الحضانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فالأم أحق بالولد بمدة
الرضاع إذا كانت حرة مسلمة؛ وأذا فصل فالحرة أحق بالبنت إلى سبع سنين، وقيل إلى تسع سنين؛ والأب أحق بالإبن؛ ولو تزوجت
الأم سقطت حضانتها؛ ولو مات
الأب فالأم أحق به من
الوصي؛ وكذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم الحرة أحق به ولو تزوجت؛ فإن أعتق الأب فالحضانة له.
والحضانة بالفتح، وهي
ولاية عن الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته: من حفظه، وجعله في سريره ورفعه، وكَحله، ودهنه، وتنظيفه، وغسل خرقه وثيابه، ونحوه.
فالأُم أحقّ بالولد وتربيته مدّة
الرضاع مطلقاً، ذكراً كان أُم أُنثى أم غيرهما، إجماعاً فتوًى ونصّاً
فيما إذا أرضعته، وإلاّ فقولان:
من
الأصل، وظاهر النصوص، أظهرها
الموثّق: «فإن وجد
الأب من يرضعه بأربعة دراهم، وقالت
الأمّ: لا أرضعه إلاّ بخمسة دراهم، فإنّ له أن ينتزعه منها»
.
وقريب منه ما مضى قُبَيل المقام من
النصوص؛ لدلالتها بالمفهوم على عدم أحقّيتها مع عدم رضاها بإرضاعه. وليست في الظهور كالأول؛ لاحتمالها سلب الأحقيّة من جهة الإرضاع الغير الملازم لسلبها من جهة الحضانة. ومن أنّ كلاًّ من الحضانة والرضاعة حقّان متغايران، فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر.
وهو جيّد إن قام دليل على استحقاقها الحضانة على
الإطلاق، وليس، إلاّ ما سيأتي من أحقّيتها بالولد على الإطلاق، وهو مع قصور سنده معارض بما دلّ على أحقّية الأب كذلك
، وليس بعد التعارض سوى التساقط إن لم نقل برجحان الأخير، ومعه فلا دلالة على إطلاق أحقّيتها بالحضانة.
فإذاً الأول أقوى؛ للأصل، مع النصوص الماضية، التي هي حجّة أُخرى في ردّ ما ذكر للثاني من
الحجّة، وإلى ما صرنا إليه صار جماعة
؛ لما ذكر من الأدلّة، مضافاً إلى استلزام بقاء حقّ الحضانة مع انتفاء حقّ الرضاعة العسر والحرج والضرر بتردّد المرضعة إلى الأُمّ في كلّ وقت يحتاج إلى الإرضاع، وهما منفيّان آيةً ورواية.
هذا، وأمّا القول باشتراك الحضانة بين الأبوين كما عن
المهذّب مدّعياً عليه
الإجماع فضعيفٌ وإن دلّ عليه صدر الموثّق السابق: «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة» لوهن الإجماع بمصير الأكثر بل الكلّ إلى الخلاف، ومعارضة صدر
الرواية بذيلها، وقد مضى، وفيه تصريح بجواز اختصاص الأب بالحضانة مع عدم إقدام الأُمّ على الرضاعة؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة، وعدم وضوح المراد بالسويّة، فقد يراد بها: التسوية من جهة أنّ على الأُمّ الرضاعة وعلى الأب الأُجرة، كما ذكره بعض الأجلّة
.
ثم حضانة الأُمّ حيثما ثبتت لها مشروطة بما إذا كانت حرّة مسلمة عاقلة غير مزوّجة، بلا خلاف في الأربعة.
فلا حضانة للأمة؛ لفحوى النصوص النافية للحضانة عن الأب
العبد ما دام العبوديّة، ففي
الصحيح: «أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها؛ لموضع الأب»
مع أنّ منافعها مملوكة لسيّدها، فهي مشغولة بخدمته عن الحضانة؛ ولأنّ الحضانة ولاية،
والأمة ليس لها
أهليّة.
ولا للكافرة إذا كان الولد مسلماً؛ لأنّ الحضانة ولاية، ولا ولاية لها على المسلم، فتأمّل.
ولا للمجنونة؛ لاحتياجها إلى الحضانة، فكيف يعقل حضانتها لغيرها؟! وفي إلحاق المرض المزمن الذي لا يرجى زواله كالسلّ والفالج بحيث تشغل بالألم عن كفالته وتدبير أمره، وجهان، ونحوه المرض المعدِّي. وإطلاق الأدلّة مع أصالة بقاء الولاية إذا كانت الأمراض حادثة بعدها يقتضي الإلحاق، والضرر مندفع بالاستنابة، إلاّ أنّ في شمول الإطلاق لمثلها نوع مناقشة.
