البرطلة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي
قلنسوة أو نوع منها،المِظلَّة الصيفية .
البرطل والبرطُلّة- بتشديد اللام وتخفيفها- لغةً:
قلنسوةٌ .
وفي تنوين التنكير
إشعار بأنّها نوع من القلنسوة- لا مطلقها- فهي إمّا المظلّة الصيفيّة،
أو قلنسوة طويلة كانت تلبس قديماً،
وهو المعروف.
ويؤيّد أنّ البرطلّة ليست مطلق القلنسوة ما في بعض الأخبار الآتية من أنّها من زيّ
اليهود ؛ إذ ليس مطلق القلنسوة كذلك.
ولا يختلف
المعنى الاصطلاحي عن
المعنى اللغوي .
يتعلّق بلبس البرطلّة بعض الأحكام التي موضوعها مطلق ساتر الرأس من دون اختصاص بالقلنسوة فضلًا عن البرطلّة، كحرمة ستر الرأس على الرجال حال
الإحرام ، وعدم جواز
المسح على الساتر والمانع ونحوها، وهذه الأحكام تذكر في محلّها.
نعم، هناك أبحاث خاصّة قد يتعرّض فيها لما يرتبط بنفس البرطلّة من أحكام، وهي إجمالًا ما يلي:
تعرّض
الفقهاء لحكم لبس البرطلّة حال
الطواف وذكروا في ذلك عدّة أقوال، وهي:
حرمة الطواف حال كونه كذلك.
وهو كالصريح في عبارة
الشيخ الطوسي :«لا يجوز للرجل أن يطوف وعليه برطلّة»،
وظاهر كلمات اخرى:«لا يطوف الرجل وعليه برطلّة».
وظاهر العبارتين شمول
الحكم للطواف
المندوب أيضاً.ومقتضى
حرمة هذا الطواف بطلانه أيضاً؛ لفرض تعلّق
النهي بنفس
العبادة ، وهي الطواف، بناءً على أنّ النهي عن العبادة يوجب الفساد.
ويستدلّ لذلك ببعض الأخبار:
منها: رواية
يزيد بن خليفة ، قال: رآني
أبو عبد اللَّه عليه السلام أطوف حول
الكعبة وعليَّ برطلّة، فقال لي بعد ذلك: «قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلّة، لا تلبسها حول الكعبة؛ فإنّها من زيّ اليهود».
ومنها: رواية
زياد بن يحيى الحنظلي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا تطوفنّ بالبيت وعليك برطلّة».
ومنها: رواية
هشام بن الحكم عنه عليه السلام أيضاً: أنّه كره لباس البرطلّة.
ومتعلّق النهي في هذه الأخبار يحتمل وجوهاً:
۱- الطواف حال كون الطائف لابساً للبرطلّة.
۲- لبس البرطلّة حال الطواف.
۳- لبس البرطلّة حول الكعبة ولو في غير الطواف.
۴- لبس البرطلّة مطلقاً.
كما أنّ النهي أيضاً يحتمل
الكراهة والحرمة، فالوجوه متعدّدة.
وقد ذهب
أصحاب القول الأوّل إلى أنّ المفهوم من هذه
الروايات هو الوجه الأوّل، وهو حرمة الطواف حال لبس البرطلّة.لكن قد يقال في مقابل ذلك: إنّ هذه الأخبار ظاهرة- بضمّ ما هو المتفاهم عرفاً من أمثال المقام- في أنّ الحزازة إنّما هي في لبس البرطلّة في الطواف، لا في نفس الطواف، فالنهي في الحقيقة متوجّه إلى لبس البرطلّة في الطواف لا نفس الطواف، فيصحّ الطواف؛ لتعلّق النهي بما هو خارج عنه.
قال
الشهيد الثاني : «الأصحّ أنّ تحريم لبسها مخصوص بطواف يجب كشف الرأس فيه كطواف
العمرة ؛ لضعف الروايات
الدالّة عليه مطلقاً. نعم، يكره في غيره؛ خروجاً من خلاف المانع، وتساهلًا بأدلّة الكراهة، وعلى تقدير التحريم لا يقدح في صحّة الطواف؛ لأنّ النهي عن وصف خارج عنه، وكذا القول في لبس المخيط».
وقال
السيّد العاملي : «ولو طاف ساتراً أثِم ولم يبطل طوافه؛ لرجوع النهي إلى وصف خارج عن العبادة».
وهذا
الاستظهار لم يرتضه
المحقّق النجفي ؛ إذ ظاهر
الرواية عنده تعلّق النهي بالطواف حال كون الطائف لابساً للبرطلّة، لا بلبس البرطلّة حال الطواف، حيث قال:«نعم، لو قلنا بالحرمة (حرمة الطواف)من حيث لبس البرطلّة في الطواف اتّجه البطلان حينئذٍ؛ للنهي عنه
الطواف وهي عليه في
الخبر المزبور، خبر يزيد بن خليفة. وبذلك يظهر لك أنّه لا وجه لإطلاق بعضهم عدم البطلان؛ معلّلًا له بأنّ النهي لأمرٍ خارج».
نعم، سيجيء
إنكاره لسند الرواية.
هذا كلّه في صحّة الطواف وبطلانه بناء على القول بالتحريم، وأمّا أصل المبنى- أي حرمة الطواف- فقد أنكرها جماعة ممّن تعرّض للبحث؛ استناداً إلى ضعف الخبرين.
قال السيّد العاملي: «والروايتان ضعيفتا
السند ، فلا يجوز التعويل عليهما في
إثبات حكم مخالف للأصل. نعم، يمكن القول بالكراهة؛ خروجاً عن
الخلاف ،
وتساهلًا في أدلّة السنن».
