الأزرار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو مايوضع في
القميص.
الأزرار جمع
زرّ، وهو- بالكسر وتشديد الراء-: ما يوضع في
القميص، وقيل: إنّه
العروة التي تجعل
الحبّة فيها.
والزَرّ- بالفتح-: مصدر زررت القميص أزرُّه- بالضم- زرّاً، إذا شددت أزراره،
ويقال: زرّ
الرجل القميص زرّاً- من باب قتل- أدخل الأزرار في
العرى وزرّره- بالتضعيف-
مبالغة، وأزرَّه- بالألف- جعل له أزراراً.
وقد ورد في
الفقه بنفس
معناه اللغوي.
ذكر الفقهاء أنّه يستحبّ لمن نزل في
قبر الميّت أن يحلّ أزراره؛
لكونه مقام اتّعاظ وخشوع،
ولأنّه أنسب
بالإذلال، ولأنّ فيه
إثقالًا،
ولما رواه
أبو بكر الحضرمي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا تنزل القبر وعليك
عمامة ولا
قلنسوة ولا
رداء ولا
حذاء، وحلّ أزرارك».
نعم، استثني من ذلك حالتي
الضرورة والتقيّة.
ولا يعارضه ما روي عن ابن بزيع، أنّه قال: رأيت
أبا الحسن عليه السلام دخل القبر ولم يحلّ أزراره؛
لأنّه مستحبّ فجاز تركه في بعض الأوقات ليشعر بعدم
الوجوب.
ذكر جملة من الفقهاء أنّ الميّت لو كفّن في قميص مخيط
ملبوس له أو لغيره كان سائغاً، ولكن تقطع أزراره؛
لرواية
محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص اعدّه لكفني، فبعث به إليّ، فقلت: كيف أصنع؟فقال: «انزع أزراره»».
ومرسل محمّد بن سنان عن
الإمام الصادق عليه السلام، قال: قلت:
الرجل يكون له القميص، أ يكفّن فيه؟ فقال: «اقطع أزراره»، قلت: وكمّه؟ قال: «لا، إنّما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كمّاً، فأمّا إذا كان ثوباً لبيساً فلا يقطع منه إلّا الأزرار».
وفي
صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام أيضاً: «... ثمّ
الكفن: قميص غير مزرور ولا مكفوف».
وفي صحيحة
ابن وهب عنه عليه السلام أيضاً قال: «يكفّن الميّت في خمسة أثواب:قميص لا يزرّ عليه...».
وظاهر هذه
الروايات وجوب
القطع، لكن في الروايات الواردة في تكفين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت أسد بقميصه الشريف،
وأيضاً الواردة في استحباب تكفين الميّت في ثوب كان يصلّي ويصوم أو يحرم فيه
إطلاقٌ، حيث لم يتعرّض فيها لقطع الأزرار، فربّما دلّت هذه
الأخبار بإطلاقها على جواز الكفن في القميص الملبوس بأزراره، فيقع
التعارض، ويكون مقتضى الجمع حينئذٍ القول
بالاستحباب.
لكنّ أكثر من تعرّض لذلك من الفقهاء ناقش في دلالة هذه الروايات بأنّها ليست في مقام بيان كيفيّة التكفين وأحكامه، خصوصاً ما ورد في تكفين
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
لفاطمة عليها السلام، فإنّ
الغرض منها تشريفه لها، فعدم التعرّض لقطع الأزرار لا دلالة فيه على
الجواز، فيكون القول بالوجوب هو المتّجه إن لم يكن
إجماع على عدمه.
ففي
الحدائق- بعد نقل
الطائفتين من الروايات- قال: «وربما دلّت هذه الأخبار الثلاثة (أي أخبار تكفين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام بقميصه) بإطلاقها على جواز الكفن في القميص الملبوس بأزراره، حيث لم يتعرّض فيها لذكر قطع الأزرار، ولا يبعد أن يكون لخصوصيّة من الطرفين، إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الغرض من سياقها إنّما هو بيان تشريفه صلى الله عليه وآله وسلم لها رضي اللَّه عنها بتكفينها في قميصه، لا بيان جواز التكفين في القميص حتى يكون
الإخلال بذكر ذلك موجباً لعدمه من حيث إنّ
المقام مقام البيان».
