ثبوت الأرش في الثمن المعيوب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
مورد الأخبار والمتداول على لسان أكثر الفقهاء ثبوت الخيار بين الردّ
والإمساك مع الأرش عند ظهور العيب في المثمن بل يظهر من الشرائع التخصيص بالمبيع حيث قال: «فإن ظهر فيه (المبيع) عيب سابق على العقد فالمشتري خاصّة بالخيار بين فسخ العقد أو أخذ
الأرش ». لكن أجيب عنه بأنّ مراده أنّ عيب المبيع يوجب خيار المشتري خاصّة.
ومقتضى الجمود على ذلك هو ثبوت
التخيير لخصوص المشتري في خصوص المبيع فيما إذا بيع السلعة بالثمن، وأمّا الثمن المنتقل إلى البائع إذا ظهر معيباً فهو خارج عن مصبّ الأخبار والفتاوى، وكذا المبادلة بين السلعتين إذا ظهر العيب في إحداهما.
لكن صرّح بعض الفقهاء بعدم الفرق في ذلك بين ظهور العيب في الثمن أو المثمن نعم، فيه تقييد ثبوت الأرش في الثمن فيما إذا لم يمكن الرد،
بل ادّعى بعضهم أنّ الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.
ووقع الكلام في المدرك، فذكر لذلك عدّة وجوه:
الأوّل:
الاستناد إلى قاعدة نفي الضرر.
لكن نوقش فيه بأنّ غايتها
إفادة الخيار
وارتفاع اللزوم وجواز الفسخ والردّ، لا التخيير بينه وبين الأرش كما هو المدّعى.
بل ذكر السيد الخوئي - في مقام المناقشة في
الاستدلال بقاعدة نفي الضرر هنا- أنّ قاعدة نفي الضرر لا تكون مدركاً في شيء من الخيارات، على أنّه لو كان هو المدرك هنا لكان
إثبات الأرش به مشكلًا، وإلّا فلازم ذلك أن يثبت الأرش في كلّ مورد كان نفي الضرر دليلًا للخيار كما هو واضح، ومن المعلوم أنّه لم يلتزم به أحد في غير خيار العيب.
الثاني:
إلقاء الخصوصيّة للمبيع، وهذا الدليل ذكر بعدّة بيانات وتقريرات:
۱- ما أفاده الشيخ الأنصاري من أنّ التقييد في الأخبار بالمبيع محمول على الغالب، من كون الثمن نقداً غالباً والمثمن متاعاً فيكثر فيه العيب، بخلاف النقد.
لكن أورد عليه بأنّ
احتمال ورود التقييد مورد الغالب إنّما يجدي مع وجود
إطلاق يعمّ الثمن والمثمن، وليس مثله موجوداً في الأخبار.
۲- ما أفاده
السيد اليزدي من «قوّة احتمال كون المبيع في الأخبار من باب المثال، سيّما بملاحظة المناط، فإنّه وإن لم يكن معلوماً إلّا أنّه يكفي كونه مظنوناً، لا لأنّ الظنّ حجّة، بل لأنّه قد يكون الظنّ بالمناط قرينة عرفيّة على المراد من اللفظ كما هو كذلك في المقام، فإنّه قرينة على كون المبيع كناية عن العوض في البيع سواءً المبيع والثمن...».
۳- ما ذكره السيد الخميني من «أن يقال: إنّه بعد ثبوت
الإجماع أو الشهرة المعتمدة في المثمن يلقي العرف- بسبب المناسبات والارتكازات المغروسة في ذهنهم- الخصوصيّة، ويرى أنّ ثبوت الحكم إنّما هو لأجل العيب وملاحظة حال من انتقل إليه المعيب؛ لئلّا يقع في الضرر، ولا فرق بينهما».
ولعلّ أمره بالتأمّل لأنّ هذا غاية ما يثبته جواز الردّ أو الأرش مع عدم إمكان الردّ، وهو غير المدّعى بل قال قبل ذلك: إنّ أصل ثبوت الخيار ومع التصرّف أو التعذّر الأرش عقلائي، من غير فرق بين الثمن والمثمن، وهذا الحكم العقلائي غير المردوع معتمد، ومعنى ذلك أنّه لا كلام في هذه الصورة، وإنّما الكلام في ثبوته من الأوّل في عرض الردّ، وهذا ما يحتاج إلى دليل من الروايات أو إجماع.
الوجه الثالث: دعوى قيام الإجماع على ذلك.ولكن نوقش فيه بأنّه غير معلوم،
بل لا تعرّض في الفتاوى غالباً للعيب في الثمن، وعدم معلوميّة القائل بالفصل لا يوجب شيئاً،
وأضاف
السيد الخوئي أنّه- على فرض تحقّقه- نحتمل أن يكون مدركه الوجوه المذكورة.
بقي التنبيه على حكم ما إذا كانت المعاوضة بين السلعتين، فإنّ لازم التقييد بالمبيع في الروايات وأكثر الفتاوى أيضاً عدم ثبوت التخيير بين الردّ والأرش فيما إذا ظهر العيب في أحدهما.لكن من الواضح أنّ ثبوت الأرش هنا أولى من ثبوته في الثمن إذا كان نقوداً، ولذا يظهر من الجواهر المفروغيّة منه حيث قال: «لو كان العيب في الثمن وكان عروضاً استحقّ البائع على المشتري قيمة نسبة التفاوت من المبيع، فمع فرض كون التفاوت النصف استحقّ عليه قيمة نصف المبيع، وقد يحتمل أنّه يستحقّ عليه تفاوت ما بين الصحّة والعيب، ولا جمع هنا بين العوض والمعوّض عنه بحال...فالأولى ملاحظة النسبة في كلّ منهما»
وقال
السيد الخميني : «
الإنصاف أنّثبوت أصل الخيار للمتبايعين- فيما إذا كان البيع بالمبادلة بين السلعتين- لا ينبغي
الإشكال فيه؛ ضرورة عدم الفرق في نظر العرف بين السلعتين في ذلك إذا انشئ البيع بصيغة التبادل، بل يمكن دعوى ثبوته بالأخبار
أيضاً، فإنّ البائع والمشتري صادق على الطرفين في مثل ذلك أيضاً، وتوهّم كون المبادلة غير البيع فاسد جدّاً، فإنّ البيع هو مبادلة مال بمال أو تمليك عين بالعوض، وهما صادقان على
المبادلة بين السلعتين، ومع صدق البيع يكون هنا بائع ومشتري، ودعوى الانصراف في غير محلّها، فإنّه بدوي، بل دعوى إلقاء الخصوصيّة أولى، ومن ذلك يمكن دعوى عدم الفرق في معاقد الإجماع، وكذا في متون الفقه، فيثبت التخيير المذكور».
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۴۱-۴۴.