وقف المسلم على الذمي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ويقف)
المسلم (على الذمّي ولو كان أجنبيّا) للعمومات، مثل : «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها»
«و : لكلّ كبدٍ حرّى أجر»
وقوله تعالى (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)
بالمودّة.
وفي الجميع نظر؛
لاختصاص الأوّل بالوقوف الصحيحة المتضمنة لشرائط الصحة التي منها قصد القربة، وفي إمكانها على
الإطلاق مناقشة، إذ هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق
الصدقة والمبرّة عليهم، ولا
أثر منه في الشريعة لا في كتاب ولا سنة، فكيف يقصد التقرّب إلى جنابه سبحانه بشيء لم يرد منه فيه أمر أو حثّ وترغيب بنحو ممّا ورد في المستحبات الشرعية.
وبه يظهر الجواب عن الدليلين الأخيرين، فإن غايتهما الدلالة على ثبوت
الأجر وعدم النهي عن المودّة، وهما لا يستلزمان
الأمر بالوقف أو المودّة حتى يتحقّق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة.
مع معارضتهما بعموم دليل المنع وهو قوله سبحانه (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ)
هذا.
مع أني لم أجد لهذا القول عدا الماتن هنا وفي
الشرائع قائلاً، وإن عدّه كثير من أصحابنا قولاً،
وذلك فإن كلمة الأصحاب المحكية في المسألة ليست في الجواز مطلقة، بل هي ما بين مخصِّص له بالأقارب، كما عن الشيخين وابني حمزة وزهرة والحلبي،
أو بالوالدين خاصّة، كما عن الحلّي.
فهذا القول ضعيف غايته، كالقول بالمنع مطلقا، كما عمّن تقدّم في المسألة السابقة،
لعدم دليل عليه سوى إطلاق الآية المانعة، وعدم
إمكان القربة، وليسا بحجّة.
فالأوّل : بلزوم تقييده بما سيأتي من الأدلّة، مع معارضته بعموم الآية الأُولى المجوّزة، المعتضدة بما سبقها من الرواية، مع أنه قال جماعة فيه
: بأن الظاهر أن النهي عن الموادّة إنّما هو من حيث كونه محادّا لله ورسوله، وإلاّ لحرم اللطف و
الإكرام ، وهو فاسد؛ لإجماع الطبرسي المتقدم إليه
الإشارة .
والثاني : بمنعه على إطلاقه، بل هو متّجه فيما عدا الأقارب، حيث لم يرد الأمر بالمودّة إليهم والترغيب في صلتهم، وأما هم فيتأتّى قصد القربة بالوقف عليهم، لورود الأمرين في حقّهم، سيّما الوالدين، فقد قال الله تعالى (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً).
مع أنه يستفاد من القائل بهذا وكذا الحلّي ورود الرواية بالجواز على ذي القرابة مطلقا،
كما عليه الشيخان ومن تبعهما.
وهو أقوى؛ لما مضى، بل ظاهر
الغنية عدم الخلاف فيه أصلاً، وادّعى
الإجماع عليه في الخلاف صريحاً.
وقصور سند الرواية مجبور بعمل هؤلاء العظماء من قدماء الطائفة، وكذا الدلالة، مع بُعد خطأ هؤلاء النقلة فيها البتة، هذا.
وكثير من النصوص الظاهرة في صحة الوقف على الأقارب شاملة للمسألة بإطلاقها أو عمومها، الناشئ من ترك
الاستفصال عنهم بأنهم مسلمون أو كفرة، وهي وإن كان في صلوحها للحجية مناقشة، إلاّ أنّها للتأييد والتقوية صالحة، بل يأتي على قاعدة بعض المشايخ صلوحها للحجّية والدلالة.
ومنه يظهر فساد القول الأخير، مع موافقة قائله في بعض كلماته الشيخين في التعدية إلى ما عدا الوالدين، وإن منع عنهما مرّتين، ولذا نسبه الأصحاب إلى
اضطرابه في البين، وتردّده في
اختياره أحد هذين القولين، هذا.
ومما ذكرناه من الأدلّة منعاً وجوازاً يظهر وجه التعدية للحكم إلى سائر معاندي الحق، وإن اختصّ كلام الجماعة بالكفرة، المتبادر منهم من ليس لهم من
الإسلام حظّ بالمرّة. وبهذا التعميم صرّح في الغنية والتقي والمقداد في الشرح،
نافياً الأوّل بعده الخلاف، وهو لازم لكلّ من اشترط
القربة .
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۳۸- ۱۴۱.