حق الفسخ لثبوت أحد الخيارات في الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في ثبوت حق
الفسخ لأحد المتعاقدين إذا كان له أحد
الخيارات المعروفة في البيوع والمعاوضات. وقد وقع البحث في جريان بعض تلك الخيارات في
الإجارة ، والمعروف أنّ كلّ خيار يكون ثابتاً في سائر المعاوضات بدليل عام من قبيل
السيرة والارتكاز أو الاشتراط الضمني أو الشرط أو
قاعدة لا ضرر ، فهو ثابت في الإجارة أيضاً نحو خيار الغبن أو
التدليس أو تخلّف الشرط.
وأمّا إذا كان ثابتاً في عقد خاص فلا يثبت في الإجارة؛ فلا بد إذاً من النظر في أنواع الخيارات.
اتفق الفقهاء على عدم جريان
خيار المجلس في الإجارة،
وقد ادعى صاحب الجواهر
الإجماع صريحاً أو ظاهراً على عدم جريان خيار المجلس في غير
البيع .
نظراً إلى ثبوته في البيع بعنوانه بدليل خاص به، فلا يجري في عقد الإجارة.
وأمّا ثبوت خيار المجلس في
الإجارة بالشرط فقد اختلف فيه على قولين:
۱- جواز اشتراطه فيها كما اختاره الشيخ في
المبسوط ،
وظاهره في
الخلاف دعوى الإجماع عليه، حيث قال «وعندنا لا يمتنع ذلك إذا شرط»،
وذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم».
۲- نسب إلى المشهور
اختصاص خيار المجلس بالبيع وعدم جريانه في غيره،
نظراً إلى اختصاص أمثال هذا الخيار بخصوصية بحيث لو اريد إثباته بحدّه لم يكن قابلًا للثبوت بالشرط؛ لأنّه شرط مجهول؛ إذ المجلس يختلف زيادة ونقصاناً، ولا يقدح ذلك في البيع؛ لثبوته فيه بالنص، نعم يصحّ شرط ذلك لو ضبطه بمدّة لكنه يخرج عن خيار المجلس بحدّه، ويكون مرجعه إلى شرط الخيار المعيّن بحدٍّ لا إلى خيار المجلس؛ إذ خيار المجلس معيّن بالافتراق غير محدود بزمان معيّن.
إلّا أنّ هذا مبني على أن تكون
الجهالة في الشرط موجبة لفساده، وهو محل الخلاف بين الفقهاء ومشهور المتأخّرين عدم فساده بذلك ما لم يوجب غررية العقد نفسه.
لا يختلف البحث في جريان
خيار الحيوان في الإجارة عن خيار المجلس فيها، فلا يدخل خيار الحيوان في الإجارة بعنوانه؛
لخصوصية فيه، وهي أنّه لو تلف الحيوان انفسخ البيع، وإن حدث فيه حدث في الثلاثة كان في عهدة البائع مع أنّه كان في ملك المشتري.
أمّا لو شرط خيار ثلاثة أيّام فقط فهو شرط الخيار الذي لا اختصاص له بالحيوان ولا بالمشتري، وإن اشترط ذلك الخيار الخاص بحكم خاص فإنّ مثله لا يقبل الاشتراط هنا؛ إذ لو تلف المبيع- الذي هو ملك المشتري- فالقاعدة تقتضي أن يكون
التلف منه، ولكنه مع ذلك يختص التلف في الثلاثة أيّام بكونه من البائع
بانفساخ العقد. وأمّا في المقام فالعين ملك المؤجر، ويكون التلف منه لا محالة.
نعم، تبطل الإجارة بذلك لما تقدم من انكشاف عدم المنفعة واقعاً.
قد يستظهر من النص والفتوى اختصاص هذا الخيار بالبيع والبائع،
بمعنى أنّ المشتري إذا أخّر تسليم الثمن إلى ما بعد ثلاثة أيّام فلم يسلّمه إلى البائع ولم يكن قد اشترط التأخير فإنّ للبائع حق الفسخ، وعليه فإنّ مورد جريان هذا الخيار هو البيع دون الإجارة كما صرّح بذلك بعض الفقهاء.
وأمّا الخيار الثابت لمطلق
التأخير في التسليم فقد ذكر بعض الفقهاء بأنّ مقتضى القاعدة جريانه في كافّة عقود المعاوضة، نظراً إلى أنّ التأخير في تسليم العوض عن الوقت المتعارف تسليمه فيه، ولمّا كان تخلّفاً عن الشرط الضمني الارتكازي المبني عليه العقد العقلائي فلا محالة يثبت به خيار تخلّف الشرط، فالخيار بهذا المقدار ثابت في كافة المعاوضات ومنها الإجارة بمقتضى القاعدة.
