ضمان دعاء الغير بخروج المنزل ليلا
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع اليه ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وعدم
البينة، ففي
القود تردد، أشبهه: أنه لا قود، وعليه
الدية؛ ولو وجد ميتا ففي لزوم الدية فقولان، أشبههما: اللزوم.
من دعا غيره بالتماسه فأخرجه من منزله ليلاً ضمنه حتى يرجع المدعوّ إليه أي إلى منزله، بلا خلاف فيه في الجملة، بل عليه
الوفاق كذلك في
الروضة وكلام جماعة
، وادّعى الإجماع عليه مطلقاً
ابن زهرة في
الغنية وعن
الماتن في
نكت النهاية، وهو الحجة.
مضافا إلى الخبرين، في أحدهما: «قال
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): كلّ من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلاّ أن يقيم
البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله»
.
وفي الثاني: «إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن له حتى يرجع إلى بيته»
.
وهما وإن ضعفا وخالفا الأصل المجمع عليه على الظاهر، المصرّح به في
التنقيح من أنّ الحرّ الكامل لا يضمن ما لم يثبت الجناية عليه، إلاّ أنّهما منجبران بفتوى
الطائفة والإجماعات المحكية.
وعليه فلو لم يرجع ولم يعلم خبره بموت ولا حياة ضمن الداعي ديته في ماله دون عاقلته، بلا خلاف كما في التنقيح
وشرح الشرائع للصيمري، ولم يذكره هنا أحد من الطائفة، كما صرّح به
المقدّس الأردبيلي وهو كذلك، فإنّ عبائر المتقدّمين والمتأخّرين ممّن وقفت على كلامه متفقة الدلالة على ضمان الدية في هذه الصورة، إطلاقاً في بعض، وتصريحاً في جملة.
نعم يستفاد من اللمعة عدم
الضمان مطلقاً هنا، وعلّله في الروضة
بأصالة البراءة منه ديةً ونفساً حتى يتحقق سببه، وهو في غير حالة
القتل مشكوك فيه.
وفيه نظر؛ فإنّ سبب الضمان هنا نصّاً وفتوى إنّما هو إخراجه من بيته، وليس المخرَج عنه فيهما سوى عوده إليه حيّاً، ولا يشترط في صدق الضمان تحقّق تلفه، بل يكفي فيه صدق ضياعه وعدم العلم بخبره، فضياعه كتلفه، وضمانه حينئذٍ كضمان المال الضائع بعينه، هذا.
مع أنّ عدم الخلاف الظاهر المحكي في تلك العبائر كافٍ في ردّه.
ولو وجد مقتولاً فإن أقرّ الداعي بقتله أو أُقيمت البيّنة عليه به أُقيد به، بلا خلاف فيه وفي أنّه ادّعى قتله على غيره وأقام به عليه البيّنة وفي معناها
الإقرار ونحوه صرف عنه الضمان إلى ذلك الغير.
ولو عدم البيّنة منه عليه أو لم يدّع القتل على أحد ففي
القود من الداعي أو إلزامه بالدية تردّد واختلاف بين
الأصحاب، ولكن أشبهه وأشهره على الظاهر، المصرَّح به في عبائر جماعة
أنّه لا قود للأصل، مع حصول
الشك في موجب
القصاص؛ لصدق الضمان المحكوم به في
الفتوى والنص بضمان الدية التي هي بدل النفس كصدقه بالقود، وحيث لا معيِّن لهذا تعيّن الأوّل قطعاً؛ للشبهة الدارئة، هذا.
مع احتمال تعيينه من وجه آخر، وهو الاتفاق على أنّ المراد من الضمان المذكور فيهما بالنسبة إلى الصورة السابقة والآتية إن قلنا به فيها هو ضمان الدية، فليكن هو المراد منه أيضاً بالنسبة إلى هذه الصورة، إمّا لاتحاد اللفظة المفيدة للحكم في الصور الثلاثة، أو إلحاقاً للأقلّ بالأكثر، فتأمّل، هذا.
