قاعدة لاتعاد الصغير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر الفقهاء أنّ من أخلّ في صلاته بسجدة واحدة نسياناً بزيادة أو نقيصة لا تبطل صلاته، وقد ادّعي
استفاضة النصوص الدالّة على ذلك، وسمّي ذلك بقاعدة (لا تعاد) الصغير.
ذكروا أنّ من أخلّ في صلاته بسجدة واحدة نسياناً بزيادة أو نقيصة لا تبطل صلاته،
وقد ادّعي
استفاضة النصوص الدالّة على ذلك،
وسمّي ذلك بقاعدة (لا تعاد) الصغير.
ومفاد تلك القاعدة نفي إعادة الصلاة من ناحية
الإخلال بخصوص السجدة الواحدة، كما أنّ مفاد قاعدة (لا تعاد) الكبير كان نفي إعادة الصلاة من ناحية الإخلال بكلّ زيادة ونقيصة سهواً في غير الأركان.
ومن تلك الروايات خبر
منصور بن حازم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة».
وخبر
عبيد بن زرارة ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل شكّ فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال: «لا واللَّه، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، وقال: «لا يعيد صلاته من سجدة، ويعيدها من ركعة».
وقد ادّعي
اعتضادهما بالشهرة العظيمة بين الفقهاء التي كادت تكون إجماعاً.
فلا إشكال في
أصل مسألة صحّة الصلاة بزيادة سجدة واحدة أو نقيصتها لا عن عمد، وإنّما البحث في أنّه هل يمكن تخريج ذلك على القاعدة بحيث لو كنا نحن وقاعدة (لا تعاد) الكبير من دون الروايات الخاصّة أيضاً هل كنّا نحكم بذلك أم لا؟ فيه قولان:
هو كون الصحّة في المقام على طبق القاعدة، والروايات الدالّة على ذلك مطابقة لها؛ لأنّ مفاد تلك القاعدة لزوم حفظ ما هو فرض من قبل اللَّه سبحانه، والأركان الخمسة المذكورة إنّما ذكرت باعتبارها ممّا فرضه اللَّه سبحانه كما دلّ عليه التعليل، فالمعيار ملاحظة ما هو المفروض من قبله، وعندئذٍ يمكن أن يقال: إنّ ما ثبت بالفرض الإلهي في
القرآن الكريم ليس بأكثر من
الأمر بأصل الركوع والسجود، وصرف وجودهما المتحقّق بالواحدة، فيكون مقتضى إطلاقه
انحفاظ الفرض الإلهي بزيادة سجدة واحدة أو نقيصتها ما لم يدلّ دليل على دخالة السجدة الثانية في الفرض الإلهي، أو مانعية زيادة سجدة عن صحّتها.
ودليل وجوب سجدة ثانية في كلّ ركعة لا دلالة له على أكثر من لزومها، لا كونها بفرض اللَّه سبحانه وتعالى، فيكون مقتضى إطلاق الأمر الإلهي بالسجود وشموله لمورد نقصان سجدة أو زيادتها تحقّق ما هو الفرض من ناحية هذا الركن وانحفاظه في الصلاة، وبالتالي يثبت بالملازمة أنّ الخلل المذكور ليس من ناحية فرض اللَّه، بل من ناحية السنّة، فيدخل في إطلاق عقد المستثنى منه للقاعدة، فلا تجب عليه
الإعادة . إذاً فقاعدة (لا تعاد) الصغير ليست قاعدة اخرى، بل هي تطبيق من تطبيقات قاعدة (لا تعاد) الكبير.
وهو للمحقّق النائيني، حيث ذهب إلى أنّ عدم إعادة الصلاة بزيادة سجدة واحدة أو نقصها لا عن عمد على خلاف قاعدة (لا تعاد الصلاة إلّامن خمسة)، وأنّ الدليل الدال على أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة يكون مخصّصاً للقاعدة.
واستدلّ عليه بأنّ مفاد حديث «لا تعاد» هو إعادة الصلاة من نقصان السجود الصادق على الواحدة أيضاً، فيكون الإخلال بالسجدة الواحدة داخلًا في عقد المستثنى، غايته أنّه قام الدليل على أنّه لو زاد سجدة سهواً، كما إذا سجد ثلاث سجدات بتخيّل أنّه سجد سجدة واحدة فأتى بالاخرى، أو نقص سجدة سهواً بتخيّل أنّه سجد السجدتين، فهو غير مبطل ولا يجب إعادة الصلاة، فهذا الدليل يكون مخصّصاً لحديث «لا تعاد»، ولكن المقدار الذي خصص هو ما إذا زاد سجدة أو نقص سهواً.
ثمّ إنّه ذهب بعضهم إلى أنّه لابد من
الاقتصار في الخروج عن تلك القاعدة على مورد التخصيص، وهو ما إذا زاد سجدة واحدة سهواً دون ما إذا نسي الركوع حتى سجد قبل الدخول في السجدة الثانية، فإنّه في مثل ذلك وإن كان يمكنه الرجوع وتدارك الركوع ثمّ
الإتيان بسجدتين، ولا يلزم منه إلّا زيادة السجدة السابقة إلّاأنّ هذا خارج عن مورد الرواية؛ لعدم كون السجدة في أصلها سهوية، بل
أصل الإتيان بها عمدي، وإنّما نشأ زيادتها عن السهو في أمر آخر وهو نسيان الركوع، فيبقى مثل هذا تحت إطلاق عقد المستثنى في القاعدة، فتجب الإعادة.
