الإمارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي الإمرة
والولاية التي تكون إما عن طريق إلهي أو عن طريف التنصيب الشخصي.
الإمارة والإمرة: الولاية، يقال: امّر على القوم يأمر فهو أمير، والجمع:الامراء.
والتأمير بمعنى تولية الإمارة، يقال: هو أمير مؤمّر، وتأمّر عليهم، أي تسلّط.
وأمّا اصطلاحاً فقد استعمل في المعنى اللغوي نفسه، إلّاأنّ للُامراء مراتب في الولاية والسلطة التنفيذية حسب صلاحياتهم.
وهي بمعنى جعل الشخص والياً ووليّاً،
والوالي أعم من الأمير؛ لشموله لتولية
القضاء وتولية الأب والجدّ
وغير ذلك، كما أنّ الولاية تكون أعم، وهي كلّ من ولي شيئاً من عمل السلطان.
وهي ولاية عامة نيابة عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن
الأئمّة المعصومين عليهم السلام زمن الغيبة،
وللوالي من قبلهم الإمارة العامة لنصب الأمير على الأقاليم والبلدان، وفي الوزارات والقضاء
والجهاد وغيرها، فيما يطلق على النصب من قبلهم لغرض معيّن- كالإمارة على بلد- عنوان الإمارة الخاصة.
ثمّة في فقه الجمهور أنواع عديدة للإمارة، مثل: إمارة
الاستكفاء وإمارة
الاستيلاء وغيرها لم يذكرها فقهاء الإمامية بعناوينها، وما يمكن استخراجه من الفقه الإمامي للإمارة وأنواعها- بما يحدّد موقفه من أنواع الإمارات المذكورة أيضاً في فقه الجمهور- هو أنّ الإمارة تنقسم- كالولاية- إلى عامّة وخاصة:
أمّا العامّة فالمراد بها الإمامة الكبرى، وهي الولاية الثابتة
للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام،
أو من تثبت له
ولاية عامة في عصر الغيبة كالفقيه، بناءً على القول بالولاية العامة للفقيه.
ويستمدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام إمارتهم العظمى من اللَّه تعالى بالنصّ، أمّا غيرهم فيأخذ إمارته العامة من الأدلّة العامة التي جاءت في الكتاب والسنّة، على تفصيل يراجع في محلّه.
أمّا الإمارة الخاصة فالمراد بها من نصبه
إمام المسلمين العام والدولة الإسلامية لغرض معيّن، فلا تكون له ولاية عامة وإنّما تتحدّد ولايته في إطار المساحة التي اعطيت له من قبل إمام المسلمين.
وتشمل هذه الإمارة ما يلي:
ومع وجود الشروط في الأمير،
وهي المسمّاة في فقه الجمهور بإمارة الاستكفاء، فقد ولّى
أمير المؤمنين عليه السلام
مالك بن الحارث الأشتر على مصر لجباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها،
فعقد عليه السلام لمالك في إمارته ولاية عامّة في مجالات متعدّدة ضمن دائرة بلاد
مصر خاصّة.
وقد اشتملت هذه الإمارة على امور، وهي:
۱- الامور المالية والاقتصادية التي تتركّز في ذلك العصر في جمع الخراج، فإنّ مصر من الأراضي المفتوحة عنوة انتقلت أراضيها العامرة إلى المسلمين فقرّروا فيها الخراج.
۲- في الامور العسكرية، حيث أثبت له القيادة العامة على القوّات المسلّحة، والجامع لها جهاد الأعداء.
۳- الامور الاجتماعية والنظم الحقوقية الراجعة إلى كلّ فرد.
۴- عمران البلاد بالزراعة والغرس وسائر ما يثمر للناس في معاشهم.
وهي إمارة السرايا والألوية العسكرية وفرق الجيش والقوّات المسلحة، فقد كان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعيّن في بعض الغزوات أميراً على هذه السرية أو تلك أو على هذه المجموعة العسكرية أو تلك، ويرسم لهم تكاليفهم ومنهجهم.
