التفات المصلي عن القبلة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
و من قواطع الصلاة
الالتفات عن
القبلة دبرا وإلى الخلف.
(و) منها (
الالتفات ) عن
القبلة (دبرا) وإلى الخلف، بلا خلاف فيه في الجملة، للصحاح المستفيضة، منها : «لا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك».
وبمعناه غيره من الأخبار، ففي بعضها : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد».
وفي آخر : «إذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة
استقبالا ».
وإطلاقها وإن شمل
البطلان مع الالتفات يمينا وشمالا فما دونهما، كما عن فخر المحققين،
وما إليه بعض المتأخّرين.
إلاّ أنه مقيّد بجملة من المعتبرة الناصّة بأنّ الالتفات يقطع
الصلاة إذا كان إلى خلفه، كما يأتي،
أو إذا كان بكله، كما في الصحيح،
وفي آخر : «أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا».
وقريب منه المروي في
الخصال ، عن
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة قال : «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة».
والمتبادر من الالتفات الفاحش هو ما كان إلى الخلف، فاشتراطه وما بمعناه يدل بمفهومه على عدم البطلان بغيره، كما هو المشهور على الظاهر، المصرّح به في جملة من العبائر.
وتقييد المطلقات بهذه النصوص متعيّن، لاعتبار أسانيد جملة منها، و
انجبار باقيها بالشهرة المحققة والمحكية.
مضافا إلى التأيّد بنصوص أخر، كالصحيح : عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق، أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح».
والخبر : عن الالتفات في الصلاة، أيقطع الصلاة؟ قال : «لا، وما أحبّ أن يفعل».
والمروي في
عقاب الأعمال والمحاسن عن
مولانا الصادق عليه السلام : قال : «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله تعالى عليه بوجهه، ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرّات، فإذا التفت ثلاث مرّات أعرض عنه».
ونحوه المروي عن قرب الإسناد.
وهي صريحة في عدم البطلان بالالتفات إلى ما عدا الخلف أو مطلقا، خرج منه ما كان إلى الخلف إجماعا، فتوى ونصّا، وبقي الباقي. ولو لا
احتمال أن يكون المراد بالالتفات في الصحيح وما بعده الالتفات بالعين خاصة وفي غيرهما الالتفات بالقلب لا بالجارحة لكانت حجة، لانجبار الأسانيد بالشهرة.
ثمَّ إنّ إطلاق أكثر النصوص كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة عدم الفرق في البطلان بين صور العمد والسهو والنسيان، كما عن صريح الغنية والتهذيبين
وظاهر
إطلاق الصدوق في الفقيه والمقنع و
الهداية والأمالي،
ويعضده القاعدة : من
استلزام فوات الشرط الذي هو استقبال القبلة فوات مشروطه. خلافا للمحكي عن
المبسوط والمراسم والوسيلة والإصباح وغيرها،
فقيدوه بالأولى، وهو خيرة جماعة من المتأخرين، ومنهم الفاضل في
المنتهى ،
قال : لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «رفع عن أمتّي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وهو كما ترى، فإنّ غايته رفع المؤاخذة لا الصحة.
نعم، ربما يعضده إطلاق جملة من النصوص الواردة في المأموم المسبوق بركعة أنه يعيدها بعد ما فرغ
الإمام وخرج هو مع الناس.
وهي ظاهرة في وقوع الالتفات دبرا. بل في بعضها : رجل صلّى الفجر بركعة ثمَّ ذهب وجاء بعد ما أصبح وذكر أنه صلّى ركعة، قال : «يضيف إليها ركعة».
لكن في جملة من النصوص تقييد ذلك بعدم
الانحراف منها : في رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمَّ ذكر أنه فاتته ركعة، قال : «يعيد ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة، فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا».
وفي آخر : «إن كنت في مقامك فأتمّ بركعة، وإن كنت قد انصرفت فعليك
الإعادة ».
واعلم أن هذا كله إذا كان الالتفات بالوجه خاصة، وأما إذا كان بجميع
البدن فله شقوق مضى أحكامها في مباحث القبلة. ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في البطلان بالالتفات إلى الوراء بين الفريضة والنافلة. لكن في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى دون الثانية :
ففي الخبر المروي عن
قرب الإسناد ، وكتاب
مسائل علي بن جعفر ، عنه، عن
أخيه عليه السلام : عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : «إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى ولا يعتدّ به، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته».
ونحوه المروي في
مستطرفات السرائر ، عن جامع البزنطي، عن
مولانا الرضا عليه السلام بزيادة قوله : «ولكن لا يعود».
وفي جملة من الصحاح
إيماء إليه أيضا، منها : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان الالتفات فاحشا».
وقريب منه الصحيحان المعلّلان حظر الالتفات بأن الله عزّ وجلّ يقول
لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الفريضة (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)
فلا يبعد المصير إليه، ولكن لم أجد مصرّحا به.
رياض المسائل، ج۳، ص۲۷۶- ۲۸۱.