عمرة التمتع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
عمرة التمتع هي التي يقدم أمام حجه وتجزي عن العمرة المفروضة، وتسمى
العمرة المتمتع بها إلى الحج ، وما سواها تسمّى بالعمرة المفردة ؛ لأفرادها عنه.
(و)
العمرة (المتمتع بها تجزئ من المفردة) المفروضة إجماعاً فتوًى وروايةً، وهي صحاح مستفيضة وغيرها من المعتبرة.
(وتلزم) أي المتمتع بها مرة كلّ (مَن ليس من حاضري
المسجد الحرام ) وكان نائياً عنه.
(ولا تصحّ إلاّ) في (
أشهر الحج ) لارتباطها به، كما مرّ الكلام في جميع ذلك مفصّلاً.
(ويتعيّن فيها التقصير) وهو
إبانة الشعر أو الظفر بحديد ونتف وقرض وغيرها. ويكفي فيه المسمّى، وهو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر أو ظفر.
كلّ ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
وأما ما في الصحيح : «إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك، وخذ من شاربك، وقلّم أظفارك، وأبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء يحلّ منه المحرم».
فمحمول على
الاستحباب ، إلاّ قوله عليه السلام: «وأبق منها لحجّك» فباق على ظاهره من الوجوب؛ ولذا تعيّن
التقصير على الأظهر الأشهر، بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلاّ من الخلاف،
فجعله أفضل من الحلق، وهو نادر، ويردّ مضافاً إلى الصحيح السابق الصحيح : «وليس في المتعة إلاّ التقصير».
وظاهر الأول
حرمة الحلق مطلقاً ولو بعد التقصير، قيل : وصرّح بها الشهيد، وفاقاً لابني حمزة والبراج؛ لإيجابهما
الكفارة بالحلق قبل الحج، فيختص
الإحلال بغيره، ولعلّه لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلاً، لأن أوّله تقصير، إلاّ أن يلحظ النية، وإنما حرّم في النافع قبله.
أقول : لقوله : (ولو حلق قبله لزمه شاة) لكن ليس فيه نفي
التحريم بعده، وإنما خصّ لزوم الشاة بالحلق قبله اقتصاراً على مورد النص الوارد به، ففي الخبر : عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال : «عليه دم يهريقه، فإذا كان
يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق».
وفيه : أن النص غير منحصر في هذا، بل استدل على الحكم أيضاً بالصحيح في متمتع حلق رأسه بمكة : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإنّ عليه دماً يهريقه».
بل الظاهر
انحصار المستند في الدم من الأخبار في هذا الخبر، دون ما مرّ؛ إذ هو مع قصور سنده بل ضعفه ظاهر في الجاهل أو الساهي أو الناسي، دون العامد، وقد أجمعوا عدا الماتن على
اختصاص الحكم بالعامد، وأنه لا شيء على من عداه؛ للأصل، وضعف الخبر، وخصوص الصحيح الذي مرّ، والمرسل القريب منه في السند والمتن : «إن كان ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء، وإن كان متمتعاً في أول
شهور الحج فليس عليه شيء إذا كان قد أعفاه شهراً».
ولكن في التمسك للحكم بهذا الصحيح أيضاً نظر؛ لعدم ظهوره في الحلق بعد
الإحرام ، واحتمال كون الدم للإخلال بتوفير الشعر قبل الإحرام المستحب عند الأصحاب، والواجب عند الشيخين،
وأفتى بوجوب الدم فيه المفيد، كما مرّ في بحث الإحرام.
وبه استدل له هناك، ولكن قد مرّ الجواب عنه ثمة.
وبالجملة : فالخبر للاحتمال المزبور مجمل لا يمكن التمسك به في محل البحث، مضافاً إلى أن ما فيه من التفصيل في صورة العمد لا يوافق فتوى الأصحاب على
الإطلاق بلزوم الدم، وهذا من أكبر الشواهد على تعيين ما مرّ من
الاحتمال ، وإلاّ فهو شاذ، وكذا الخبر الأول، لما مرّ. وعليه فيشكل الحكم بوجوب الدم، إلاّ أن يكون إجماعاً، ولا ريب أنه أحوط. وكيف كان، فينبغي القطع باختصاصه بصورة العمد، لا كما أطلقه الماتن هنا وفي
الشرائع .
وبما إذا حلق الرأس أجمع، فلو حلق جملة منه وأبقى منه بعضاً فلا دم ولا تحريم، كما قطع به جمع.
وبثبوت تحريم
الحلق مطلقاً ولو بعد التقصير؛ لورود
الأمر به في الصحيح الماضي، وهو يستلزم النهي عن ضده العام إجماعاً، فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين فيه، ولا لتأمله في إجزائه عن التقصير ولو على القول بتحريمه،
كما عن المنتهى، حيث إنه مع قوله بتحريمه قال بالإجزاء، لتوجيهه بأن أول الحلق تقصير، فبعد ما بدأ به حصل
الامتثال ، وإنما النهي عن الحلق تعلّق بالخارج عنه، فيأثم بفعله خاصة.
وبهذا وجّه فتوى الشيخ في الخلاف بالجواز،
فقيل : إنه إذا أحلّ من العمرة حلّ له ما كان حرّمه الإحرام، ومنه
إزالة الشعر بجميع أنواعها، فيجوز له الحلق بعد التقصير، وأوّل الحلق تقصير.
ولكن يضعّفه أن النهي عن الحلق في الصحيح المتقدم في قوة تخصيص الإحلال بما عداه، كما صرّح به بعض المحدّثين، فقال : إنه يتحلّل بالتقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق،
وهو ظاهر الأصحاب أيضاً.
بقي الكلام فيما وجّهنا به
الإجزاء ، فإنه على إطلاقه مشكل. نعم لو قصد بأول الحلق التقصير ثم حلق أجزأ وإن أثم، وإن قصد أوّلاً الحلق دون التقصير أشكل، بل ظاهر قوله عليه السلام في الصحيح المتقدم : «فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيء» عدم الإحلال مع الحلق، لأن المشار إليه بقوله : «ذلك» ما أمر به سابقاً، ومن جملته قوله : «وأبق منها لحجّك» فيعتبر في الإحلال، فتأمل.
وكيف كان، فالأحوط عدم الإجزاء بالحلق مطلقاً. ثم إن ظاهر قوله عليه السلام في الخبر المتقدم : «فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» الوجوب، كما صرّح به في
السرائر والقواعد.
ولكن الأظهر : الاستحباب؛ للأصل، وضعف الخبر سنداً ودلالةً كما مرّ، مع عدم موجب له، كيف لا وإنما يجب يوم النحر أحد الأمرين من التقصير والحلق، والموجود في الخبر ليس إلاّ الأمر بإمرار الموسى حين يريد الحلق، وقد لا يريده، فتعيّن حمله على الوجوب التخييري، إذ لا يخلو غالباً عن شعر يحلقه الموسى، وإنما تعرّض له بالخصوص لأفضلية الحلق من التقصير كما مرّ.
(وليس فيها
طواف النساء) وإنما هو في الحج مطلقاً، و
العمرة المفردة خاصة على الأشهر الأقوى، كما مرّ في آخر بحث
الطواف مفصّلاً.
•
الخروج من مكة بعد عمرة التمتع، (وإذا دخل) المحرم (مكة متمتعاً) بالعمرة إلى الحج وفرغ من أفعالها (كره له الخروج) منها (لأنّه) أي ما أتى به من
الإحرام للعُمرة (مرتبط بالحج) وجزئه
رياض المسائل، ج۷، ص۲۱۱- ۲۲۳.