وهذه باتت معروفة في العصر الحديث، حيث ينصّب شخص وزيراً في الحكومة لتولّي امور هذه الوزارة التي تختصّ بالزراعة أو التجارة أو المال أو الداخلية أو الخارجية أو
الدفاع أو غير ذلك.
ويقصد بها تولّي شؤون إدارة التشريعات والقوانين في دائرة منطقة الفراغ، وتقوم بهذه المهمّة في عصرنا الحاضر المجالس النيابية، وتكون مسؤوليتها وضع القوانين التفصيلية المتّصلة بالأوضاع الزمانية والمكانية بما يحقّق المقاصد الشرعية العليا، والأحكام الدينية في قالب القوانين والمدوّنات القانونية.
إلى غيرها من الإمارات القديمة والحادثة.
وهناك إمارة خاصّة بالحجّ يأتي الحديث عنها قريباً بإذن اللَّه تعالى.
وتختلف الإمارات ومساحاتها وآليات نصبها وطريقة عملها باختلاف الزمان والمكان، ففي سالف العصور كان الوالي على منطقة يتولّى جميع شؤونها على الإطلاق، وتظلّ القضايا العامة التي تتّصل بمجموع البلدان الإسلامية تحت
إمرة إمام المسلمين وخليفتهم، وعلى هذا كانت طريقة التقسيم الإداري في الدولة.
أمّا في العصر الحاضر فقد تراجع دور ولاة المناطق والنواحي، ممّا بات يعرف بالأقضية والمحافظات، فصارت مهمّتهم محلّية جزئية وباتوا يخضعون- في الغالب- لإحدى الوزارات في الدولة، مثل وزارة الداخلية.
وعليه، فليس في التشريع الإسلامي طريقة خاصة أو نوع خاص لتنظيم الإدارات والولايات والإمارات، وإنّما يتّبع في ذلك نظر
إمام المسلمين ورأس الهرم في الدولة الإسلامية.
ووفقاً لمجمل ما تقدّم، لا يملك أيّ شخص حقّ الإمارة الخاصّة على منطقة أو وزارة أو غيرهما إلّابإذن رأس الهرم في الدولة الشرعية، أمّا لو خرج شخص على إمام المسلمين واستلم إمارة بعض النواحي أو البلدان من دون إذن شرعي ممّن له الولاية العامة، فيكون أميراً جائراً ووالياً ظالماً، ومجرّد أنّه أصبح أميراً على مستوى الأمر الواقع لا يعني ذلك صيرورته شرعياً، من هنا لا يرى الفقه الشيعي أيّ شرعية لما يسمّيه فقه الجمهور بإمارة الاستيلاء التي تكون ناتجةً عن تولّي شخص بشكل غير شرعي السيطرة على منطقة من مناطق المسلمين.
نعم، لو رأى إمام المسلمين مصلحةً استثنائية في قبول ولايته حفظاً للمصالح الإسلامية العليا كان له ذلك بمقتضى ولايته على المسلمين.
فالأصل الأوّلي أن لا يتولّى أحد منصباً إلّا بتقليد صحيح من
المعصوم عليه السلام أو نائبه العام،
فإذا استبدّ فرد بالقهر والغلبة للإمارة- بقوّة العساكر والسلاح- على البلاد والعباد من دون تقيّد بضابطة وقانون، بل يجعل مال اللَّه دولًا وعباده خولًا، ويتصوّر كون الإمارة ملكاً له
فللإمام عليه السلام
الجهاد واستنهاض الناس والعساكر للحرب معه؛ وذلك ما فعله
أمير المؤمنين عليه السلام بمعاوية عندما بلغه خبر غزو جيش معاوية الأنبار، فخطب الناس وأمرهم بالجهاد.
