شرائط القرض وصيغته
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ويجب
الاقتصار على) أخذ (العوض) مثلاً أو قيمة، من دون زيادة، عيناً كانت أو صفة، ربوية كانت العين المستقرضة أم غيرها، إجماعاً، كما في
المختلف والمسالك وغيرهما،
بل حكى في العينيّة بعض الأجلّة
إجماع المسلمين كافّة؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى أدلّة عموم تحريم
الربا والزيادة من الكتاب
والسنّة،
وهي كإطلاق العبارة وإن عمّت صورتي اشتراطها وعدمها إلاّ أنّها مخصّصة بالصورة الأُولى خاصّة، بلا خلاف، كما في
المسالك وغيره؛
وهو الحجة المخصّصة؛ مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الآتية.
(و) حينئذٍ (لو شرط النفع ولو بزيادة الوصف) كالصحاح عوض المكسّرة (حرم) بلا خلاف فيما عدا المثال إلاّ نادراً؛ لعموم ما مرّ، مضافاً إلى عموم النهي عن قرض يجرّ نفعاً في النبوي العامي،
وخصوص المعتبرة، منها الصحيح : «من أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلاّ مثلها، فإن جوزي بأفضل منها فليقبل، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة».
والصحيح : عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً فقضاها مائة وزناً، قال : «لا بأس ما لم يشترط» قال : وقال : «جاء الربا من قبل الشروط، إنّما تفسده الشروط».
وأصرح منهما الخبر المروي عن
قرب الإسناد : عن رجل أعطى رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر، قال : «هذا الربا المحض».
وعلى التحريم المستفاد من هذه الأدلّة يحمل عموم البأس في الزيادة مطلقاً، أو مع الشرط خاصّة، المستفاد من مفاهيم الأخبار الآتية، فإنّ أخبارهم : بعضها يكشف عن بعض.
وكذا في المثال، على الأظهر الأشهر، سيّما بين من تأخّر؛ لعموم النبوي المتقدّم، المنجبر بفتاويهم. ولا ينافيه التخصيص بصورة
الاشتراط ؛ فإنّ العام المخصّص حجة في الباقي؛ مضافاً إلى
إطلاق المعتبرة المتقدّمة، بل عمومها الشامل لمفروض المسألة.مضافاً إلى خصوص الصحيح : «إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط».
والبأس وإن كان أعمّ من الحرمة إلاّ أنه محمول عليها بما تقدّم إليه
الإشارة من الضميمة.
خلافاً للحلبي والنهاية وجماعة،
فجوّزوا الزيادة فيه مطلقاً ولو مع الشرط، وزاد الأوّل ما شابه المثال، فجوّز زيادة مطلق الأوصاف مطلقاً؛
استناداً إلى الصحيح : عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة ويأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه، قال : «لا بأس»
الدرهم الغلّة : المغشوش والطازجية : البيض الجيّدة..
وليس فيه دلالة؛ فإنّ ظاهره
إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط، ولا خلاف فيه، كما في الروضة، بل عليه الإجماع في المختلف والغنية،
وبه أفتى الأصحاب كافّة، وتبعهم الماتن فقال :
(نعم لو تبرّع المقترض بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم) إجماعاً، كما في الكتب الثلاثة، والصحاح وغيرها بذلك مستفيضة، منها زيادة على الصحيحين المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة الصحيح : عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنها أثقل مما أخذ، وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال : «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط، ولو وهبها له كلاًّ كان أصلح».
والصحيح : عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إمّا خادماً وإمّا آنية وإمّا ثياباً، فيحتاج إلى شيء من منفعته، فيستأذنه فيه فيأذن له، قال : «إذا طابت نفسه فلا بأس» فقلت : إنّ مَن عندنا يرون -في المصادر : يروون. أنّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد، قال : «أو ليس خير
القرض ما جرّ منفعة».