وهو بمعنى اشتراط حق الفسخ إلى مدّة معلومة، وقد اتفق
الفقهاء
على جواز اشتراطه لكلٍّ من المتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي في عقد الإجارة سواء كانت العين معيّنة أو في الذمة،
خلافاً لبعض فقهاء العامة
حيث لم يجوّزه في المعيّنة.
وقد استدلّ له بأدلّة وجوب الوفاء بالشروط وصحتها إذا وقعت ضمن العقود مع عدم مانع في البين.
المشهور
بين الفقهاء دخول
خيار الرؤية في الإجارة،
والمراد منه ظهور العين المستأجرة على خلاف ما وصف قبل الرؤية، وحينئذٍ يكون المستأجر بالخيار بين فسخ الإجارة وابقائها إن كانت العين المستأجرة معيّنة، وله المطالبة بالبدل إن كانت كلّية، كما أنّ له أن يرضى بها عوضاً عن حقّه.
وكيف كان، فالمستند في جريان الخيار المزبور في الإجارة ما تقدم من أنّ دليله هو تخلّف الشرط الضمني أو الارتكازي أو الضرر، وهذا كما يجري في البيع يجري في غيره أيضاً.
•
خيار العيب ، قد يثبت خيار العيب
للموجر أو المستأجر في جملة من الموارد، هي كالتالي.
صرّح الفقهاء بدخول خيار
تبعض الصفقة في الإجارة كالبيع،
إلّا أنّ الإجارة تختص بأنّ للمستأجر الخيار في فسخ كلّ الإجارة إذا تبيّن تلف بعض العين المستأجرة ابتداءً، أمّا إذا استوفى بعض المنافع ثمّ تلفت العين، فالمشهور انّه ليس له حق الفسخ بالنسبة إلى ما استوفاه من المنافع.
ولكن تقدم أنّه يكون من تبعّض الصفقة على المستأجر بلحاظ المنفعة، فإذا قيل بثبوت خيار التبعّض في الإجارة على القاعدة كان للمستأجر حق الفسخ واسترداد الاجرة المسمّاة ودفع اجرة المثل للمدة السابقة.
لو أفلس المستأجر ولم يتمكّن من دفع الاجرة، وتعذّر على المؤجر استيفاء الحق منه كان له الخيار إن شاء فسخ العقد وإن شاء شارك الغرماء.
والظاهر عدم نقل الخلاف من أحد في الحاق المقام بالبيع؛ لعدم خصوصية للبيع وإن كان مورداً لجملة من الأخبار. بل يمكن أن يقال باستفادة الحكم المزبور من نفس تلك الأخبار نحو صحيح
عمر بن يزيد عن
أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه؟ قال: «لا يحاصّه الغرماء»،
بلحاظ شمول المتاع لما يكون عنده سواء كان ذلك بعنوان البيع أو الاجارة.
هذا كله لو قلنا بأنّ
خيار التفليس على خلاف القاعدة، أمّا لو قلنا به على أساس تخلّف شرط تسليم العوض- ولو في وقته إذا كان مؤجلًا- فهو شرط ضمني يصح في جميع المعاوضات ومنها الإجارة، فإذا لم يسلّم الاجرة كان له حق الفسخ والرجوع بالمعوّض.
إن كان المستند في هذا الخيار هو النص الوارد فيه، فحاله حال ما تقدم في خيار المجلس والحيوان من لزوم الاقتصار على مورده وعدم التعدّي إلى الإجارة، فلا خيار فيما لو جعل الاجرة عيناً شخصية تفسد ليومها.
أمّا إذا كان المستند فيه دليل نفي الضرر فانّه يجري في الإجارة أيضاً، بناءً على القول بعدم اختصاص قاعدة التلف قبل
القبض بالبيع. وحينئذٍ فلو استأجر الدابة بشيء يفسد عادة لو بقي كالعنب مثلًا فبقي عنده ولم يأتي المؤجر ليتسلّمه ثبت له الخيار كما في البيع بمناط واحد؛ لكون تلفها- حسب الفرض- على المستأجر، وأنّ هذا الضرر قد نشأ من لزوم العقد، فيرتفع بدليل نفي الضرر.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۷۱-۳۸۱.