وفي
مستند الشيعة- بعد أن ذكر روايات القطع- قال: «مقتضاها وجوب القطع، فالقول به متعيّن إلّا أن ثبت إجماع على عدمه، وهو مشكل، وليس في عدم ذكره (القطع) فيما ورد في خبري ابن سنان وعيسى... وخبر
ابن ربعي عن
ابن عبّاس... دلالة على عدم القطع؛ لأنّ الغرض ذكر تشريفه لها بقميصه لا بيان
الأحكام».
وفي
جواهر الكلام- بعد ذكر الروايات في المقام- قال: «نعم، هو (مرسل ابن سنان) صريح كصحيح ابن بزيع في قطع أزراره، وظاهره الوجوب، فالمتّجه القول به إن لم يكن إجماع على عدمه، وإلّا فالأصل والإطلاق لا يعارضان، وعدم التعرّض له فيما ورد من تكفين
فاطمة بنت أسد بقميص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه على الجواز بدونه».
ونحو ذلك قال
الشيخ الأنصاري حيث إنّه بعد أن نقل تلك الروايات الواردة في القطع، وأنّ ظاهرها الوجوب- قال: «لا يعارضها إطلاق ما دلّ على استحباب تكفين الميّت في ثوب كان يصلّي ويحرم فيه، وما دلّ على تكفين فاطمة بنت أسد رضوان اللَّه عليهما بقميص النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنّها مسوقة لبيان أصل التكفين، فالقول بوجوب قطع الأزرار متّجه لو لم يكن إجماع على عدمه»..
وعلى كلّ حال فمقتضى
الاحتياط قطعها؛ عملًا بظاهر الروايات كما صرّح به بعضهم.
ومع ذلك استوجه
الفقيه الهمداني القول بالاستحباب؛ لما رواه
الصدوق مرسلًا، قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: «ينبغي أن يكون القميص للميّت غير مكفوف ولا مزرور»،
مدّعياً أنّ ظهور هذه الرواية في الاستحباب أقوى من ظهور الروايات المتقدّمة في الوجوب، مؤيّداً بترك الأمر بقطع الأزرار في الروايات الدالّة على استحباب التكفين في
ثوب كان يصلّي فيه ويصوم، مدّعياً ورودها في مقام البيان.
ذكر بعض الفقهاء- تبعاً لبعض الروايات
- أنّه يجوز لصاحب الميّت أن يتميّز عن غيره بالتحفّي، أو وضع الرداء، أو غير ذلك.
وقد ذكر بعضهم في هذا المقام أنّه ممّا يستحبّ أن يمتاز به حلّ الأزرار حيث قال: «يستحبّ للرجل أن يحفى ويحلّ أزراره في
جنازة أبيه وجدّه لأبيه دون من عداهم». وقد ردّه الفقهاء في
الاستثناء، كما يعرف من محالّ تفصيله، فراجع.،
ولم يرد في الروايات ولا في عبارات غيره من الفقهاء إلّا أنّ ظاهرهم كظاهر الروايات هو جواز أو استحباب
التميّز بأي كيفيّة حتى يعلم
الناس أنّه صاحب
المصيبة فيعزّونه، أو أجاز له
الشارع ذلك؛ لأنّه صاحب مصيبة وإن كان ذلك
مكروهاً محرّماً على غيره.
يعفى في
الصلاة وكذا
الطواف- على خلاف فيه- عن
نجاسة ما لا تتمّ الصلاة فيه من اللباس والمحمول، دون ما لا يعدّ محمولًا ولا ملبوساً وإنّما يعدّ جزءاً من اللباس،
كخيوط الثوب
والقياطين والأزرار
والسفائف، فلا عفو عن نجاسته،
إلّا أن تكون جزءاً ممّا لا تتمّ به الصلاة.
من المعلوم فقهياً حرمة لبس
الذهب والحرير للرجال؛ لورود النصوص فيه، بل عليه دعوى الإجماع
والضرورة.
ولا فرق في ذلك بين حال الصلاة وغيرها إلّا في حالتي
الحرب والضرورة.
نعم، يتعرّض الفقهاء لذلك في شروط لباس المصلّي، وتفصيل ذلك في محالّه، إلّا أنّ الغرض
الإشارة هنا إلى حكم ما لا تتمّ الصلاة فيه أو ما لا يصدق عليه عنوان اللبس أو اللباس الذي من أمثلته الأزرار، وأنّ الظاهر أنّ
الأكثر على استثناء مثل ذلك،
خصوصاً في الحرير.
