شرائط الحالف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويعتبر فيه
البلوغ والتكليف والاختيار والقصد: فلو حلف عن غير نية كانت لغوا، ولو كان اللفظ صريحا، ولا يمين للسكران ولا المكره ولا الغضبان إلا أن يكون لاحدهم
قصد إلى
اليمين؛ وتصح اليمين من الكافر، وفي
الخلاف لا يصح، ولا ينعقد يمين مع الولد الا باذنه؛ ولو بادر كان للوالد حلها ان لم تكن في
واجب أو ترك
محرم؛ وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه.
واعلم أنّه يعتبر فيه
التكليف بالبلوغ والعقل والاختيار والقصد إلى مدلول اليمين، بلا خلاف في شيء من ذلك، بل على الأخير
الإجماع في ظاهر
الغنية والدروس وغيرهما
؛ وهو الحجة فيه بعد
الآية الكريمة: «لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الأيمان»
.
فإن مقتضى المقابلة أن اللغو من الأيمان ما وقع بغير قصد ونية، مضافاً إلى وقوع التصريح به في بعض المعتبرة الواردة في تفسيرها، وقد مرّ في صدر الكتاب إليه الإشارة.
والسند في اعتبار ما عداه بعد عدم الخلاف فيه الظاهر، بل
الإجماع المقطوع به حديثا رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق
، ورفع عن أُمتي تسعة، وعدّ منها ما استكرهوا عليه
، مضافاً إلى الخبرين الآتيين.
ويتفرع على ذلك أنه لو حلف صبي أو مجنون أو بالغ عاقل من غير نيّة كانت يمينهم لغواً ولو كان اللفظ صريحاً. نبّه بهذا على خلاف بعض
العامة، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح، وإن لم يقصد، وأنّه إنّما يتوقف على
القصد ما ليس بصريح كالكناية
.
ذكر
الماتن في
الشرائع قبول قوله في دعوى عدم القصد إلى اليمين ولو من اللفظ الصريح
. وارتضاه غيره؛ معلّلاً بأن القصد من الأُمور الباطنة التي لا يطلّع عليها غيره، فوجب الرجوع إليه. وبجريان العادة كثيراً بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد. بخلاف
الطلاق ونحوه فإنّه لا يصدّق؛ لتعلق حقّ الآدمي به، وعدم اعتياد عدم القصد فيه، فدعواه عدمه خلاف الظاهر
. وهو
حسن.
ولو فرض اقتران اليمين بما يدل على قصده ففي قبول دعواه وعدمه وجهان: من مخالفته الظاهر، ومن عموم العلّة الأُولى. ولعلّ هذا أوجه، إلاّ أن يكون المقارن ما يدل على قصده قطعاً.
ولا يمين منعقدة توجب الحنث والكفارة للسكران ولا المكره ولا الغضبان، إلاّ أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين الصادرة عنه فتنعقد معه بلا اشكال فيه، وفي العدم مع العدم؛ لما تقدّم، مضافاً إلى صريح الخبرين: «لا يمين في
غضب، ولا في قطيعة رحم، ولا في
جبر، ولا في إكراه»
.
وفسر فيهما الجبر بما كان من جهة السلطان، والإكراه بما كان من الزوجة
والأُمّ والأب.
وتصحّ اليمين من الكافر مطلقاً، وفاقاً للأكثر ومنهم
الشيخ في
المبسوط، بل الخلاف أيضاً كما يأتي. قيل: لإطلاق
الكتاب والسنة والصحيحين.
في أحدهما: عن أهل الملل يستحلفون، قال: «لا تحلفوهم إلاّ بالله عزّ وجلّ»
.
وفي الثاني: «لا تحلفوا اليهودي، ولا النصراني، ولا المجوسي إلاّ بالله تعالى»
.
وفي الجميع نظر؛ لعدم
إطلاق يشمل مفروض المسألة، لاختصاصه في الكتاب وبعض السنة بمقتضى قاعدة خطاب المشافهة بحاضري مجلسه، والمتيقن منهم المسلمون خاصة، والتعدية إلى غيرهم ومنهم الكفار مطلقاً تحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة، إذ ليست إلاّ
الإجماع، وهو مفقود في محل النزاع.
