر، ويُعين على طول السجود».
ومنها: ما رواه
حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام أيضاً قال: «الكحل ينبت الشعر، ويجفّف الدمعة، ويُعْذِب الريق، ويجلو البصر».
ومنها: ما رواه
زرارة عنه عليه السلام أيضاً قال: «الكحل بالليل ينفع البدن، وهو بالنهار زينة».
ومنها: ما رواه
إسحاق بن عمّار عنه عليه السلام أيضاً قال: «الكحل عند النوم أمان من الماء».
ومنها: رواية
أبي صالح الأحول عن
الإمام الرضا عليه السلام قال: «من أصابه ضعف في بصره فليكتحل سبعة مراود عند منامه من
الإثمد ».
ومنها: ما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «الكحل بالليل يطيّب الفم».
وهذه الروايات بعضها مطلق وبعضها مقيّد بالليل أو عند النوم بحيث يظهر منها انحصار
الاستحباب وترتّب تلك الفوائد بما كان كذلك، بل لعلّ صريح الرواية الخامسة ذلك؛ ولعلّه لذلك اقتصر بعض
الفقهاء على ذكر الاكتحال عند النوم،
بينما ظاهر بعضهم استحبابه مطلقاً،
ويمكن أن يكون الكلّ صحيحاً وأنّه مستحبّ مطلقاً، ويتأكّد عند النوم لتأكّد ترتّب تلك الفوائد عليه.
هذا وقد أكّدت الروايات وصرّح الفقهاء باستحباب أن يكون الاكتحال بالإثمد
للرجل والمرأة عند النوم في الليل.
ولعلّ الاكتحال للرجال يعدّ مستهجناً
عرفاً ، لكن رغم ذلك الاكتحال بالإثمِد
سنّة حتى في البلاد التي يكون فيها مهجوراً؛ لورود
الشرع به.
قال
الشهيد الثاني : «أمّا ما ورد في الشرع برجحانه- كالاكتحال بالإثمد، والحنّاء- فلا حرج فيه وإن أنكره المعظم، واستهجنه العامّة في أكثر البلاد».
ويدلّ على استحبابه بالإثمد روايات:
منها: ما روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يكتحل بالإثمد إذا آوى إلى فراشه
وتراً وتراً».
ومنها: قول
أبي جعفر عليه السلام: «الاكتحال بالإثمد يطيّب النكهة، ويشدّ أشفار العين».
ومنها: مرسل
علي بن عقبة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «الإثمد يجلو البصر، وينبت الشعر في الجفن، ويذهب بالدمعة».
ومنها: رواية
عاصم عنه عليه السلام أيضاً قال: «من نام على إثمد غير ممسك أمن من
الماء الأسود أبداً ما دام ينام عليه».
ذكر
الفقهاء أنّه يكره الاكتحال للصائم بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما ممّا يجد له طعماً أو رائحة في فمه،
وقد نفي عنه الخلاف»، بل ادّعي عليه الإجماع.
وتدلّ عليه الروايات التي منها: رواية
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة، فقال: «إذا لم يكن كحلًا تجد له طعماً في حلقها فلا بأس».
وحملت الروايات على
الكراهية ؛ للإجماع، وللنصوص المطلقة في الجواز المعلّل بعضها بأنّه ليس بطعام ولا شراب
بل بعضها دلّ على نفي البأس بما فيه
المسك .
هذا، وقد دلّت بعض النصوص على النهي عن الاكتحال
للصائم مطلقاً،
وقد يقتضي الجمع بينها وبين هذه الحكم بعموم الكراهة وشدّتها فيما له طعم ورائحة.
والتفصيل في محلّه.
ذهب المشهور إلى عدم جواز اكتحال المحرم بالسواد حال
الإحرام ، إلّاعند الحاجة الداعية إلى ذلك، ولا بأس بأن يكتحل بكحل ليس بأسود إلّاإذا كان فيه طيب، فإنّه لا يجوز ذلك على حال؛ لأنّ الطيب يحرم على
المحرم .
واستدلّوا على حرمة الاكتحال بالسواد بالمعتبرة المستفيضة التي منها: ما رواه
معاوية بن عمّار عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّامن علّة».
