شك الإمام والمأموم في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يأتي فيما يلي صور
شك الإمام والمأموم في الصلاة كما لو اشترك الإمام والمأموم في الشك واتّحد محلّه أو اتفقا على الظن واختلف المحل أو تعدّد المأموم واختلفوا مع الإمام أو اشترك الشك بين الإمام وبعض المأمومين فباقي الصور تأتي إن شاء الله.
(و) اعلم : أنّ ما تضمنته الصحيحة من أنه (لا) سهو (على المأموم، ولا على الإمام) بمعنى الشك لا خلاف فيه يعرف، وبه صرّح بعض،
وذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب،
مؤذنين بدعوى
الإجماع عليه؛ وهو حجة أخرى بعد الصحيحة.
مضافا إلى المعتبرة الأخر، منها الصحيح : عن رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال : «لا».
والمرسل : «ليس على الإمام سهو (إذا حفظ عليه من خلفه) سهوه بإيقان أو اتفاق منهم ـ على اختلاف النسخ ـ وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام».
وما فيه من اشتراط حفظ كلّ منهما على الآخر في نفي حكم
الشك مقطوع به بينهم، ولا ريب فيه؛ لأنّ الحكم برجوع كلّ منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك ترجيح من غير مرجح، وبه يقيد إطلاق باقي الأخبار.
والمتبادر من الحفظ وعدم
السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع، كما يدل عليه لفظ
الإيقان في بعض النسخ، فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل، وكذا الظان إلى المتيقن، وإن صرّح بهما جماعة؛
لعموم ما دل على تعبّد المصلّي بظنه، والتخصيص يحتاج إلى دليل، وليس.
إلاّ أن يقال : إنّ السهو بمعنى الشك المنفي حكمه عن كل من الإمام والمأموم في الفتاوي والنصوص يشمل
الظن ؛ لأعميته لغة منه ومن الشك بالمعنى المعروف، فنفيه بعنوان العموم يقتضي دخولهما فيه. مع أن في الخبر : «الإمام يحفظ أوهام من خلفه»
و في الجميع : يحمل، بدل : يحفظ، ورواها في
التهذيب بلفظة : يتحمل. ويدخل في الأوهام الظن؛ لإطلاقه عليه في الشرع.
وحفظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه : أنه يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام. وإذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس؛ لعدم تعقل الفرق، مع عدم ظهور قائل به.
بل ولا الفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا، والشاك إلى الظان كذلك، لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حدّ الإجماع.
وما قيل في توجيهه من أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين
فضعيف؛ لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان، كيف لا وهو أول الكلام، وتسليمها بالنسبة إليه لا يجدي نفعا، فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظنا، وإلاّ فالرجوع متعين، كما يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاده ظنا أقوى مطلقا وإن قلنا بالمنع فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى، لكنه خروج عن محل البحث، وهو رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا ولو لم يفده ظنا، كما يقتضيه إطلاق النصوص
والفتاوي .
وعليه فلا يشترط عدالة المأموم ولا تعدده، فيرجع إليه الإمام ولو كان واحدا
فاسقا ، ولا يتعدى إلى غيره وإن كان عدلا، نعم لو أفاده الظن رجع إليه لذلك لا لكونه مخبرا.
ولو اشتركا في الشك واتّحد محلّه لزمهما حكمه، كما أنهما لو اتّفاقا على الظن واختلف المحل تعيّن الانفراد، وإن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما انفرد كلّ به، وإن لم يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلا منهما حكم شك نفسه.
ولو تعدّد المأموم واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد بدونها.
ولو اشترك الشك بين الإمام وبعضهم قيل : يرجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد، وباقي المأمومين إلى الإمام.
وفيه نظر، بل ظاهر المرسل المتقدم اعتبار اتّفاق المأمومين، سيّما على النسخة المبدل فيها الإيقان بالاتفاق، ولا يضرّ
الإرسال بعد الانجبار بالأصل وعمل الأصحاب، وهو ظاهر الماتن هنا وفي
الشرائع وغيره
من الأصحاب، وصريح بعضهم.
ولعلّه الأقوى.
ولا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه لا سهو على الإمام؛
لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام.
ولو حصل الظن بقول الذاكر منهم اتّجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.
وكلّما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه ولا يلزم الآخر متابعته فيهما، على الأشهر بين المتأخرين والأقوى؛ للأصول والعمومات، وخصوص ما سيأتي من الروايات.
خلافا للمرتضى
والخلاف ،
فنفياهما عن المأموم مطلقا وإن عرض له السبب، وادعى الثاني عليه الإجماع.
واستدل له تارة بما مرّ من الأخبار بأنه ليس على من خلف الإمام سهو.
وهي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب، ويشهد له السياق بقرينة قولهم عليهم السلام : وليس على الإمام سهو، مع أنه مقطوع الإرادة من لفظ السهو فيها، فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها، لما مضى مرارا، إلاّ أن يوجّه بما مضى أيضا.
واخرى بالموثقين، في أحدهما : عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا، فقال : «ليس عليه شيء».
وفي الثاني : عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة ولم يقل شيئا ولم يكبّر ولم يسبّح ولم يتشهّد حتى يسلّم، فقال : «قد جازت صلاته، وليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه».
ولا دلالة للأول على المطلوب؛ للقول بالموجب كما سيظهر.
والثاني معارض بأجود منه سندا، كالصحيح : عن الرجل يتكلم في الصلاة، يقول : أقيموا صفوفكم، قال : «تتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو»
والظاهر كون الرجل مأموما. وأظهر منه الخبر : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال : «إذا سلّمت فاسجد سجدتي السهو».
ومع ذلك محتمل للحمل على
التقية ؛ لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلاّ
مكحولا كما صرّح به جماعة؛
مع أن التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه لا يضمنها إما مطلقا كما في الصحيح
وغيره،
أو ما عدا
القراءة منها كما في غيرهما.
وللمبسوط ، فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب، وفاقا للجمهور؛ لما دلّ على وجوب المتابعة.
ويضعّف بمنع وجوبها إلاّ في نفس الصلاة، وسجدة السهو خارجة عنها.
نعم، في الموثق : عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع؟ فقال عليه السلام : «إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلّم سجد الرجل سجدتي السهو».
وفيه موافقة للشيخ رحمه الله إلاّ أنه يمكن حمله على
التقية ، أو على اشتراكهما في السهو ، فإنّ الحكم فيه ذلك ، سواء اتّحد حكمهما أو اختلف.
وقد ذكرنا جملة من صورهما وجملة من الصور المتعلقة بشك الإمام والمأموم مع حفظ الآخر أو لا في الشرح مستوفى.
رياض المسائل، ج۴، ص۱۵۵-۱۶۱.