وأما إطلاقات باقي السنة فغير نافعة أيضاً؛ لورودها لبيان حكم آخر غير حكم المسألة، ولا اعتداد بمثلها فيها كما مرّ غير مرّة.
وأما الصحيحان فليسا من مفروض المسألة، لكونه اليمين على المستقبل الموجب مخالفتها للحنث والكفارة، ولا كذلك موردهما، لتعلّقه باستحلافهم في مقام الدعوى، وهو غير
الحلف الذي قدّمنا.
نعم، يمكن الاستدلال بهما بالفحوى؛ فإنّ انعقاد حلفهم في الدعاوي المتضمّنة للفروج والأموال يستلزم انعقاده هنا بطريق أولى، هذا.
مع إمكان أن يكون الاستناد إليهما دفعاً لما سيذكر لعدم الانعقاد: من عدم معرفته بالله تعالى، بناءً على أن صحّة التعليل تقتضي عدم الانعقاد مطلقاً ولو في الدعاوي، والحال أن الصحيحين قد دلاّ على الانعقاد فيها، فدلاّ على فساد التعليل جدّاً.
وذكر الشيخ في
الخلاف أنه لا تصحّ
لما مضى؛ وللأصل السليم عن المعارض، بناءً على ما قدّمناه من عدم إطلاق أو عموم يدل على الانعقاد هنا؛ ولحديث: «
الإسلام يجبّ ما قبله»
.
ويضعّف الأولان بما مضى. والثالث بأنّ الجبّ هو قطع ما ثبت وجوبه
كالصلاة الواجبة عليهم ونحوها، وهو غير منعه عن الثبوت في حال
الكفر، فلعلّ اليمين تنعقد عليهم حال كفرهم، بحيث توجب مخالفتها عليهم
الحنث والكفارة، وإسلامهم بعدُ يجبّ ما وَجَب عليهم قبله بالمخالفة من
الكفارة، هذا.
ويضعف الأوّل زائداً على ما مرّ بأنه أخصّ من المدّعى؛ لاختصاصه بمن لا معرفة له بالله تعالى دون من يعرفه، فلا بُدّ من التفصيل بينهما بالانعقاد في الثاني دون الأوّل، كما في
المختلف والتنقيح والمسالك وشرح الكتاب للسيّد، وعليه كثير ممن تبعهما
.
وهو قوي جدّاً؛ للأصل، واختصاص الصحيحين المجوزين اللذين هما الأصل في الجواز بالثاني، وضعف الإطلاقات بما مضى، مع ضعفها في الشمول لغير المقرّ بأن مواردها الحلف بالله، وحلف المنكر له به لا يعدّ حلفاً جدّاً، بل يكون في حلفه به على معتقده لاغياً، هذا.
ويظهر من الخلاف التردد فيما ذكره أولاً، والرجوع إلى ما عليه الأكثر؛ للعمومات. وفيها ما مرّ من المناقشات.
وكيف كان، يحصل من رجوعه الاتفاق على الجواز في الجملة، وهو
حجة أُخرى له مستقلة، إلاّ أن المحكي عن
الحلّي المخالفة، والمصير إلى القول الثاني
. ولعلّه لا عبرة به؛ لمعلومية نسبه مع حصول ما يقرب من القطع بالإجماع من اتفاق غيره.
وفائدة الصحة بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة، وفي
العقاب على متعلّقها لو مات على كفره ولمّا يفعله.
لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام؛ لأنّها تسقط عنه به بلا خلاف يظهر إلاّ من
السيّد في
الشرح، فتأمل فيه. ولا وجه له بعد دلالة الخبر المتقدم المعتضد بالعمل.
مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في
المهذب، وفحوى ما دلّ عليه الإجماع من سقوط
قضاء نحو الصلاة، فسقوط الكفارة التي هي أدنى منها أولى.
ولا تنعقد انعقاداً تاماً يمين الولد مع الوالد إلاّ بإذنه. ولو بادر إليها قبله كان للوالد حلّها إن لم يكن يمينه في فعل
واجب أو ترك
محرم. وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه بلا خلاف في شيء من ذلك في الجملة، بل عليه الإجماع في
الغنية؛ للمعتبرين:
أحدهما الصحيح: «لا يمين لولد مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا المملوك مع سيّده»
.