وذهب بعض
الفقهاء إلى
الكراهة .
وأمّا الاكتحال بسائر الأكحال فيجوز،
بل نفي الخلاف
عنه.
يجب على المرأة المتوفّى عنها
زوجها الإحداد ، وهو أن تتجنّب كلّ ما يدعو إلى أن تشتهي وتميل
النفس إليه، مثل: الاكتحال والطيب ولبس المطيّب والتزيين بخضاب وغيره.
قال
الشهيد الثاني : «يجب الحداد على
الزوجة المتوفّى عنها زوجها في جميع مدّة العدّة، وهو ترك الزينة من الثياب والادّهان والطيب
والكحل الأسود والحنّاء وخضب الحاجبين بالسواد، واستعمال
الاسفيداج في الوجه، وغير ذلك ممّا يعدّ زينة عرفاً».
ويدلّ عليه صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن المتوفّى عنها زوجها، قال: «لا تكتحل للزينة، ولا تطيّب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق، وتمتشط بغسلة،
وتحجّ وإن كان في عدّتها».
وخبر
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال:
«... فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ».
هذا في المعتدّة من الوفاة، وأمّا المعتدّة عن الطلاق فإنّه لا يلزمها الإحداد، بائنة كانت أو رجعية،
بل استفاضت النصوص بتزيين الثانية وتشوّقها إلى زوجها.
اختلف الفقهاء في جواز الاكتحال
بالخمر وسائر
المسكرات على قولين:
عدم الجواز مطلقاً، وهو ما يظهر من
الشيخ الطوسي وابن إدريس الحلّي .
ويؤيّده ما في الأخبار من أنّ اللَّه لم يجعل في محرّم شفاء،
والأخبار المطلقة الناهية عن الاكتحال بها، كقول
الإمام الصادق عليه السلام في مرسل مروك: «من اكتحل بميل من مسكر كحّله اللَّه بميل من نار»،
بعد القول بحرمة مطلق الانتفاع به.
التفصيل بين صورة الاضطرار فيجوز وعدمه فلا يجوز، فلو اضطرّ إلى ذلك بأن انحصر التداوي به- مثلًا- فقد أجازه جماعة من الفقهاء.
بل نسبه
الشهيد الثاني والمحقّق السبزواري إلى الأكثر،
وحملوا الأخبار الواردة في المنع على حالة الاختيار.
قال
المحقّق الحلّي : «يجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين».
وعلّل ذلك بعموم وجوب دفع الضرر،
وخصوص خبر
هارون بن حمزة الغنوي عن
الإمام الصادق عليه السلام في رجل اشتكى عينيه، فنعت له بكحل يعجن بالخمر، فقال: «هو خبيث بمنزلة
الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به».
هذا، ولو اكتحل بدواء نجس أو كحل نجس كان دمعه طاهراً ما لم يتلّون بالنجاسة،
أو بالكحل النجس أو مستصحباً له
على وجه تكون فيه أجزاء النجاسة، بل
النجس منه- مع كونه في الباطن- خصوص تلك الأجزاء، لا ما لاقاها من دمعه؛ لعدم تنجّس البواطن؛ لظهور أدلّة التنجيس في غيرها.
ولو جهل تلوّنه فهو على أصل الطهارة،
وحينئذٍ فكلّما أصاب ثوباً أو غيره ولم يعلم
استصحابه جزءً من أجزاء النجاسة لم يحكم بنجاسة ما أصابه.
اختلف الفقهاء في جواز اتّخاذ المكحلة من
الذهب والفضّة من جهة الاختلاف في صدق عنوان (الآنية) عليها، بناءً على حرمة استعمال أواني الذهب والفضّة، فقد صرّح جماعة منهم بتحريم اتّخاذ المكحلة منهما.
قال
الشهيد في
الذكرى : «الأقرب تحريم المكحلة منهما، وظرف الغالية
وإن كانت بقدر الضبّة؛
لصدق الإناء».
