تشخيص موضوعات الأحكام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تشخيص موضوعات الأحكام الفقهية:
هل انّ تشخیص
الموضوعات بعهدة ا
لفقیه؟ المعروف انّ تشخیص
الموضوعات الفقهیة لیست بعهدة الفقیه، ولكن هذا الجواب غير دقيق بل الصحيح انّ هذا الکلام یختصّ ببعض
موضوعات الاحکام، بینما یخضع قسم مهمّ آخر من الموضوعات فی تشخیص جزئیاتها بعهدة الفقیه، ولهذا السبب نری الکثیر من هذه الموضوعات طرحت فی
الکتب الفقهیة علی اساس انّها من
المسائل الفقهیة.
المعروف انّ تشخیص الموضوعات الفقهیة لیست بعهدة الفقیه، ومن الطبیعی ان لا یقال له «فقه» فی حین انّ هذا الکلام یختصّ ببعض موضوعات الاحکام، بینما یخضع قسم مهمّ آخر من الموضوعات فی تشخیص جزئیاتها بعهدة الفقیه، ولهذا السبب نری الکثیر من هذه الموضوعات طرحت فی الکتب الفقهیة علی اساس انّها من المسائل الفقهیة. وتوضیح ذلک:
لا شکّ فی انّ تشخیص الموضوعات بشکل عام وبیان الخصوصیات والاجزاء والشروط والموانع کلّها بعهدة الفقیه، ای انّه ینبغی علی الفقیه ان یبیّن انّ هذا
الحکم المستوحی من
الادلّة علی ایّ موضع یرد، واذا کان الموضوع عبارة عن عنوان مرکّب کالصلاة، فعلی الفقیه بیان الاجزاء و
الشرائط و
الموانع فی هذه المسالة. اذن یجب علی الفقیه ان یشخّص مثلًا انّ حکم وجوب
التیمّم فی صورة عدم وجود الماء هل انّه ورد علی عنوان «
الصعید» او علی عنوان «
التراب»؟ او حکم وجوب الخمس فی آیة
الخمس هل انّ موضوعه مطلق عنوان «
الغنیمة» ام یختصّ ب
الغنائم الحربیة فقط؟ او فیما یتعلّق بموضوع وجوب الصلاة الذی یعتبر عمل مرکّب من اجزاء وشرائط خاصّة مع فقدان الموانع، فما هی هذه الاجزاء والشرائط والموانع فی
الصلاة؟
ولا فرق فی هذه
الجهة بین موضوعات من قبیل «صعید» و «غنیمة» الموجودة فی
العرف العام، وبین
الموضوعات المخترعة من قِبل الشارع نظیر «صلاة» و «
صیام» و «
حج»؛ فانّ استنباط هذه الموضوعات من مطاوی الادلّة الشرعیة من شان
الفقیه فحسب.
ولکن عندما نصل الی مصادیق هذه
الموضوعات وندخل فی دائرة
البحث التطبیقی، من قبیل انّه هل یطلق علی غیر
التراب عنوان «صعید» ام لا؟ او هل یصدق علی
ارباح المکاسب عنوان «غنیمة» ام لا، او بالنسبة للاستقبال
المقارن للانحراف عشر
درجات هل یصدق علیه «استقبال
القبلة» ام لا؟ او
الضحک بدون صوت والذی یثیر فی
الانسان الحرکة، فهل هو من مصادیق «
القهقهة» التی هی من مبطلات
الصلاة ام لا؟
وهکذا نلاحظ انّ الموارد علی ثلاثة انحاء:
۱. الموضوعات التی یحتاج تطبیقها وتشخیص مصادیقها لنحو من انحاء
التخصّص، وینبغی علی
المتخصّصین بیان هذا
الموضوع، مثلًا، یقول
الفقیه: لا یجب
الصوم علی
المریض الذی یضرّه الصیام. فهنا نجد احیاناً انّ الشخص المریض یمکنه تشخیص الضرر بنفسه ویدرک انّ الصیام مضرّ بحاله، واحیاناً اخری یستعین بالطبیب فی ذلک. او مثلًا هل یعتبر الموت بالسکتة الدماغیة مصداقاً للموت الحیوانی بحیث تبقی الحیاة النباتیة فی بدن الانسانام لا؟ او هل المیّت بالسکتة الدماغیة بشکل خاصّ قابل للعودة للحیاةام لا؟ کلّ هذه الموارد هی من شان الطبیب المتخصّص.