ولا للمزوّجة؛ لإجماع
الطائفة كما في
الروضة وللخبرين، أحدهما: عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج»
ونحوه الثاني
.
ولو طلّقت بائناً أو رجعيّاً انقضت عدّتها، ففي عود ولايتها وجهان، بل قولان، والأصل يقتضي الثاني، كما عن
الحلّي، والخبران العاميّان يقتضيان الأول
.
وزيد هنا شرطان آخران
لا دليل عليهما.
ولا اختصاص للشروط بالأُمّ، فإنّ الأب شريك لها فيها حيث ثبتت له الحضانة إجماعاً، إلاّ الشرط الرابع، فلا ينافيها في حقّه تزويجه بامرأة اخرى.
وإذا فصل الولد عن الرضاع فالحرّة أحقّ بالبنت إلى سبع سنين من حين الولادة، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن
السرائر والغنية؛ وهو الحجة فيه، مضافاً إلى إطلاق المعتبرة:
منها الصحيح: «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، إلاّ أن تشاء المرأة»
.
ونحوه الخبر المرويّ في
مستطرفات السرائر: رجل تزوّج امرأة فولدت منه ثم فارقها، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب: «إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله، وإن تركه فله»
.
وقيل كما عن
المقنعة والمراسم والمهذّب
: أنّها أحقّ بها إلى تسع سنين ومستنده غير واضح، إلاّ بعض الوجوه الاعتباريّة التي لا تصلح لتأسيس
الأحكام الشرعيّة.
والأب أحقّ بالإبن بعد الفطام، على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع عن الغنية
؛ وهو الحجّة فيه كإطلاق بعض المعتبرة، مثل الموثّقة السابقة: «إذا فطم فالأب أحقّ به من الامّ» وهي وإن شملت الأُنثى، إلاّ أنّها خُصَّت بالذكَر جمعاً بينها وبين ما مرّ ممّا أُطلق فيه السبع بحمله على الأُنثى جمعاً أيضاً.
ومستند الجمع هو
الإجماع المحكيّ في المقامين، مع التأيّد بما ذكروه من المناسبة، فإنّ الذَّكَر أولى بالزوج من الزوجة، كأولويّتها منه بالأُنثى في الحضانة. ولولاهما لكان القول بالتفصيل وإن اشتهر مشكلاً، وكان القول بإطلاق السبع مطلقاً متّجهاً.
وهنا قولان آخران:
أحدهما: إطلاق الحضانة للأُمّ ما لم تتزوّج، كما عن
المقنع؛ للخبرين اللذين مضيا في الشرائط، وفيهما: «المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج».
وقصور سندهما مع عدم جابر لهما هنا مضافاً إلى عدم مكافأتهما لما مضى من
النصّ والفتوى الذي عليه الإجماع قد ادُّعي يمنع من العمل بهما؛ مع معارضتهما بما دلّ على أولويّة الأب بالحضانة مطلقاً، وفيه ما هو بحسب
السند أقوى.
وثانيهما: كالأول منهما بالإضافة إلى
البنت، وأولويّتها بالصبيّ إلى السبع، كما عن
الإسكافي والخلاف مدّعياً عليه فيه
الوفاق والأخبار
.
والأول موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف، مع معارضته بما هو أقوى عدداً واعتباراً. والثاني لم نقف عليه.
فإذاً القول الأول من الأقوال في أصل المسألة أظهر وأقوى، كما مضى.
ولو مات الأب، فالأُمّ أحقّ به أي الولد مطلقاً، ذكراً كان أو أُنثى من
الوصيّ للأب أو
الجدّ له أو غيره مطلقاً، انقطعت حضانتها عنه قبل
موت الأب أم لا، إلى أن يبلغا؛ لأنّها أشفق وأرفق، وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله تعالى.
وللمرسل كالصحيح على الصحيح: عن رجل مات وترك امرأة ومعها منه ولد، فألقته على خادم لها فأرضعته، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصيّ، فقال: «لها أجر مثلها، وليس للوصيّ أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله»
.
وقريب منه فحوى الموثّق: «فإذا مات الأب فالأُمّ أحقّ به من العصبة»
.
وإطلاقهما كالعبارة والآية الشريفة يقتضي إطلاق الأحقيّة ولو كانت مزوّجة، وبه صرّح جماعة، ومنهم
العلاّمة، والخبران بالسقوط في المزوّجة ظاهران في حياة الأب جدّاً، والاشتغال بحقوق الزوج غير كافٍ للإسقاط قطعاً.