نعم، في خصوص لبس الذهب في الصلاة ذهب بعضهم إلى عدم الفرق بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره
أو ما كان
حليّاً كالخاتم، أو جزءاً من اللباس كالأزرار.
وربما فصّل بين الحرمة التكليفية فيحرم لبس الذهب والتزيّن به، وبين المانعية عن الصلاة فتختصّ باللباس الذي يختصّ بما له نوع اشتمال على
المصلّي ولو بعضه، ولا يكون في غيره.
صرّح الفقهاء باستحباب زرّ الأزرار
وكراهة حلّها حال الصلاة؛
وفيه التعبير ب (لا ينبغي).
جمعاً بين ما دلّ من الروايات على جواز الصلاة في الثوب وأزراره محلولة، كرواية زياد بن سوقة عن
الإمام الباقر عليه السلام قال: «لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلّلة، إنّ دين
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم حنيف»
وغيرها، وما دلّ على
المنع من ذلك، كرواية
غياث بن إبراهيم عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام، قال: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار»
وغيرها،
أو حملًا للمانعة على صورة انكشاف العورة، وغير ذلك»).
والظاهر أنّ هذا المقدار- وهو جواز الصلاة في الثوب محلول الأزرار على كراهة- لا كلام فيه بينهم. نعم، وقع
الكلام في أنّ هذا مطلق أم مقيّد بما إذا لم يستلزم ظهور
العورة للمصلّي وغيره.
ظاهر إطلاق بعض العبارات- كإطلاق الأخبار المجوّزة- جواز ذلك وإن استلزم
انكشاف العورة له ولغيره،
وقيّده بعضهم بما إذا لم تنكشف للغير، بأن انكشفت له دون غيره فأطلق بعضهم
الصحّة؛
لأنّ المحرّم نظر غيره إلى عورته،
وقيّدها بعضهم بما إذا لم يقدّر
رؤية الغير لو حاذى
الموضع؛
لوجوب ستر العورة في الصلاة، وذلك ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل، وإنّما هو باعتبار أنّه لو كان ثمّة ناظر لكان يراها، وإلّا لكان المصلّي في
الظلام أو في
بيت يغلق عليه تصحّ صلاته وليس كذلك إجماعاً.
من مبطلات الصلاة تعمّد الفعل الكثير، وهناك كلام وآراء في تحديده، من بينها تحديده بأنّ ما يحتاج إلى فعل
اليدين معاً فهو كثير، ومُثّل لذلك بتكوير العمامة، وعقد
السراويل، وأمّا ما لا يحتاج إليهما معاً فهو قليل، ومُثّل لذلك برفع العمامة، وحلّ الأزرار. وعلى هذا
الرأي يكون حلّ الأزرار أثناء الصلاة غير مبطل، إلّا أنّ هناك آراء اخرى في تحديد الكثير المبطل والقليل غير
المبطل:
منها: كون الفعل ممّا يخرج به فاعله عن كونه مصلّياً عرفاً وعدمه.
ومنها:
الوقوف على ما ورد في النصوص، فما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعاً أو شخصاً فلا بأس به، وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محلّ إشكال وإن لم يسمّ كثيراً عرفاً،
وغير ذلك، فالمسألة هنا من أمثلة تلك، والتفصيل هناك.
ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء- بل معروف بينهم
قديماً وحديثاً، وعليه دعوى إجماع
العلماء كافّة تارة، وإجماع جميع
أهل العلم اخرى- حرمة لبس المخيط للرجال حال
الإحرام.
نعم، هناك كلام في استفادة هذا الحكم على إطلاقه من النصوص؛ لأنّ الموجود في بعضها
النهي عن ثوب تزرّه أو تدرعه، وفي بعضها الآخر النهي عن ثياب معيّنة كلبس القميص والسراويل والخفّين حتى صرّح بعضهم بأنّ الحكم بحرمة لبس المخيط على إطلاقه مبنيّ على الاحتياط.
وعلى كلّ حال وبناءً على حرمة مطلق المخيط والملحق به ولو كانت الخياطة قليلة، كخياطة الأزرار بالثوب، استثنى الفقهاء لبس
الطيلسان الذي له أزرار، ومنعوا من زرّه على نفسه؛
لوجود النصّ.
الموسوعة الفقهية ج۱۰، ص۳۰۹-۳۱۵.