الصلاة في عمامة بلا حنك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(و) أن يصلّي (في عمامة لا حنك لها)
باتفاق علمائنا، كما في المعتبر والمنتهى،
وهو الحجة.مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن الغوالي وغيره، وفيه : «من صلى مقتعطا-قعط عمامته واقتعطها : أدارها على رأسه ولم يتلحّ بها..
فأصابه داء لا
دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه».
وإطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون تحنك، ففي المرسل كالصحيح : «من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه».
ونحوه غيره من كثير من النصوص،
مبدّلا في بعضها «لم يتحنك» ب : «لم يدر
العمامة تحت حنكه» وفي آخرين : «الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم
الالتحاء بالعمائم» كما في أحدهما، ونحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخلّ بالمقصود.
ولما كان التحنّك والتلحّي في اللغة والعرف
إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك بغيرها، وفاقا للشهيد الثاني وسبطه وغيرهما.
خلافا للمحقق الثاني، فاحتمل تأدّي السنة به أيضا، لكن متردّدا بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى،
وتبعهما في
الاحتمال بعض الفضلاء،
ولم أعرف له وجها.
ثمَّ إن ظاهر النصوص والفتاوي ـ ولا سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة ـ
استحباب دوامه وعدم
الاكتفاء به عند التعمم خاصة، وعليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من النص والفتوى، وبين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف العمامة على الصدر أو القفاء،
ولذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما :
فبين من جمع بينهما تارة بحمل الأولة على
إرادة التحنك حين التعمم والأخيرة على الإسدال بعده،
وأخرى بتخصيص السدل بحال الحرب ونحوه مما يراد فيه الترفّع
والاختيال والتحنك بما يراد فيه التخشّع والسكينة.
وبين من جمع
بإرجاع أخبار التحنك إلى
الإسدال بضرب من التوجيه، بل ادعى اتحادهما معنى لغة.
وهو مشكل جدّاً.ويحتمل الجمع بوجه آخر، وهو تخصيص استحباب السدل بالرسول صلي الله وعليه وآله
والأئمة :، واستحباب التحنك بنا.
ولا بعد فيه إلّا من حيث عموم أخبار التحنك، وإلّا فأخبار الإسدال لا عموم فيها، فإنّ منها : «اعتمّ
رسول الله صلي الله وعليه وآله ، فسدلها من بين يديه ومن خلفه، واعتمّ
جبرئيل عليه السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه».
ومنها : «عمم رسول الله صلي الله وعليه وآله
عليّا عليه السلام ، فسدلها من بين يديه وقصّرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثمَّ قال : أدبر، فأدبر، ثمَّ قال : أقبل، فأقبل، ثمَّ قال : هكذا تيجان الملائكة».
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر
اختصاص موردها بالرسول صلي الله وعليه وآله والأئمة :، فلا غرو إن جمعنا بينها وبين النصوص الماضية بذلك، وقيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم :، بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.ويحتمل آخر ضعيفا، وهو
التخيير بينهما، ويكون المقصود من استحبابهما كراهة
الاقتعاط المقابل لهما.
واعلم أنّ جمعا من الأصحاب حكوا المنع هنا ـ الظاهر في التحريم ـ عن الصدوق،
ولم أقف على تصريحه به. نعم، في الفقيه : سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة في طابقيّة، ولا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلّا وهو متحنّك.
وهو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك، فيبعد مخالفته لهم، بل الظاهر موافقته لهم، ولعله لذا نسبوه إليه، أو وجدوا التصريح منه به في محل آخر.
وكيف كان، فالمنع تحريما ـ كما هو ظاهرهم ـ ضعيف جدّا،
للأصل ، مع عدم دليل صالح على ما ذكروه، فإن غاية النصوص ـ حتى النبوي الوارد في الصلاة ـ إفادة الكراهة لا التحريم، فإثباته مشكل، سيّما مع
إطباق المتأخّرين واختيارهم خلافه، مع دعوى جملة منهم
الإجماع عليه كما عرفته.ويحتمل إرادة المشايخ من «لا يجوز» الكراهة،
لاستعماله كثيرا فيها في الأخبار وكلام قدماء الطائفة.
رياض المسائل، ج۲، ص۳۵۵-۳۵۸.