وقال المحقّق النجفي في وجه الكراهة:«للخبرين المزبورين القاصرين عن إثبات الحرمة، دون الكراهة التي يتسامح فيها».
وقد مرّت عبارة
المسالك أيضاً.
كراهة الطواف حينئذٍ.
ذهب إليه
الشيخ الطوسي وجماعة.
وكأنّ دليلهم ما مرّ من
التسامح في أدلّة السنن بعد ضعف سند الخبرين المتقدّمين، فبناء الحكم على القول بالتسامح في أدلّة السنن، وهو محلّ البحث
والإنكار ، كما ثبت في محلّه من
علم الاصول . نعم، يمكن القول بكراهة البرطلّة؛ لخبر هشام بن الحكم المتقدّم؛ لصحّة سنده، ولكنّه غير مقيّد بالطواف.
كراهة لبسها حول الكعبة ولو في غير الطواف، وهو ما ذكره المحقّق النجفي؛
استناداً إلى قول
الإمام عليه السلام في رواية
يزيد بن خليفة المتقدّمة: «لا تلبسها حول الكعبة». وهذا أيضاً مبنيٌ على القول بالتسامح في أدلّة السنن؛ لضعف الخبر كما مرّ، بل لم نعثر على قائل به، فعدّه قولًا مشكل.
كراهة لبسها مطلقاً، سواء كان في الطواف أم لا، وسواء كان حول الكعبة أم لا.
قال
المحدّث البحراني : «وظاهر الخبر المذكور
خبر يزيد بن خليفة كراهة لبسها مطلقاً؛ حيث عُلّل ذلك بكونها من زيّ اليهود، وأظهر منه صحيحة هشام بن الحكم- أو حسنته- المرويّة في
الكافي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه كره لباس البرطلّة»،
بل ظاهر عنوان
الوسائل أيضاً
الإفتاء بالكراهة مطلقاً،
فيكره حول الكعبة وفي الطواف بطريق أولى.
ومثله ما ذكر المحقّق النجفي، إلّاأنّه حيث حكم بالكراهة في جميع الصور- كما مرّ- فرّق بينها بالشدّة والضعف في الكراهة، فعنده كراهة لبس البرطلّة في الطواف أشدّ منها حال كونه حول الكعبة بلا طواف، والكراهة في هذا الحال أشدّ منها حال خروجه عن المطاف وحول الكعبة.
ولابدّ أن نشير أخيراً إلى أنّه ينبغي أن يُعلم أنّ حرمة ستر الرأس على الرجل في طواف العمرة وكذا
الحجّ مع تقدّم الطواف على
الحلق والتقصير - لعذر- ممّا لا إشكال فيه عند الجميع، كما أنّ جوازه في طواف الحجّ بعد الحلق والتقصير ممّا لا إشكال فيه أيضاً عند الجميع؛ إذ يحلّ للمحرم بعدهما كلّ شيء إلّا الطيب والنساء والصيد كما ثبت في محلّه. فالتفصيل بين طواف العمرة والحجّ بحرمة لبس البرطلّة في الأوّل وجوازه في الثاني- كما هو المذكور في
السرائر وغيره
- ليس تفصيلًا في المقام.
ثمّ إنّ هذا كلّه بناءً على عدم عروض عنوانٍ على لبس البرطلّة موجب لتحريمه كالتشبّه بالكفّار ونحوه، وإلّا فيحرم لذلك، وقد يحمل قول الإمام: «فإنّها من زيّ اليهود» على كونها كذلك في ذاك الزمان.
مرّت دلالة صحيحة هشام بن الحكم- أو حسنته- على كراهة لبس البرطلّة مطلقاً، بلا فرق بين الطواف
والصلاة وغيرها، وعلى هذا يكون حكم الصلاة في البرطلّة حكم الصلاة حال كون المصلّي ناظراً إلى الأجنبيّة، بل أسهل، فكما لا تصير الصلاة باقترانها بحرام
حراماً ومتعلّقاً للنهي، كذلك لا تصير باقترانها بمكروه مكروهة؛ لتعلّق النهي بما يقارن الصلاة ويكون خارجاً عنها. فعليه تكون الصلاة في البرطلّة جائزة، بل غير مكروهة على القاعدة، وبلا
احتياج إلى دليل خاصّ، فضلًا عن دلالة الدليل على ذلك، كرواية
يونس بن يعقوب ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يصلّي وعليه البرطلّة، فقال: «لا يضرّه».
ولعلّ ظاهر ما عنونه في الوسائل أيضاً ذلك، حيث حكم بكراهة لبس البرطلّة، ثمّ حكم بجواز الصلاة فيها من دون إشارةٍ إلى كراهة الصلاة معها وعدمها.
ولعلّ الراوي لمّا رأى أخبار النهي عن الطواف في البرطلّة سأل عن حال الصلاة فيها بزعمه أنّها أيضاً منهيّة، فأجاب الإمام بعدم البأس.
فقول العلّامة الحلّي: «ولا بأس أن يصلّي الرجل وعليه البرطلّة؛ لما رواه الشيخ في الموثّق...»،
وكذا قوله:«يجوز أن يصلّي وعليه البرطلّة؛ للرواية المعتضدة بالأصل، وعدم المعارض»
الظاهران في أنّ الوجه في عدم الكراهة هو الرواية، إنّما هو بيانٌ بأحد الوجوه، وإلّا فمقتضى القاعدة ولو مع عدم هذه الرواية هو عدم الكراهة.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۲۶۵-۲۶۹.