الغسل الترتيبي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من
واجبات الغسل الترتيب، وهو أن يبدأ برأسه، ثمَّ يغسل ميامنه، ثمَّ مياسره كل منهما من أصل العنق إلى تمام القدم.
والخامس من
واجبات الغسل الترتيب، وهو أن يبدأ برأسه إجماعاً كما عن
الخلاف والانتصار والتذكرة والغنية والحلّي وغيرهم
ممّن سيذكر للمعتبرة المستفيضة، مضافاً إلى ما سيأتي.
منها
الصحيح قولاً: «ثمَّ تصبّ على رأسك ثلاثاً، ثمَّ صبّ على سائر جسدك مرّتين»
. ومثله
الحسن فعلاً
. وفي الحسن: «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه، لم يجد بدّا من
إعادة الغسل»
. ومثله الرضوي: «فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك»
.
وبعين هذه العبارة أفتى والد
الصدوق كما نقلها عنه في
الفقيه. ومنه يظهر فساد نسبة القول بعدم وجوبه هنا إليهما في الكتاب المذكور. وعبارة
الإسكافي المنقولة لا تنفيه، فنقل النفي عنه
لا وجه له، بل ربما أشعرت بثبوته، فالظاهر عدم الخلاف فيه. وبالمعتبرة هنا يقيد إطلاق الصحاح منها: «ثمَّ تمضمض واستنشق ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»
الحديث. كتقييدها في الترتيب الآخر بما سيأتي.
وما لا يقبل التقييد كالصحيح في أمر
مولانا الصادق (علیهالسّلام) الجارية في الحكاية المعروفة بخلاف الترتيب
، معارض لصحيح آخر لرواية تضمّن أمره
الجارية بخلاف ما فيه
، وهذا مع ذلك دليل آخر لما نحن فيه. ويدخل الرقبة هنا في الرأس، كما عن
المقنعة والتحرير وكتب الشهيد
، وظاهر أبي الصلاح والغنية
والمهذّب لتصريحهم بغسل الرأس إلى أصل العنق. وما عن الإشارة من غسل كل من الجانبين من رأس العنق
غير مخالف إذ يحتمل إرادة أصله من رأسه فيه فيوافق. وعن بعض مقاربي العصر الإجماع عليه
، ولعلّه كذلك.
ويشهد له الحسن: «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين» الحديث
. ونقله في
الكافي والتهذيب مقطوعاً
غير قادح أوّلا باشتهار العمل به، وثانياً بنقله في
المعتبر والتذكرة إلى الصادق (علیهالسّلام) مسندا. وقريب منه الموثّق: «ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرّات مل ء كفيه، ثمَّ يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه، ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه» الحديث
.
ثمَّ يغسل ميامنه، ثمَّ مياسره كل منهما من أصل العنق إلى تمام القدم، في المشهور بين الأصحاب، بل عن المعتبر
اتفاق فقهاء عصره عليه
، وعن التذكرة والغنية، وظاهر الانتصار والخلاف
والمنتهى والحلّي: الإجماع عليه
، وعن التذكرة
ونهاية الإحكام والذكرى والروض: الإجماع ممّن رتّب الرأس على البدن
، وفي الأخيرين: ومن رتّب بينهما في
الوضوء أيضاً.
والأصل فيه بعد
الاحتياط الواجب هنا، وبعض الأخبار العامية
المعتضدة بالشهرة، وحبّ
النّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) التيامن في طهوره
، النصوص
المصرّحة به في غسل الأموات
، مع ما ورد باتحاده في الكيفيّة مع
غسل الجنابة. ففي الخبر: «
غسل الميت كغسل الجنابة»
.
في آخر بعد ما سئل
مولانا الباقر (علیهالسّلام) عن الميت لم يغسّل غسل الجنابة، أجاب بما حاصله: لخروج
النطفة التي خلق منها فلذلك يغسّل غسل الجنابة
. وفيه زيادةً على الدلالة من جهة التشبيه الدلالةُ من جهة التعليل المستفاد منه كون غسله عين غسل الجنابة؛ والأخبار بهذا التعليل مستفيضة بل كادت تكون متواترة مروية في العلل والعيون
، وغيرهما من الكتب المعتبرة، فلا وجه لتأمّل بعض المتأخرين منّا
تبعاً لشاذ من أصحابنا
في ذلك.
ولا يجب الابتداء في المواضع الثلاثة بالأعلى؛ للأصل، مع ظاهر عبارات الأصحاب، والصحيحة المصرّحة باكتفاء
الإمام (علیهالسّلام) بغسل ما بقي في ظهره بعد الإتمام من اللُمعة
. وهي للعصمة غير منافية؛ لعدم التصريح فيها
بالنسيان أو
الغفلة. نعم، في الحسن السابق الآمر بصبّ الماء على الرأس والمنكبين
إيماء إلى رجحانه واستحبابه، وعن الذكرى استظهاره
. ولا بأس به.
ويتبع السرّة والعورتان الجانبين، فيوزّع كلّ من نصفيها على كل منهما مع زيادة شيء في كل من النصفين من باب المقدّمة. وعن الذكرى الاكتفاء بغسلها مع أحدهما عن ذلك؛ لعدم الفصل المحسوس، وامتناع إيجاب غسلها مرّتين
. وما ذكرناه
أحوط وغسلها مع الجانبين أولى. وتغسل اللمعة المغفلة هنا خاصة مع الجانب الآخر مطلقاً (أي ولو كان قد غسل منه رحمهالله) إذا كانت في اليمين، وبدونه إذا انعكس، كما عن الأصحاب.
ويستفاد من مفهوم النصوص مضافاً إلى الاحتياط اللازم في مثل المقام عدم سقوط الترتيب بالوقوف تحت المطر ونحوه، بناءً على عدم صدق الارتماس عليه، مضافاً إلى ما دلّ على وجوبه مطلقاً إلّا ما خرج قطعاً، وفاقاً لجماعة
. وليس في الصحيح وغيره مع ضعف الأخير دلالة على السقوط، بل هما في النظر على الدلالة بالثبوت أظهر، ومع ذلك فهما مطلقان يقيّدان بما تقدّم.
فظهر سقوط حجة القول بالسقوط كما في
القواعد، وعن الإصباح وظاهر
الاقتصاد والمبسوط. ولو أغفل لمعة ففي وجوب الاستئناف مطلقاً، أم الاكتفاء بغسلها كذلك خاصة، أو مع ما بعده، أو التفصيل بين طول الزمان فالأوّل وقصره فالثاني، أقوال، أصحّها الأوّل كما عن
الدروس والبيان والمنتهى
، لعدم صدق الارتماس المعنيّ منه شمول الماء لجميع البدن دفعةً المشترط في سقوط الترتيب وصحة الغسل نصّاً وإجماعاً حينئذ، مضافاً إلى
الأصل. وحجج الباقي ركيكة، والخبر: «ما جرى عليه الماء فقد طهر»
مورده الترتيبي خاصة، فافهم.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۰۵-۲۱۰. رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۱۱-۲۱۲.