دية العينين والأجفان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وفي العينين
الدية، وفي كل واحدة نصف الدية؛ وفي الأجفان الدية؛ قال في
المسبوط وفي كل واحد ربع الدية؛ وفي
الخلاف في الأعلى الثلثان وفي الأسفل الثلث وفي
النهاية في الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل النصف. وعليه الأكثر؛ وفي عين الأعور الصحيحة الدية الكاملة إذا كان العور خلقة أو ذهبت بشئ من قبل الله؛ وفي خسف العوراء روايتان، أشهرهما ثلث الدية.
وفي العينين الدية كاملة وفي كل واحدة نصف الدية بإجماع الأُمة، كما في صريح
المسالك وظاهر
الغنية، وادّعى
الإجماع المطلق جماعة
، وهو الحجّة.
مضافاً إلى
السنّة المستفيضة بل المتواترة عموماً فيما كان منه في الجسد اثنين، وخصوصاً في العينين، ففي
الصحيح: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما دية، وفي إحداهما نصف الدية، وما كان واحد ففيه الدية»
.
والصحيح: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف
الدية مثل اليدين والعينين» قال: قلت: رجل فقئت عينه، قال: «نصف الدية»
الحديث.
وإطلاق
النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون العين صحيحةً، أو حولاء، أو عمشاء ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها، أو جاحظة عظيمة المُقلة، أو جهراء لا تبصر في الشمس، أو رمداء، أو غيرها، وبذلك صرّح جماعة
، قالوا: أمّا لو كان عليها بياض فإن بقي معه البصر تامّاً فكذلك، ولو نقص نقص من الدية بحسابه، ويرجع فيه إلى رأي الحاكم.
وفي الأجفان الأربعة الدية كاملة، بلا خلاف كما في ظاهر
الشرائع وصريح
الصيمري في شرحه وعن
التحرير.
واختلفوا في كيفية التقسيط فقال
العماني والشيخ في
المبسوط ربع الدية في كل واحد وتبعهما من المتأخّرين جماعة
؛ للصحيحين المتقدمين القائلين: إنّ كل ما كان في الإنسان منه اثنان فيه الدية وفي أحدهما نصف الدية، وفي الدلالة مناقشة؛ لأنّ الأجفان ليست ممّا في الإنسان منه اثنان إلاّ بتكلّف أنّ جفن
كل عين كواحدة، وهو مجرّد عناية.
قيل: مع أنّ أوّلهما مقطوع، والظن بكونه موصولاً إلى
الإمام غير كافٍ في الاعتماد عليه
.
وفيه نظر، فإنّ القطع فيه إنّما هو في التهذيب، وإلاّ ففي الفقيه مسند عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام)، فالأولى في الجواب الاقتصار على ضعف الدلالة وزيادة عدم المقاومة لما سيأتي من الأدلّة.
وقال في
الخلاف في
الجفن الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل الثلث مدّعياً عليه الإجماع والأخبار، وتبعه
الحلّي؛ لشبهة الإجماع، ونسبه في
المبسوط إلى رواية الأصحاب.
ولم نرها، والإجماع معارض بمثله، بل وأجود كما يأتي، مع وهنه هنا جدّاً، سيّما مع مخالفة الناقل لنفسه في موضع آخر من الخلاف على ما نقله عنه
الماتن في
الشرائع وشيخنا في شرحه
وقال فيه بما قاله في
النهاية من أنّ في الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل النصف، وعليه الأكثر كما في كلام جمع
، بل الشهرة كما في كلام آخرين
، وعليه الإجماع في الغنية
، وهو
الحجة.
مضافاً إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده أو ضعفه
بالشهرة الظاهرة والمحكية حدّ الاستفاضة، والإجماع الذي عرفته، وفيه: «إن أُصيب شفر العين الأعلى فَشَتَرَ
فديته ثلث دية العين مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، وإن أُصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً.. فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك» الحديث
.
قيل: وكذا روي عن
الرضا (علیهالسّلام)، وهو الأظهر، وعليه فينقص من دية المجموع سدس الدية، وربما كان فيه منافاة لما مرّ من نفي الخلاف عن ثبوت الدية كملاً في الأجفان الأربعة، إلاّ أن يذبّ عنه بما حكاه عن بعضٍ جماعة
: من أنّ هذا النقص إنّما هو على تقدير كون الجناية من اثنين أو من واحد بعد دفع أرش الجناية الأُولى، وإلاّ فالواجب دية كاملة إجماعاً.
وفي
الروضة بعد نقله عنه قال: وهذا هو الظاهر من الرواية، لكن
فتوى الأصحاب مطلقة
. ولنعم ما قاله.
ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتى الأعمى؛ للإطلاق.