ويستفاد ذلك من كلام
المحقّق النجفي ، فإنّه ذكر في مسألة الإخلال بسجدة واحدة سهواً أنّه يجب الخروج عن إطلاق حديث: «لا تعاد الصلاة إلّامن خمسة»، بناءً على تعميمه لصورتي الزيادة والنقيصة، وإطلاق من زاد في صلاته، بما دلّ على عدم بطلان الصلاة بزيادتها، وهو قاعدة (لا تعاد) الصغير، وذكر خبر منصور ابن حازم
وعبيد بن زرارة
المتقدّمين، وعضَدَهما بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.
بينما ذكر في مسألة نسيان الركوع حتى سجد أنّ بطلان الصلاة بذلك هو المشهور، واختاره وتمسّك له بعقد المستثنى من حديث «لا تعاد» وغيره، قال: «وعدم
البطلان بزيادة السجدة مع عدم ترك الركوع لا يلزم منه صحّة ما نحن فيه، والقياس لا نقول به، فحينئذٍ لا يشمله قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجل استيقن أنّه زاد سجدة: «لا يعيد الصلاة من سجدة»؛
لأنّ الظاهر أنّ المراد منه زيادة سجدة خاصة، لا ما إذا كانت الزيادة مع نسيان الركوع، بل هو من التخريج الذي لا نقول به، فتأمّل».
ولكنّ
السيّد الحكيم - مع أنّه ذهب إلى أنّ الحكم بعدم الإعادة بزيادة أو نقصان سجدة على خلاف القاعدة وأنّ ما دلّ على عدم إعادة الصلاة بالإخلال بسجدة واحدة مخصّص لحديث «لا تعاد» - لم يفرّق بين المسألتين في الحكم بصحّة الصلاة فيهما. ففي مسألة زيادة الأجزاء غير الركنية- كسجدة واحدة سهواً- حكم بالصحّة، وادّعى نفي الخلاف في ذلك. واستدلّ عليه برواية منصور وعبيد المتقدّمتين.
وفي مسألة نسيان الركوع والتذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية قال: إنّ مقتضى القواعد الأوّلية أنّه يتدارك الركوع، وأنّه لا قدح في زيادة السجدة سهواً، فلا مانع من فعله؛ لعدم فوات محلّه.
وكذا
السيّد الخوئي ، حيث ذكر في مسألة نسيان السجدة أنّه «لو كنّا نحن والحديث (أي حديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» ) ولم يكن في البين دليل آخر كان مقتضى
الإطلاق الحكم بالبطلان لدى الإخلال بطبيعيّ السجود المنطبق على الواحد كالاثنين، ولكن الروايات المتقدّمة القاضية بعدم البطلان لدى نسيان السجدة الواحدة توجب تقييد الحديث واختصاصه بنسيان السجدتين معاً».
وفي مسألة نسيان الركوع والتذكر بعد الدخول في السجود، أو بعد رفع الرأس من السجدة الاولى قبل الدخول في الثانية ذهب إلى أنّ مقتضى القاعدة الحكم بالصحّة؛ إذ لا يلزم من تدارك الركوع أيّ محذور عدا زيادة سجدة واحدة سهواً، ولا ضير فيها بعد أن لم تكن ركناً، وقد ورد أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة واحدة، وإنّما تعاد من ركعة.
ويمكن أن يستدلّ على ذلك:
أوّلًا: أنّ إطلاق صحيح منصور بن حازم-: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، فقال عليه السلام: «لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة»
- يشمل ما إذا كانت الزيادة بالنحو المذكور، فإنّ السهو والذكر مضافان إلى الزيادة لا إلى ذات السجدة، وما جاء به أوّلًا- بعد أن كان محلّ التدارك للجزء المنسي باقياً- يكون زيادة لا محالة؛ لعدم
الأمر به، وبقاء الأمر بالجزء المنسي، ولزوم الإتيان به، والميزان في مبطلية الزيادة أن تكون بما هي زيادة عمدية، وهو فرع
الالتفات إلى عنوان الزيادة، فلا تصدق في مورد كان الإتيان بها باعتقاد كونها هي المأمور به في محلّه، وهذا واضح، فلا فرق في شمول الرواية المذكورة بين نحوي الزيادة السهوية.
وثانياً: لو فرض عدم الإطلاق في تلك الروايات كفانا إطلاق عقد المستثنى منه في حديث «لا تعاد»؛ لدخوله فيه لا في عقد المستثنى- بناءً على ما تقدّم من عدم شموله للزيادة- فإنّه لا إشكال في التمسّك به في موارد السهو بهذا النحو؛ لعدم ورود عنوان السهو فيه، بل هو بحسب لفظه مطلق يشمل كافّة صور الإخلال غير العمدي أو السهوي، وهذا منه. ولهذا لم يستشكل أحد في تطبيقها على زيادة غير الركن بهذا النحو، كمن أتى بالسورة قبل الحمد أو
التسليم قبل التشهد، فإنّه يأتي بالحمد ثمّ سورة اخرى وبالتشهّد ثمّ التسليم، ويكون ما جاء به أوّلًا زيادة سهوية لا تعاد الصلاة منها.