۲. الموضوعات التی ینبغی الرجوع فیها للعرف لتطبیق مصداقها، ولکنّ تشخیص ما یقوله العرف فی هذه المسالة وما هی المرتکزات لدی العرف بالنسبة لتفاصیل هذه المواضیع، لا یدرکه سوی الفقیه، وفی مثل هذه الموارد فانّ الفقیه یعمل عمل المتخصّص فی ذلک، لانّه منشغل دائماً بالمسائل
الفقهیة وموضوعاتها وما یشخّصه العرف فی هذا المورد وما هی مرتکزاته، لانّ الفقیه یتمتع بالقدرة
الفائقة علی تحدید تفاصیل المورد بدقّة، مثلًا: هل انّ التغییر التقدیری للماء بلون النجس هو مصداق «
التغییر» الوارد فی الروایات مثل: «خَلَق اللَّهُ الماءَ طَهوراً لا یُنَجِّسُه شَیءٌ الّاما غَیَّر لَونَه او طَعْمَه او رِیحَه»
ام لا؟ فالفقیه هنا یتمکّن من ابراز رایه فی هذا الموضوع.(المراد من التغییر التقدیری هو انّ الماء الملوّث قلیلًا بالطین وقد اختلطبه مقدار من
الدم بحیث لو کان الماء صافیاً سیتغیر لونه. ولکن بما انّ هذا الماء ملوّث فانّ آثار
النجس لا تظهر علیه فعلًا). ومعلوم انّه لو اردنا منح افراد الناس تشخیص الموضوع، فانّهم سیعیشون الحیرة والتخبّط.
او ما ورد من حرمة النظر الی
النساء الاجنبیات غیر
المحجّبات فی
الآیات و
الروایات الشریفة، ولکن هل یشمل هذا
الحکم النظر الی
النساء غیر
المحجّبات فی التلفزیون بشکل بثّ مباشر او غیر مباشر؟، فانّ تشخیص هذا الموضوع لا یمکن تفویضه للناس والعرف، بل انّ الفقیه هو الذی یقول: انّ هذا النظر لیس من مصادیق موضوع
الحرمة الشرعیة لانّ
الموضوع الکلّی للنظر منصرف لما یکون وجهاً لوجه او فی المرآة علی الاقلّ، وعلیه فانّ المورد المذکور آنفاً لو لم یترتب علیه مفسدة خاصّة، فلا تجری علیه احکام النظر الی غیر
المحارم. ومن هذا القبیل، الامثلة الاربعة المذکورة (
صعید،
الغنیمة، استقبال
القبلة،
القهقهة) والامثلة علی ذلک کثیرة فی جمیع
ابواب الفقه.
۳. الموضوعات التی لا یشکّل تشخیصها مشکلة معقّدة بالنسبة للعرف العام، مثلًا: هل انّ هذا السائل الملوّن دم ام لا؟ او هل انّ ذلک
الماء الملوّث مضاف ام مطلق؟ وهل انّ رؤیة الهلال حصلت ب
العین المجرّدة العادیةام لا؟ فتشخیص مثل هذه
الموضوعات ممکن لعامّة الافراد ولا یحتاج
المکلّف فی ذلک اتباع نظر
المجتهد والمتخصّص.
ولا شکّ فی انّ القسم الثانی من الاقسام الثلاثة المذکورة یعدّ ایضاً من «الفقه» کما هو الحال فی بحث
العناوین الکلیّة للموضوعات، وتقع مسؤولیته علی عهدة الفقیه.(سیاتی فی بحث
الموضوعات المخترعة والمستنبطة، انّ تشخیص هذه الموضوعات علی عهدة
الفقیه).
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «تشخيص موضوعات الأحكام» ج۱، ص۲۸-۳۰.