ولا تتداخل دية الأجفان مع العينين لو قلعهما معاً، بل يجب عليه ديتان، بلا خلاف؛
لأصالة عدم التداخل.
وفي عين الأعور الصحيحة الدية دية النفس كاملة بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية والمختلف
والتنقيح ونكت الإرشاد، وغيرها من كتب الجماعة
، وهو الحجة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة، منها زيادةً على ما مرّ في كتاب
القصاص في القسم الثاني منه في
قصاص الأطراف الصحيح وغيره: في عين الأعور الدية كاملة
.
ومرّ ثمّة وجه الحكمة في هذا الحكم، وهو كون الجناية فيها في المنفعة التي هي الإبصار دون الجارحة.
ومقتضاه تقييد الحكم بما إذا كان العور خلقةً، أو ذهبت العين الفاسدة بشيء من قبل الله تعالى، أو من غيره حيث لا يستحق عليه أرشاً كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون، فلو استحق ديتها وإن لم يأخذها أو ذهبت في قصاص فنصف دية النفس ديتها كاملة؛ للأصل العامّ، وعدم معلومية انصراف
إطلاق النصوص إلى محل البحث.
مضافاً إلى عدم الخلاف في أصل التقييد، وإن اختلفوا فيما يستحقه في محل الفرض هل هو النصف، أو الثلث؟ والمشهور الأوّل، بل عليه الإجماع في كلام جمع ومنهم
ابن زهرة، وهو الأصحّ؛ عملاً بما مرّ من الأصل المجمع عليه نصّاً وفتوى من أنّ في إحدى العينين نصف الدية مطلقا، خرج منه عين الأعور بآفة أو خلقة بما تقدم، فيبقى ما نحن فيه تحته مندرجاً، مع أنّه لا خلاف فيه إلاّ من الحلّي
، حيث حكم بالثاني، وهو شاذّ، بل على خلافه الإجماع في
المختلف والتنقيح وغيرهما
، وحكما كسائر المتأخرين بأنّ ذلك منه وهم، وبيّنوا وجهه بما لا طائل مهمّاً في ذكره.
وفي خسف العين العوراء أي الفاسدة روايتان وقولان أشهرهما على الظاهر، المصرّح به في كلام جماعة
حدّ الاستفاضة، الصحيح: إنّ «في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي الحرّ وأُنثييه ثلث الدية
» أي ديتها حال كونها صحيحة، كما صرّح به جماعة
، وادعّى عليه الإجماع في الغنية
.
وفي الثانية: أنّ فيه ربع الدية
، وعمل بها
المفيد والديلمي مطلقا، والحلبي وابن زهرة
فيما إذا كان الجناية عليها بإذهاب سوادها أو طبقها بعد أن كانت مفتوحة، وادّعى الأخير فيه إجماع
الإمامية، فإن تمّ، وإلاّ فالرواية مع أنّها مطلقة ضعيفة وإن تعدّدت، فلا تكافئ السابقة مع صحتها وشهرتها، وشذوذ هذه وندرتها، بل في
الشرائع أنّها متروكة.
ولا فرق هنا بين كون العور خلقةً، أو بآفة من الله تعالى، أو جناية جانٍ استحق عليه ديتها، بلا خلاف، إلاّ من الحلّي
، ففرّق وحكم بتمام ديتها خمسمائة دينار فيما عدا الأخير، وبثلثها فيه، نافياً الخلاف عن الأوّل.
وهو غريب، ولذا خطّأه المتأخّرون ونسبوه إلى الوهم كالسابق، قالوا: وسبب خطائه سوء فهمه لكلام الشيخ.
أقول: وربما يشير إلى فرقه الصحيح: عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: «إن كان ولدته امّه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، وكذلك
القضاء في العينين والجوارح، هكذا وجدناه في كتاب
علي (علیهالسّلام)»
.
لكنّه صرّح في العور خلقةً بثلث الدية، ولم يقل به، نعم لفظ «الثلث» ساقط في
الفقيه، وإنّما هو في نسخة
الكافي والتهذيب، فيحتمل كونه شاهداً له بالنسخة الأخيرة، لكن ليس فيها قوله: «وكذلك القضاء» الذي هو محل الاستدلال، فلا شاهد فيه لما ذكره، ومجرّد دلالته على الفرق بين الصورتين في الجملة غير نافع له مع مخالفته لما حكم به من تمام الدية، مع أنّه من الآحاد التي ليست عنده بحجة.
ومن هنا ظهر شذوذ هذه الصحيحة، وعدم ظهور قائل بها بالمرّة، كما صرّح به بعض الأجلّة
.
فالعجب من
شيخنا في المسالك
والروضة وغيره
كيف استدلّوا بها للمختار مضافاً إلى الصحيحة السابقة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۴۳۰-۴۳۶.