القبض في الهبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الهبة بمنزلة
الميراث ، وإن كان لصبي في حجره وأشهد فهو جائز والهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها.
(و) لا بُدّ فيها من (القبض) أيضاً، بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في المسالك وغيره
كما يأتي؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة : منها الموثق، و
المرسل القريب منه بفضالة وأبان : عن النحل والهبة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها، قال : «هي بمنزلة
الميراث ، وإن كان لصبي في حجره وأشهد فهو جائز».
وقريب منها الخبر : «الهبة لا تكون هبة أبداً حتى يقبضها».
وصريح الأولين وظاهر الثالث كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة أن القبض شرط الصحة، وبه صرّح
الحلبي ،
والأكثر كما حكاه الحلّي،
بل عن ظاهر
الدروس والمحقق الثاني وصريح التذكرة ونهج الحق وفخر الإسلام
الإجماع عليه؛ وهو حجة أُخرى زيادة على الخبرين، المعتبر أحدهما في نفسه بما مرّ، مضافاً إلى اعتباره كالآخر بالشهرة المطلقة التي حكاها الحلّي، والمتأخّرة التي حكاها جماعة من الأجلة،
مع سلامتهما كالإجماع المحكي عما يصلح للمعارضة؛ لما ستعرف من الجواب عن الأخبار الآتية، وعدم قدح بخروج معلوم النسب على تقديره في حجيّة الإجماع مطلقا، محققة ومحكية، كما عليه الأصحاب كافّة.
فإذاً لا مسرح عن هذا القول ولا مندوحة، سيّما مع تأيّده بأصالة بقاء الملك لمالكه إلى أن يتحقق الناقل، وليس سوى
الأمر بالوفاء بالعقود. وما قيل
من المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح : «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسّمت أو لم تقسّم، والنحل لا يجوز حتى تقبض، وإنّما أراد الناس ذلك فأخطئوا».
والموثقان بأبان، المجمع على تصحيح رواياته وروايات الراوي عنه فيهما، وفيهما : «إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة».
وفي الجميع نظر؛
لاندفاع الأوّل بالإجماع على خلافه إن أُريد به ظاهره من لزوم
الوفاء بالعقد، كيف لا ولا خلاف في جواز الرجوع فيها قبل القبض مطلقا. وإن أُريد به لزوم الوفاء بمقتضى العقد من لزوم أو جواز فلا يدل على المطلوب؛ لتوقّف الدلالة حينئذٍ على ثبوت المقتضى من خارج وأنه الصحة، وهو أوّل الدعوى.
وقصور النصوص أوّلاً : عن المكافأة لما مرّ من الأدلة المعتضدة بالأصل والشهرة المحققة والمحكية. وثانياً : بحسب الدلالة بإجمال القابض هل هو الواهب، أو الموهوب له؟ وهي لا تتمّ إلاّ على التقدير الأخير دون الأول؛ إذ المراد منه على هذا التقدير جواز هبة ما لم يقبض، لا جوازها وإن لم تقبض، وإذا جاء
الإجمال بطل
الاستدلال .
مع تأيّد
الاحتمال الأوّل والمراد منه ببيان جواز هبة ما لم يقسّم بعد ذلك في الخبر الأوّل بقوله : «قسّمت أو لم تقسّم» ردّاً على العامة المانعين عن هبته.
وبقوّة احتمال ورودها مورد التقية؛ بناءً على ما يستفاد من تتبّع أخبار الهبة أن المراد بالجواز حيث يطلق فيها اللزوم دون الصحة، ألا ترى إلى الخبرين، أحدهما الموثق كالصحيح : «تجوز الهبة لذوي
القرابة والذي يثاب من هبته، ويرجع في غير ذلك إن شاء».
وهما كغيرهما كالصريحين بل صريحان في أن المراد من الجواز المطلق في الصدر من دون قرينة ما يقابل جواز الرجوع الذي ذكر في الذيل حقيقة، وعلى هذا يحتمل قويّاً أن يكون المراد من الجواز في هذه النصوص هو اللزوم، كما فهمه الشيخ في
الاستبصار ،
لا الصحة، كما فهمه جماعة،
وحينئذٍ فلم يقل بهذه النصوص أحد من الطائفة.
ويحتمل حملها على
التقية ، فإنّ ذلك مذهب بعض العامّة، كما يستفاد من الانتصار والغنية،
وبذلك صرّح شيخنا في الاستبصار في الجواب عن النصوص المزبورة بناءً على فهمه اللزوم من الجواز فيها كما قدّمناه، قال بعد احتماله حملها على
الاستحباب ، وذكره القدح في الصحيحة بتضمّنها الفرق بين الهبة و
النحلة فيما تضمّنته والحال أنه لا فرق بينهما في ذلك اتّفاقاً فتوًى ورواية ـ : ويجوز أن يكون خرج مخرج التقية.
وهو في غاية الجودة، إلاّ أن احتمالها في الصحيحة لا يخلو عن مناقشة؛
لإباء سياقها عنه إلاّ بمشقّة وكلفة.
وكيف كان، فلا حجة في هذه الأدلة على من جعل القبض شرط الصحة وإن انتصر بها عليهم من المتأخّرين جماعة،
زاعمين لأجلها أن القبض شرط اللزوم دون الصحة، وفاقاً للمحكي عن ظاهر الشيخين والقاضي وابن حمزة،
فإنّها كما عرفت لا دلالة فيها صريحة بل ولا ظاهرة، ومع ذلك لا معنى لجعله شرط اللزوم في مطلق الهبة بعد
الاتفاق على عدم اللزوم بعد القبض إلاّ في مواضع قليلة، وتخصيص ذلك بتلك المواضع النادرة دون الكثيرة بمعنى أنه لا يشترط القبض في الهبة، ولا ثمرة فيه ولا فائدة إلاّ حيث تكون الهبة لازمة بعيد عن
إطلاق عبائر الجماعة كافة كما حكاه بعض الأجلّة
باشتراط القبض في مطلق الهبة، ولعلّه لذا ادّعى في الدروس أن مراد الأصحاب بشرط اللزوم هنا شرط الصحة، وذكر عن الشيخ القائل بأنه شرط اللزوم ما يعرب عن هذا التوجيه.
ومظهر ثمرة الخلاف النماء المتخلّل بين العقد والقبض، فإنه للواهب على المختار، وللمتّهب على غيره. وما لو مات الواهب قبل
الإقباض ، فإنها تبطل على الأول، ويتخيّر الوارث بين الإقباض وعدمه على الثاني. وفطرة المملوك الموهوب قبل الهلال الغير المقبوض إلاّ بعده، فإنها على الواهب على الأول، وعلى الموهوب له على الثاني. ونفقة الحيوان في المدّة المتخلّلة.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۲۰۵- ۲۱۰.