ونحوه في الحكم بأنّ خير القرض ما جرّ منفعة خبران
معتبرا السند، في أحدهما صفوان وابن بكير، وفي الثاني ابن أبي عمير، وهؤلاء حكي على تصحيح ما يصحّ عنهم إجماع العصابة. ويستفاد منها كنفي البأس فيها وفي غيرها ممّا مضى وغيره أنّه لا يكره أيضاً.
مضافاً إلى ما روي في العامي من أنّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقترض بكراً فردّ بازلاً رباعيا وقال : «إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً».
ونحوه في الخاصي أيضاً، وهو الموثّق كالصحيح : «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكون عليه الثنيّ فيعطي الرباع».
وفي الصحيح : عن الرجل يستقرض من الرجل الدرهم فيرد عليه المثقال، أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدرهم، فقال : «إذا لم يكن شرط فلا بأس، وذلك هو الفضل، إنّ أبي كان يستقرض الدراهم الفُسولة -الدراهم الفُسُولة : أي الرذلة.
فيدخل عليه الدراهم الجلال - في التهذيب والفقيه : الجياد. فيقول : يا بنيّ، ردّها على الذي استقرضتها منه، فأقول : يا أبه، إنّ دراهمه كانت فُسولة، وهذه خير منها، فيقول : يا بنيّ، إنّ هذا هو الفضل، فأعطه إيّاها».
نعم، ربما تنافيها الأخبار المانعة عن الزيادة مطلقاً، كالصحيح : عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، قال : «لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً»
الخبر.
وطريق الجمع بينه وبين ما مرّ حمل هذا وما ضاهاه على صورة الشرط أو التقيّة، كما يستفاد من بعض ما مرّ، أو كراهة الأخذ خاصّة، وهذا أجود، وليس عليه منافاة، فإنّ موارد ما دلّ على الفضل في الزيادة هو صورة الإعطاء خاصّة، ولا كذلك ما دلّ على المنع؛ فإنّ مواردها صورة الأخذ خاصّة.ولا فرق في الجواز مع عدم الشرط بين أن يكون من نيّتهما ذلك أم لا؛ لإطلاق النصوص الماضية.
مضافاً إلى خصوص بعض المعتبرة : عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه، وقد علم المستقرض والقارض أنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها، قال : «لا بأس إذا طابت نفس المستقرض».
وقصور السند بالجهالة منجبر بوجود الحسن بن محبوب فيه، وقد أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه
العصابة . نعم يكره، وفاقاً للدروس؛
مسامحةً في أدلّتها، كما مرّ غير مرّة.
ثم إنّ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل في المسالك وعن
السرائر الإجماع عليه : فساد القرض مع شرط النفع، فلا يجوز التصرف فيه ولو بالقبض، ومعه ومع العلم يكون مضموناً عليه كالبيع الفاسد، للقاعدة المشهورة : كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده خلافاً لابن حمزة فجعله أمانة.
والأصل في حرمة التصرّف بعد الإجماع ظواهر النصوص المتقدّمة المصرّحة بفساد الزيادة مع اشتراطها، المستلزم لفساد المشروط بها؛
لابتناء العقد والمراضاة فيه عليها، وانتفاؤها يستلزم
انتفاء المشروط بها المتوقّف عليها قطعاً. فمناقشة بعض الأصحاب في ذلك بعد تسليمه دلالة النصوص على فساد الشرط وحرمة الزيادة غفلة واضحة.
وحيث حلّت الزيادة بالتبرّع بها فلا يخلو إمّا أن تكون حكميّة، كما لو دفع الجيّد بدل الردي أو الكبير بدل الصغير، فالظاهر أنّه يملكه المقرض ملكاً مستقرّاً بقبضه، كما قيل.
وإن كانت عينيّة ففي كون المجموع وفاءً أو يكون الزائد بمنزلة الهبة فيلزمه أحكامها نظر. ولعلّ الثاني أظهر؛ لأصالة بقاء الملك على أصله، مضافاً إلى إطلاق الهبة عليه في بعض الصحاح المتقدّمة، لكنه في الزيادة الحكميّة.
رياض المسائل، ج۹، ص۱۵۵-۱۶۱.