الاستقبال (طرق معرفة القبلة وأدلتها)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح) .
هناك طريقان لمعرفة القبلة: أحدهما علمي والآخر ظنّي، ولا كلام في عدم صحة الأخذ بالطريق الظني مع وجود طريق علمي يمكن
الاعتماد عليه في معرفتها.
إلّاأنّ كلماتهم اضطربت في بيان المقصود من الطريق الظنّي أو العلمي، وقد عكس
المحدّث البحراني جانباً من هذا
الاضطراب حينما قال: «إن اريد بالعلم هنا العلم بالعين(أي الكعبة)مع
إمكان المشاهدة، فهذا مخصوص بالقريب... وإن اريد العلم بالعين بالنسبة إلى البعيد فظاهر أنّ هذا ممّا يتعذّر، وإن اريد العلم بالجهة بالنسبة إلى البعيد- والظاهر أنّه هو المراد من كلامهم- فمن الظاهر أنّه إنّما يحصل
بالاجتهاد الذي غايته
الظن ، فلا معنى لتقديمه وجعل الظنّ في المرتبة الثانية بعد تعذّره».
أمّا
المحقّق النجفي فهو وإن اتّفق مع المحدّث البحراني في أنّ المقصود من العلم هو العلم بحصول الجهة بمعنى مقابلة البعيد
للكعبة من غير اعتبار اتّصال الخطوط- ضرورة عدم
التكليف بذلك بنص
الآية والرواية
- إلّاأنّه أضاف إلى ذلك بأنّ
الأمارات الشرعيّة تدخل في الطرق العلمية دون
الأمارات الظنّية غير الشرعية فهي طرق ظنّية تأتي في مرتبة متأخّرة عن الطرق العلمية، إلّاأنّه قيّد العمل بالأمارات الشرعية بما إذا لم يتفق حصول العلم بالجهة عن طريق قول
المعصوم أو فعله، قال: «نعم، هي ( الأمارات الشرعية)كالعلم شرعاً في وجوب العمل، بل لا يبعد في النظر عدم وجوب تقديم العلم حسّاً عليها؛
لإطلاق دليل العمل بها، وظهور
اتّفاق الأصحاب على
إرادتها من العلم المأمور به للقبلة والعلم القطعي بعدم الحرج على من كان في زمن التمكّن من
استعلام المعصوم عليه السلام في العمل بهذه العلامات، ولغير ذلك ممّا يظهر بأدنى تأمّل.
ومن هنا يقوى الظنّ بإرادة المصنّف من قوله: (فإن جهلها عوّل على الأمارات المفيدة للظنّ) غير الأمارات الشرعيّة التي قد عرفت عدم تقييد العمل بها على الظاهر بعدم العلم القطعي بالجهة، بدليل عدم ذكره الاجتهاد بعد ذلك، فيعلم منه حينئذٍ إرادته من هذه العبارة، ولا ريب في توقّف اعتباره على
انتفاء العلامات الشرعيّة، وأنّ استعمالها ليس من الاجتهاد في شيء؛ إذ هو في الغالب لتحصيل الجهة التي كانت تستفاد منها، وإطلاق الاجتهاد على الحاصل منها في بعض العبارات لضرب من التجوّز، ومن هنا عمّم العلم للحسّي والشرعي في كشف اللثام في شرح قول الفاضل السابق: (والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن)، لكن ظاهره أو صريحه في شرح ما قبل ذلك اشتراط جواز العمل بها بعدم التمكّن من العلم الحسّي الحاصل من إخبار معصوم أو محرابه، وهو وإن كان لا يخلو من وجه إلّا أنّ خلافه أيضاً لا يخلو من وجه؛ لما عرفت.نعم، هي لا عبرة بها لو خالفت ما اتّفق علم المكلّف به من الجهة بقول معصوم- مثلًا- أو فعله، لا أنّه يشترط جواز العمل بها بعدم التمكّن من سؤاله- مثلًا- ولعلّ عبارة المتن والقواعد المذكورة سابقاً وما ضاهاها لا تنافي ذلك؛ ضرورة خلوّها عن الاشتراط المزبور، بل يمكن إرادة ما يشملها من العلم في نحو قولهم: لا يجوز التعويل على الظنّ في القبلة مع التمكّن من العلم، وأنّ المراد الاجتهادي من الظنّ فيها لا مثل الظنّ الحاصل منها الذي قد عرفت الدليل من النصّ
والإجماع على العمل به».
واورد عليه:
أوّلًا: بأنّه إن كان المراد من الأمارات الشرعيّة هي ما ورد بها النصّ كالجدي الذي وردت به مرسلة
الفقيه فإنّها ظاهرة في صورة
العجز عن العلم، حيث ورد فيها أنّه قال رجل
للصادق عليه السلام: إنّي أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل؟ فقال:«أتعرف
الكوكب الذي يقال له الجدي؟» قلت: نعم، قال: «فاجعله على يمينك، وإذا كنت في طريق
الحج فاجعله بين كتفيك».
ونفس ذلك يظهر من رواية
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألته عن القبلة فقال: «ضع الجدي في قفاك وصلّ».
وثانياً: بعدم
التسليم بكون الجدي من الأمارات الشرعية الظنّية.
قال
السيّد الحكيم : «إنّ ظاهر السؤال في المرسل الآتي صورة العجز، وكذا ظاهر المسند، مع أنّ في جعل الجدي من الأمارات الشرعيّة- بناءً على
استفادته من النصّ- إشكالًا؛ لأنّه إذا كان علامة في صقع معيّن يمتنع أن يكون مخالفاً؛ لأنّه يلزم من الأمر بالعمل به الأمر بمخالفة الواقع دائماً، مع أنّه خلاف كونه علامة على القبلة، فيتعيّن كونه مصيباً لها دائماً، ويكون من الأمارات المفيدة للعلم. نعم، لو بني على عدم استفادة كونه علامة من النصّ من جهة قصور دلالته، وأنّ ذلك مأخوذ من قول أهل الخبرة، خرج عن كونه من الأمارات الشرعيّة، ويكون حاله حال غيره ممّا يفيد الظنّ، وإن كان المراد مثل قبلة البلد ومحاريب
المسلمين وإخبار ذي اليد، فالحكم بإطلاق أدلّتها غير ظاهر؛ إذ هي مستفادة من
السيرة والإجماع. ودعوى شمولها لصورة
التمكّن من العلم محتاجة إلى تأمّل».
وعلى أيّ حال فبيان الطرق العلميّة والظنّية وإن لم يكن من وظيفة الفقيه لاختلافها باختلاف الناس،
إلّاأنّ الفقهاء تعرّضوا لها ولأقسامها معتبرين بعضها علميّة، وبعضها الآخر ظنّية، وهي كما يلي:
•
طرق معرفة القبلة وأدلتها (الأدلة العلمية)،هي الأدلة العلمية تأتي لمعرفة
القبلة كمشاهدة
الكعبة ولمسهاو...
•
طرق معرفة القبلة وأدلتها (الأدلة الظنية)،هي الأدلة الظنية التي تأتي لمعرفة
القبلة .
•
طرق معرفة القبلة وأدلتها (الاجتهاد والتقليد)،المراد بالاجتهاد هنا: بذل الجهد
والتحرّي في العلامات الموجبة
للظنّ بالقبلة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۴۸-۱۷۵.