الصلاة في القباء المشدود
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وقيل : يكره) الصلاة (في قباء مشدود إلّا في) حال (الحرب) قال في التهذيب ـ بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة «لا يجوز» الظاهرة في التحريم ـ : ذكر ذلك
علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أعرف خبرا مسندا.
وظاهره التردد كالماتن هنا، والفاضل في
التحرير والمنتهى، والشهيدين في روض الجنان والروضة والذكرى،
وغيرهم من متأخّري أصحابنا، حيث اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين والمرتضى كما في جملة من العبارات،
أو مع زيادة كثير من الأصحاب كما في غيرها،
أو عن المشهور كما في الروضة والمدارك والذخيرة وغيرها.
وهو حسن إن لم نتسامح في أدلّة الكراهة، وإلّا فالكراهة أولى، ولذا صرّح الماتن بها في
الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد في اللمعة والدروس،
ref>
مع أن ظاهر المقنعة وصريح الوسيلة التحريم،
كما عن ظاهر
المبسوط والنهاية،
فتقوّى الكراهة
بالاحتياط في العبادة، وإن كان ظاهر الجماعة ـ عدا الفاضل في المختلف
ـ أنهم فهموا من العبارات المانعة الكراهة، حيث لم ينقلوا عنهم الحرمة، بل صرّحوا بنقل الكراهة.
وذكر
الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل الكراهة عنهم وذكر كلام التهذيب ـ أنه روت العامة أن
النبي صلي الله وعليه وآله قال : «لا يصلّي أحدكم وهو متحزّم» لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب العامّة. نعم في مسند أحمد: «لا يصلي الرجل إلّا وهو محتزم».
و في نهاية ابن الأثير: نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم.
وهو كناية عن شدّ الوسط، وكرهه في المبسوط.
واعترضه كثير منهم شيخنا الشهيد الثاني، فقال : وظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء المشدود، وهو بعيد.
وفيه نظر، فإن ظاهر
الاستدراك وإن أوهم ذلك، إلّا أن نسبته بعد ذلك وفي البيان
كراهة شدّ الوسط ـ الذي جعل الرواية كناية عنه ـ إلى المبسوط خاصة دون الجماعة ظاهرة في المغايرة بينه وبين القباء المشدود، ولذا جعلهما مكروهين ـ مؤذنا بتغايرهما ـ في الدروس، فقال : ويكره في قباء مشدود في غير الحرب ومشدود الوسط.
أقول : وما عزاه إلى المبسوط هو خيرته أيضا في الخلاف، قال : ويكره أن يصلّي وهو مشدود الوسط، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا
إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وهو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة، فقال : ويمكن
الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية،
مشيرا بها إلى ما في الذكرى من الرواية النبوية.وهو حسن.قيل : وبكراهته يمكن أن يستدل على كراهية القباء المشدود بالفحوى، لأن كراهة الصلاة مع التحزّم الذي ليس فيه إلّا قليل شدّ تستلزم كراهيتها في القباء المشدود الذي هو أكثر شدّا بطريق أولى. إلّا أن يقال : إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم، والقياس بطريق أولى حجّة إذا كان الحكم في المقيس عليه مقبولا.
وفيه نظر، لعدم وضوح الأولوية بعد
احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة، كما هو ظاهر الجماعة، وليس كل متحزم عليه من نحو القميص والرداء وغيرهما قباء، بل هو ثوب خاص، وعن نظام الغريب : أنه قميص ضيّق الكمين مفرج المقدّم والمؤخّر.
ثمَّ دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة الصلاة مع التحزّم قد عرفت ما فيها، لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه، مدّعيا في بعضها إجماعنا لم نعثر في كتب الشيخ على ما نسب إليه من كراهة شدّ الوسط. إلّا ما في الخلاف من ادّعاء الإجماع على ذلك والناسب إلى الشيخ هو الشهيد في البيان.
نعم، لا يمكن أن يكون الأولوية سندا لجميع الفقهاء، بل لمن قال بكراهة
الأصل من الفقهاء.
وفي الذخيرة : أن الشيخ أورد في زيادات
التهذيب خبرين دالّين على كراهيّة حلّ الأزرار في الصلاة،
فيمكن تخصيص كراهية الشدّ بما عدا الأزرار، أو تخصّ كراهية حلّ
الأزرار بما إذا كان واسع الجيب.
ولعلّه فهم من القباء المشدود ما يعمّ المشدود بالأزرار، ولذا فهم
التعارض بين الخبرين، وما ذكروه من كراهة الصلاة في القباء المشدود.وفيه نظر، لعدم صدق الشدّ على الزرّ بالإزار، وعليه فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من أحد التخصيصين.
رياض المسائل، ج۲، ص۳۷۰-۳۷۳.