وعلى هذا فليس لأحد أن يقرّ بالإمارة الباطلة وتثبيتها، كما لا تجوز النصيحة
والإعانة على إقامة هذا النوع من الإمارة؛ لأنّ التولية تابعة لشروطها،
فلا يجوز تولية الإمارة لمن لا يحسنها،
ولذا ورد أنّ المغيرة بن شعبة جاء إلى
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: اكتب إلى
معاوية فولّه
الشام ومره بأخذ البيعة لك؛ فإنّك إن لم تفعل وأردت عزله حاربك، فقال علي عليه السلام: «وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً»، فانصرف المغيرة وتركه، فلمّا كان من غدٍ جاءه فقال: إنّي فكّرت فيما أشرت به عليك أمس فوجدته خطأ، ووجدت رأيك أصوب، فقال له علي عليه السلام: «لم يخف عليّ ما أردت، قد نصحتني في الاولى وغششتني في الآخرة، ولكنّي- واللَّه- لا آتي أمراً أجد فيه فساداً لديني طلباً لصلاح دنياي».
يقصد بإمارة
الحج أن يكون شخص أميراً على شؤون الحجّاج والمعتمرين بتسييرهم وتسهيل امورهم وتنظيم إقامة المناسك، وحفظ أمنهم وحاجاتهم.
والبحث فيها يتمّ ضمن نقاط:
من مسؤوليّات الإمام وصلاحياته نصب أمير الحاجّ،
قال
الشهيد الأوّل : «ينبغي
للإمام الأعظم إذا لم يشهد الموسم نصب إمام عليه في كلّ عام، كما فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تولية علي عليه السلام سنة تسع على الموسم، وأمره بقراءة براءة، وكان قد ولّى غيره فعزله عن أمر اللَّه تعالى، وولّى علي عليه السلام على الحجّ أيّام ولايته الظاهرة».
وقد تعارف تعيين أمير الحاجّ في الأعصار الماضية من جانب الخلفاء،
حيث إنّ إدارة الحجّ كانت بيدهم وكانوا يباشرونها أو ينصبون لها أميراً يحجّ بالناس ويراقبهم في جميع مواقف الحجّ، وقد ذكر
المسعودي في آخر تاريخه أسامي امراء الحجّ من حين فتح مكّة- أي سنة ثمان للهجرة- إلى سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة.
ولم يتخلّف الأئمّة عليهم السلام- حفظاً لمصلحة الإسلام- عن هؤلاء الامراء، بل كانوا يؤدّون
مناسك الحجّ من الوقوف والإفاضة ونحوهما معهم.
بل لو تمّ التأمّل في سيرتهم عليهم السلام في الحجّ لظهر جلياً مدى حرصهم على الاندماج مع سائر المسلمين في الأعمال والمناسك.
وبناءً على أنّ إمارة الحجّ بالنصب من إمام المسلمين تتعيّن حدودها تبعاً للنصب، والمفترض انتهاؤها بنهاية موسم الحجّ، إلّاإذا جعل
الإمام لأمير الحاج ولاية تستوعب الإشراف على حركة العمرة أثناء السنة أيضاً.
تكتسب إمارة الحجّ أهمّية خاصّة، من حيث ما فيها من تنظيم هذه الفريضة العظيمة.
ولعلّ ما يشهد على أهمّية ومكانة أمير الحاج أنّه يفترض أن يكون إمام
المسلمين نفسه، ولكن عندما لا يمكنه ذلك ينصب شخصاً مكانه، حتى أنّ بعض
الفقهاء فهم من إطلاق كلمة (إمام) في باب الحجّ، إرادة أمير الحاجّ لا الإمام المعصوم.
ولهذا صرّح الفقهاء بأنّ المراد بالإمام في الحجّ هو أمير الحاجّ لا
الإمام المعصوم ،
كما اطلق عليه في الروايات أنّه إمام أيضاً.
ويشهد لذلك ما رواه
حفص المؤذّن ، قال: حجّ
إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومئة، فسقط
أبو عبد الله عليه السلام عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام: «سر، فإنّ الإمام لا يقف».
ذكر
الشهيد الأوّل أنّه يشترط في الوالي- لموسم الحجّ- العدالة والفقه في الحجّ، وينبغي أن يكون شجاعاً مطاعاً ذا رأي وهداية وكفاية.
نعم، يكره كونه مكّياً من أهل مكّة؛
وذلك لما رواه
عمر بن يزيد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يلي الموسم مكّي».