ومقتضاها كصدر العبارة هنا وفي الشرائع
عدم الصحة بدون
الإذن؛ لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية حيث يكون إرادته على الحقيقة ممتنعة.
مضافاً إلى شهادة السياق في الصحيح بذلك، حيث زيد فيه: «ولا
نذر في
معصية، ولا يمين في قطيعة رحم» فإنّ النفي فيهما راجع إلى الصحة إجماعاً، فليكن النفي المتقدم عليهما كذلك أيضاً.
وبه أفتى
الفاضل في
الإرشاد، وشيخنا في
المسالك، وجملة من تبعه
. لذلك، ولأن اليمين
إيقاع فلا يقع موقوفاً.
خلافاً لذيل العبارة هنا وفي الشرائع والدروس
، فجعلوا اليمين بدونه صحيحة والنهي عنها مانعاً، ونسبه في المسالك
والمفاتيح إلى المشهور، واحتجّ له كالتنقيح
بالعمومات الدالّة على وجوب الوفاء باليمين.
ويضعف: باختصاصها إجماعاً بالأيمان الصحيحة، وكون
اليمين في المسألة منها أوّل الكلام، ودعواه مصادرة. وعلى تقدير تسليمها نخصّصها بالمعتبرين الظاهرين في نفي الصحة مفهوماً وسياقاً.
وطرحهما والاقتصار في التخصيص على المتيقن منه بالإجماع، وهو صورة المنع لا عدم الإذن، لا وجه له أصلاً إلاّ على تقدير عدم العمل بالأخبار الآحاد، أو عدم تخصيص العمومات القطعية بها، أو قصور الخبرين بضعف ثانيهما، ووجود إبراهيم بن هاشم في سند أوّلهما، ولم يصرّح بتوثيقه بل حسن، وليس بحجة.
ويضعف الجميع: بحجية الآحاد المعتبرة الإسناد، وجواز تخصيص القطعيات بها، كما برهن في محلّهما، ووثاقة إبراهيم على الرأي الصحيح، مع أنّ الخبر الذي هو حسن به مروي في الفقيه في الصحيح.
وبالجملة فلا ريب في ضعف هذا القول، وإن كان للأكثر.
ونحوه في الضعف استثناء اليمين على فعل الواجب وترك المحرم كما هنا، وفي الشرائع والإرشاد
؛ لإطلاق
النص وعدم دليل على إخراج هذا الفرد. وتعيّن الفعل عليه وجوداً وعدماً لا يقتضي ترتّب آثار انعقاد
الحلف عليه حتى ترتب الكفارة على الحنث.
وبما ذكرنا صرّح السيّد في شرحه،
وصاحب الكفاية. ويمكن أن يوجه كلام الجماعة بما لا ينافي ما ذكرناه بأن يراد من الإحلال جواز الأمر بترك ما حلف على فعله، أو فعل ما حلف على تركه. ونفي جواز الإحلال بهذا المعنى لا ينافي عدم انعقاد اليمين أصلاً.
وربما يشير إلى إرادة هذا المعنى عبارة الدروس الموافقة للعبارة في الاستثناء، حيث قال في كتاب
النذر والعهد: وللزوج حلّ نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب وترك المحرم حتى في
الجزاء عليهما، وكذا السيد لعبده، والوالد لولده على الظاهر. فتدبر
.
ثمّ إنّ مقتضى
الأصل الدالّ على لزوم الوفاء باليمين، واختصاص النص والفتاوى بعدم الصحة والتوقف على الإذن، بالوالد عدم التعدية إلى الوالدة.
وفي شمول الحكم للجدّ إشكال: من عدم تبادره من إطلاق الوالد، ومن إطلاقه عليه كثيراً، واشتراكهما في الأحكام غالباً.
والأحوط الأوّل، وإن كان الثاني لعلّه لا يخلو عن قرب. وجزم به
شيخنا في الدروس
.
وأما الزوجة فينبغي القطع باختصاص الحكم فيها
بالدائم، دون
المتعة؛ لعدم تبادرها منها عند الإطلاق، مضافاً إلى قوة احتمال كون صدقها عليها على سبيل
المجاز دون
الحقيقة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۳، ص۱۸۰-۱۸۷.