مضافاً إلى تصريح ابن زهرة
بضمان الدية في عبارته المحكي فيها على الحكم مطلقاً إجماع
الإمامية، وهو خيرة
النهاية والحلّي، مصرِّحين بأنّه عليه رواية، بل روايات كما في كلام الأخير، لكنّه والفاضل في المختلف
وشيخنا في
المسالك والروضة
خصّوا ذلك بصورة عدم اللوث
والتهمة، وقالوا في صورتها بالقسامة فيلزم بموجب ما أقسم عليه الوليّ من عمد أو خطأ أو شبهه، ومع عدم قسامته يُقسم المُخرِج ولا دية.
وهو تقييد للنصّ والفتوى من غير دلالة، مع احتمال دعوى ظهورهما بحكم الغلبة في صورة
اللوث خاصّة، وأنّه لأجله حكم فيهما بالضمان قوداً أو ديةً كلّيّة؛ حسماً لمادّة الفساد، فتأمّل جدّاً.
وعموم أدلّة
القسامة باللوث وإن شمل هذه الصورة إلاّ أنّه لا بُعد في تخصيصها وإخراج هذه الصورة منها بالأدلّة في المسألة، كما خصّصت من الأُصول بعدم ضمان الحرّ وأُخرجت منها بلا شبهة، فهذا القول ضعيف.
وأضعف منه القول بالقود هنا إمّا مطلقا، كما عن
المفيد في
الإرشاد ، أو إذا لم يدّع البراءة من قتله، كما عن
ابن حمزة والديلمي، لكنّه خيّر أولياء المقتول بينه وبين أخذ الدية، ولعلّ حجته العمل بإطلاق الضمان الصادق بهما كما مضى.
لكنه يدفعه ما قدّمناه، مع أنّ ذلك على تقدير تسليمه لم يدل على التفصيل بين دعوى البراءة فالدية، وعدمها فالقود مخيّراً أو معيّناً، كما ذكره هو ومن قبله.
وأمّا المفيد فلعلّه استند إلى ظاهر الرواية الأُولى المتضمن صدرها لقضاء مولانا
الصادق (علیهالسّلام) في مثل هذه القضية بالقود، فقال: «يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه» إلى آخر القضية
.
لكن يمكن الجواب عنها بعد ضعف سندها، وعدم جابر له هنا بأنّه لعلّه لمصلحة التقرير وإيضاح الأمر كما ربما يشعر به سياقه، ومع ذلك فظاهره على تقدير التسليم الضمان بالقود مطلقاً حتى في الصورة السابقة والآتية، ولم يقل به قطعاً.
وعلى المختار يكون عليه في ماله الدية قولاً واحداً؛ لعموم النص والفتوى بالضمان الصادق بضمانها كما عرفته.
ولو وجد ميتاً ولم يوجد فيه أثر قتل أصلاً لا قود، إجماعاً على الظاهر، المصرّح به في
التنقيح.
لكن في لزوم الدية عليه قولان، أشبههما وأشهرهما، على الظاهر، المصرَّح به في عبائر
اللزوم لعموم الخبرين المنجبرين بما مرّ، ولئلاّ يطلّ دم امرئ مسلم، مضافاً إلى إطلاق
الإجماع المنقول، وما في
السرائر من أنّ به رواية.
خلافاً للفاضلين في
الشرائع والتحرير وشيخنا في المسالك والروضة
، فلا شيء عليه مطلقاً؛ للأصل. ويضعّف بما مرّ.
وللحلّي
، ففصّل بين صورتي عدم اللوث فكما قالا، وثبوته فالقسامة، ويلزم بموجب ما يقسم عليه الوليّ من عمد فقود، وغيره فدية، ونحوه
الفاضل في
المختلف، إلاّ أنّه أثبت مع القسامة الدية مطلقاً.
وهما ضعيفان يظهر ضعفهما ممّا مضى، مضافاً إلى ضعف الأخير من وجه آخر لو ابقي على إطلاقه بحيث يشمل ما لو كان المقسم عليه عمداً كما لا يخفى.
وقد تردّد الفاضل في الإرشاد والقواعد
والشهيد في
اللمعة. ولا وجه له.
وللمسألة فروعات جليلة تطلب من
الروضة، فإنّ ما حقّق فيها وأفاده في غاية الجودة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۳۹۳-۳۹۷.