المعروف والمشهور
أنّ زيادة الركعة سهواً تستوجب البطلان مطلقاً،
بل أنّه ممّا لا خلاف فيه،
بل ادّعى في الغنية
الإجماع عليه.
بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه إن كان جلس آخر الرابعة بقدر التشهّد صحّت صلاته، وأنّ البطلان خاصّ بما إذا لم يجلس هذا المقدار.
والبحث في حكم هذه المسألة والروايات الواردة في المقام موكول إلى محالّه، إنّما الكلام هنا عمّا يقتضية حديث «لا تعاد»،
فهل يقتضي صحّة هذه الصلاة التي زيدت فيها ركعة سهواً أو لا؟ فقد يقال بأنّ مقتضاه الصحّة، سواء جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد أم لم يجلس، وسواء تشهّد أم لم يتشهّد، بل حتى لو نسي السجدة الأخيرة أيضاً فزاد ركعة سهواً قبل الإتيان بها وبالتشهّد والسلام؛
وذلك لأنّ مقتضى حديث «لا تعاد» الحاكم على الأدلّة الأوّلية نفي جزئية هذه الامور في ظرف النسيان، فزيادة الركعة سهواً قبل الإتيان بشيء منها زيادة واقعة خارج الصلاة لا في أثنائها كي تستوجب البطلان؛ لأنّ وقوعها في الأثناء موقوف على جزئية هذه الأجزاء في ظرف النسيان، والحديث نافٍ للجزئية عندئذٍ؛ لعدم قصور في شموله لها بعد أن لم تكن من الأركان.
ونوقش في ذلك:
أوّلًا: بأنّ مقتضى ذلك عدم الفرق بين أن يكون جلس مقدار التشهّد أو لا، مع أنّ الإجماع على الفساد إذا لم يجلس، بل النزاع خاص بالرباعية، وإلّا فقد نقل الإجماع على بطلان صلاة من صلّى المغرب أربعاً. و
احتمال أنّ ذلك كلّه خرج بالإجماع ونحوه وإلّا كان مقتضى القاعدة الصحّة لا ينبغي أن يصدر ممن له نظر وتأمل في
أطراف هذه المسألة، بل
الاعتماد على مثل ذلك نوع من التعويل على الهباء و
الاتكاء على المنى.
وثانياً: بأنّ البطلان لم ينشأ من جهة النسيان بل لأنّه لم يخرج عن الصلاة حينئذٍ، سيّما بعد نية المصلّي إتيان الركعة داخلة في الصلاة مع فعل ما يبطلها عمداً وسهواً كالركوع وغيره.
لو تذكّر أنّه نسي من الصلاة ركعة فقد يكون التذكّر بعد التشهّد وقبل التسليم، واخرى بعد التسليم وقبل الإتيان بشيء من المنافيات، وثالثة يتذكّر بعد الإتيان بما لا ينافي الصلاة إلّاعمداً، ورابعة يتذكّر بعد الإتيان بما ينافي عمداً وسهواً كالحدث و
الاستدبار . أمّا الصورة الاولى والثانية فلا إشكال ولا خلاف
في عدم بطلان الصلاة، بل يلزم تدارك الركعة ويتمّ صلاته.
وقد استدلّ عليه بحديث «لا تعاد»،
فإنّ زيادة التشهّد أو زيادة التسليم الواقع في غير محلّه سهواً غير قادحة بمقتضى الحديث.
وأمّا إذا كان التذكر بعد التسليم فقد ذكر السيّد الحكيم أنّه لا يمكن التمسك بحديث «لا تعاد»؛ لأنّ مقتضى مخرجية التسليم هو البطلان؛ لنقصان جملة من الأركان، ولكن استدلّ على الصحّة بالنصوص،
كصحيح
العيص ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو».
مجيباً عمّا ذكر صاحب الجواهر من منع مخرجية التسليم عن الصلاة قهراً، وأنّ المعلوم منه ما كان في محلّه
بأنّه غير ظاهر.
وأمّا الصورة الثالثة- وهي ما لو تذكّر بعد فعل ما لا ينافي الصلاة إلّاعمداً- فالمعروف والمشهور
عدم البطلان
أيضاً. لكن جماعة- منهم
الشيخ الطوسي في
النهاية - حكموا بالبطلان،
بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه،
والبحث في هذه الصورة وكذلك في الصورة الرابعة- وهي ما لو تذكّر بعد فعل المنافي للصلاة عمداً وسهواً التي أفتى المشهور
فيها بالبطلان،
بل ادّعي عدم الخلاف فيه،
خلافاً لما نقل عن الصدوق حيث حكم بالصحّة
- يأتي في مصطلح (ركعة) و (صلاة).
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۲۵- ۳۳۲.