ولو كان
الأب مملوكاً أو كافراً، كانت
الأُمّ الحرّة المسلمة أحقّ به حضانةً ولو تزوّجت أو لم يكن لها ولاية مع حرّية الأب وإسلامه؛ لانتفاء الأهليّة عنهما، ولمنطوق الخبرين في الأول وفحواهما في الثاني:
في أحدهما الصحيح: «أيّما امرأة حرّة تزوّجت عبداً فولدت منه أولاداً، فهي أحقّ بولدها منه وهم أحرار، فإذا أُعتق الرجل فهو أحقّ بولده منها؛ لموضع الأب»
.
وفي الثاني: «ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوّجت حتى يعتق، هي أحقّ بولدها منه ما دام مملوكاً، فإذا أُعتق فهو أحقّ بهم منها»
.
ويستفاد منهما أيضاً أنّه لو أُعتق الأب فالحضانة له وينبغي تقييدهما بما إذا كانت له الحضانة بأن كان
العتق بعد
الفطام في الذكر وبعد السبع في الأُنثى؛ والوجه ظاهر.
فإنّ فُقِد الأبوان، فقيل: إنّ الحضانة لأب الأب؛ لأنّه أب في الجملة، فيكون أولى من غيره من
الأقارب، ولأنّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة؛ وبهذا جزم في القواعد، فقدّم الجدّ للأب على غيره من الأقارب.
ويشكل بأنّ ذلك لو كان موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم أُمّ الأُمّ عليه؛ لأنّها بمنزلة الأُمّ، وهي مقدّمة على الأب على ما فُصِّل. وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة، وإلاّ لكان الأب أولى من الامّ، وكذا الجدّ له، وليس كذلك إجماعاً، والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب، وإنما استفيد حكمهم من آية
اولي الأرحام، وهي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته، وبهذا جزم في المختلف، وهو أجود
.
فإن فُقِد أبو الأب، أو لم نرجّحه، فللأقارب منهم إلى الولد فالأقرب منهم، على الأظهر الأشهر؛ لآية اولي الأرحام، فالجدّة لُامّ كانت أم لأب وإن علت أولى من العمّة والخالة، كما أنّهما أولى من بنات العمومة والخؤولة، وكذلك الجدّة الدنيا والخالة والعمّة أولى من العليا منهن، وكذا ذكور كلّ مرتبة.
ثم إن اتّحد الأقرب، فالحضانة مختصّة به، وإن تعدّد أُقرع بينهم؛ لما في اشتراكها من
الإضرار بالولد.
ولو اجتمع ذكر وأُنثى، ففي تقديم الأُنثى قولٌ في التحرير مأخذه تقديم الامّ على الأب، وكون الأُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه، سيّما الصغير والأُنثى
.
وإطلاق الدليل المستفاد من
الآية يقتضي التسوية بينهما، كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب وقليله، ومن يمتّ بالأبوين وبالأُمّ خاصّة؛ لاشتراك الجميع في
الإرث.
وقيل: أنّ
الأُخت من الأبوين أو الأب أولى من الأُخت للأُمّ، وكذا أُمّ الأب أولى من أُمّ الأُمّ، والجدّة أولى من الأخوات، والعمّة أولى من الخالة؛ نظراً إلى زيادة القرب، أو كثرة النصيب
.
وفيه نظر بيّن؛ لأنّ المستند وهو الآية مشترك، ومجرّد ما ذكر لا يصلح دليلاً.
وقيل: لا حضانة لغير الأبوين؛ اقتصاراً على موضع
النصّ. وعموم الآية يدفعه، والمناقشة فيه لا وجه لها بالمرّة.
ثم إذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه بلا خلاف؛ لأنّها ولاية، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد، سواء في ذلك الذكر والأُنثى،
البكر والثيّب؛ لكن قيل: يستحبّ له أن لا يفارق امّه خصوصاً الأُنثى إلى أن تتزوّج
.
واعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّا لمن ذكر، ولكن هل تجب عليه مع ذلك، أم له إسقاط حقّه منها؟
الأصل يقتضي ذلك، وهو الذي صرّح به
الشهيد في
قواعده، فقال: لو امتنعت الأمّ من الحضانة صار الأب أولى به، ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب
.
ونُقِل عن بعض الأصحاب وجوبها
.
وهو حسن، حيث يستلزم تركها تضييع الولد، إلاّ أنّ حضانته حينئذٍ تجب كفايةً كغيره من المضطرّين؛ وفي اختصاص
الوجوب بذي الحقّ نظر. وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق، وهو لا يستلزم الوجوب.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۱۵۳-۱۶۲.