وقال
المحدّث البحراني : «ممّا يؤيّد صدق الإناء على ما نحن فيه ما ذكره
الفيّومي في
المصباح المنير ، حيث قال: الإناء والآنية: الوعاء والأوعية وزناً ومعنىً، وهو صريح في المراد؛ لأنّها وعاء لما يوضع فيها».
ومن الفقهاء من قال بجواز اتّخاذ المكحلة من الذهب والفضة؛ وذلك لاختصاص النصوص- بحكم التبادر- بالأواني المتعارفة.
قال
المحقّق النراقي : «الظاهر عدم التحريم فيما لا يعلم إطلاق الإناء عليه حقيقة، كالمكحلة والظرف الغالية والدواة، وما يحلّى به
المساجد والمشاهد والقناديل ومثلها».
وقال
السيّد الطباطبائي : «ثمّ الأصل واختصاص النصوص- بحكم التبادر- بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتّخاذ نحو المكحلة وظرف الغالية ونحوهما من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية.
هذا، مضافاً إلى الصحيح: عن التعويذ يعلّق على
الحائض ، فقال: «نعم، إذا كان في جلد أو فضّة أو قصبة حديد»،
والاحتياط لا يخفى»».
ذكر بعض الفقهاء أنّه يستحبّ لزائر
الحسين عليه السلام أن يأتيه محزوناً أشعث أغبر جائعاً عطشاناً، ولا يتّخذ في طريقه السُفر، ولا يتطيّب ولا يدّهن ولا يكتحل، ويأكل الخبز واللبن.
فقد روى
أبو بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا أتيت
الحسين عليه السلام فما تقول؟» قلت: أشياء سمعتها من رواة الحديث ممّن سمع من أبيك، قال: «أفلا اخبرك عن أبي عن جدّي
علي ابن الحسين عليه السلام كيف كان يصنع في ذلك؟» قال: قلت: بلى، قال: «إذا أردت الخروج إلى
أبي عبد اللَّه عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيّام: يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل، ثمّ قم فانظر في نواحي السماء واغتسل تلك الليلة قبل المغرب، ثمّ تنام على طهر، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل، ولا تطيّب ولا تدّهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر».
ذكر الفقهاء للاكتحال بعض الآداب، نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
ذهب بعض
الفقهاء إلى أنّ الأفضل في الاكتحال أن يكون
وتراً في كلٍّ من العينين أو فيهما معاً، بأن يكون ثلاثة ثلاثة في كلّ واحدة، أو خمسة أو سبعة فيهما معاً، أو أن تكون الزيادة في العين اليمنى كأن تكون ثلاثة في اليمنى واثنان في اليسرى مثلًا.
ويستدلّ له بما يستفاد من بعض الأخبار:
منها: ما رواه
زرارة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكتحل قبل أن ينام أربعاً في اليمنى، وثلاثاً في اليسرى».
ومنها: ما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «اكتحلوا وتراً، واستاكوا عرضاً».
ومنها: ما رواه ابن
القدّاح عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام: من اكتحل فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لم يفعل فلا بأس».
يستحبّ اتّخاذ الميل من الحديد والمكحلة من العظام؛
لرواية
الحسن ابن الجهم ، قال: أراني
أبو الحسن عليه السلام ميلًا من حديد ومكحلة من عظام، فقال: «هذا كان لأبي
الحسن عليه السلام فاكتحل به، فاكتحلت».
يستحبّ الدعاء عند الاكتحال،
فقد ورد في الحديث: «إذا أردت أن تكتحل فخذ الميل بيدك اليمنى واضربه في المكحلة، وقل: بسم اللَّه، وإذا جعلت الميل في عينك فقل: الّلهمّ نوّر بصري، واجعل فيه نوراً أبصر به حقّك، واهدني إلى طريق الحقّ، وأرشدني إلى سبيل الرشاد، اللهمّ نوّر عليّ دنياي وآخرتي».
وقال في
مكارم الأخلاق : «الدعاء عند الاكتحال هو أن يقول: الّلهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل النور في بصري، والبصيرة في ديني، واليقين في قلبي، والإخلاص في عملي، والسلامة في نفسي، والسعة في رزقي، والشكر لك أبداً ما أبقيتني».
الفقهية، ج۱۶، ص۱۹۸-۲۰۲