وربّما تكون النكتة في ذلك أنّ المطلوب من أمير الحاجّ أن يخدم الحجّاج وإقامة المناسك، فإذا كان من أهل مكّة خيف أن يغلب عليه الرغبة في تأمين مصالح بلده وأهلها على مصالح الزائرين لها، الأمر الذي يجعله مقصّراً بعض الشيء في أداء وظيفته.
إلّاأنّ ظاهر كلام
العلّامة المجلسي أنّ إمارة الحاج لا يشترط فيها مثل ذلك، فيمكن أن يتولّاها
البرّ والفاجر وإنّما المطلوب فيها الخبرة بتنظيم امور القوافل وحركتها.
قسّمت هذه الإمارة إلى قسمين: إمارة تسيير الحجيج وإمارة إقامة المناسك، ويجوز أن يتولّى
الإمام الواحد القسمين معاً، كما يجوز أن يفوّضا إلى إمامين، صرّح بذلك
الشهيد الأوّل .
ذكر الشهيد الأوّل أنّ على أمير الحاجّ في مسيره خمسة عشر أمراً، وأهمّها ما يلي:
۱- جمع الناس في مسيرهم ونزولهم؛ حتى لا يتفرّقوا.
۲- ترتيبهم في المسير والنزول وتقسيمهم إلى مجموعات، لكلّ منهم رئيس؛ حتى يعرف كلّ فريق منهم جماعته إذا سار، ويألف مكانه إذا نزل.
۳- أن يحرسهم في سيرهم ونزولهم.
۴- أن يكفّ عنهم من يصدّهم عن المسير.
۵- أن يرفق بهم في السير حتى لا يعجز عنه ضعيفهم ولا يضلّ عنه منقطعهم.
۶- أن يمهلم بالمدينة بقدر أداء مناسك الزيارات والتوديع وقضاء حاجاتهم.
۷- استحباب تخلّفه
بمنى - على المشهور بينهم
-
والإصباح بها حتى تطلع الشمس من يوم عرفة، كما رواه
إسحاق بن عمّار عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «من السنّة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس».
وعن بعضهم وجوب ذلك، قال
أبو الصلاح : «لا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس».
وأمّا غيره من الحجيج فيجوز لهم، بل يستحبّ أن يفيضوا من منى بعد الفجر على المشهور بينهم.
۸- تقدّمه يوم النحر في الإفاضة إلى مكّة ثمّ يعود ليومه ليصلّي الظهرين بالحجيج في منى وتأخّره بمنى إلى النفر الثاني.
۹- على الأمير
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخصوصاً فيما يتعلّق بالمناسك والكفّارات».
۱۰- على الناس طاعته فيما يأمر به ويستحبّ لهم التأمين على دعائه، ويكره التقدّم بين يديه فيما ينبغي التأخّر عنه وبالعكس، ولو نهى حرم.
يتولّى الأمير في إقامة المناسك اموراً، أهمّها:
۱- الإعلام بوقت
الإحرام ومكانه وكيفيّته.
۲- الخطبة لأمير الحاجّ في أربعة أيّام من ذي الحجّة: يوم السابع منه، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم النفر الأوّل لإعلام الناس مناسكهم،
فإنّه مستحبّ؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكلّ هذه الخطب مفردة إلّاخطبة عرفة فإنّها اثنتان.
۳- المشهور بينهم
استحباب خروج الأمير إلى منى يوم التروية على نحو يصلّي الظهر والعصر بها،
كما دلّت عليه الروايات: منها: ما رواه
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية إلّابمنى، ويبيت بها إلى طلوع الشمس».
ومنها: ما ورد في
صحيح معاوية بن عمار عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «... والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك...»،
وذهب
الشيخ الطوسي في بعض كتبه إلى أنّه لا يجوز لأمير الحجّ غير ذلك.
ومال إليه
المحقّق البحراني ؛ لظاهر الروايات المتقدّمة،
فيما حملها
العلّامة الحلّي على شدّة الاستحباب.
وقال
المحقّق الداماد : «لا وجه لذلك إذا دلّ الدليل على الوجوب
وإيقاع الصلاة بمنى على الأمير لمصالح لا توجد إلّابه ويترتّب عليه استعجالهم للخروج بمنى ويقتدون به هناك».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۴۳۹-۴۴۷.