أفضل أعمال ليلة القدر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قال
النَّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «يا
أبا ذَرٍّ الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكرَةِ
العِلمِ خَيرٌ لَك مِن
عِبادَةِ سَنَةٍ
صِيامِ نَهارِها وَقِيامِ لَيلِها».
يبدو أنَّ هذا المطلب مستمدّ من حديث تكلّم فيه
النَّبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) إلى
أبي ذرّ، ذكر فيه بالتفصيل أفضلية العلم وتفوّقه على
العبادة، جاء في آخره: «يا أبا ذَرٍّ الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَك مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وَقِيامِ لَيلِها»
. على أنَّ المدوّنات الروائية تضمّ بالإضافة إلى هذا
الحديث عددا كبيرا من الروايات الصادرة عن
أهل البيت (علیهمالسّلام) ، ممّا له دلالة على أنَّ طلب
العلم يفوق العبادة ويرجّح عليها بمراتب.
في سياق بيانه لنوافل ليالي
شهر رمضان في المجلس الثالث والتسعين من كتاب «
الأمالي»، وبعد أن ذكر صلاة مِئَة ركعة لليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، عاد شيخ المحدّثين
ابن بابويه (قدسسره) ليقول: «ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل»
. لإضاءة هذه المسألة بالمزيد من الإيضاحات، من الضروري الانتباه إلى الاُمور التالية:
حسبا للرّؤية الفقهية لعمليّة التّعلم خمسة احكام، والتأمّل في نصوص الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة يشير بوضوح، أنَّ المقصود هو ترجيح التعلّم
الواجب أو
المستحبّ على العبادات المستحبّة
.
للعبادات من منظور النصوص الإسلامية دورها الأساسي الّذي تنهض به في انبثاق نور العلم ودوامه
، من هذا المنطلق لا تهدف الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادات تضعيف العبادة أو إنكار دورها الإيجابي الفاعل الّذي تقوم به إلى جوار العلم، وإنّما تبتغي التركيز على تقارن العبادة مع العلم وأنّهما توأمان، ومن ثَمَّ فهي تأتي في سياق التحذير من العبادة الجاهلة الّتي لا يسندها العلم، فمثل هذه العبادة لا قيمة لها، ليس ذلك وحسب، بل هي منشأ للخطر أيضا.
دراسة السيرة العملية لأهل البيت (علیهمالسّلام) في
ليلة القدر، وتأمّل اهتمامهم الفائق بالعبادة والذكر في اللّيالى التّاسعة عشرة والحادية والعشرين والثّالثة والعشرين وملاحظة التعاليم الّتي عرضوها، والوصايا الّتي تركوها من أجل تحقيق أقصى حالات الانتفاع من هذه اللَّيالي؛ كلّها عوامل تدلل بوضوح على ضرورة إحياء هذه اللَّيالي في التّوجّه إلى العبادة والتّضرّع
والذكر والأنس باللّه سبحانه، ما خلا بعض الموارد الاستثنائية. على أنَّ هذا لا يعني تعذّر تخصيص جزء من ليلة القدر للتأليف (عمد عدد من العلماء الأجلاّء على إنهاء مؤلفاتهم المعروفة في ليلة القدر، كما حصل
للشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر (رضواناللّهعليه) الّذي أنهى العمل على كتابه الجليل ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان. وكذلك فعل
الحكيم السبزواري الّذي انتهى من وضع مؤلفه في يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان عام ۱۲۶۱ ق. الأمر نفسه نلمسه عند المفسر القرآني البارز العلاّمة الطباطبائي الّذي ختم تفسيره القيّم «الميزان في تفسير القرآن» في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ۱۳۹۲ ق. أمّا بشأن كاتب هذه السطور الّذي يفخر بخدمة أحاديث أهل البيت (علیهمالسّلام) والعناية بها، فقد انتهيت من العمل بكتاب «
ميزان الحكمة» في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة ۱۴۰۵ ق، بفضل اللّه ومنّته.)، أو تبيين المعارف والعلوم لما يؤدّي إلى رقي المستوى المعرفي والعلمي للناس، إنّما المقصود هو التنبيه لعدم
الغفلة عن بركات الأنس مع اللّه والانغمار في لذّة
التّضرّع بين يديه سبحانه، بذريعة الاستناد إلى روايات ترجيح العلم على العبادة.
مراقبات شهر رمضان، المحمدي الري شهري، الشيخ محمد، ص۲۳۴-۲۳۶.