أقسام الاستحاضة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تنقسم
الاستحاضة عند مشهور الفقهاء -بالنظر إلى قلّة ما تراه
المرأة من الدم وكثرته- إلى ثلاثة أقسام: صغرى ووسطى وكبرى، وبتعبير آخر: قليلة ومتوسّطة وكثيرة.
وقد اختلفت تعابير الفقهاء
في بيان مناط القلّة والكثرة والتوسّط:
ففي كلام جملة منهم
إناطة القلّة بعدم ثقب الكرسف، والتوسّط بالثقب وعدم السيلان.
وذكر بعضهم أنّ القليلة ما لا يظهر على القطنة، والمتوسّطة ما يظهر عليها من الجانب الآخر ولا يسيل.
بينما عبّر آخرون عن القليلة بأن ترى الدم غير راشح، وعن المتوسّطة بأن تراه راشحاً غير سائل.
ومن الفقهاء من أناط القلّة بعدم الغمس في القطنة، والكثرة بالغمس فيها مع السيل، والتوسّط بالغمس من دون سيل.
ومن هؤلاء
السيد اليزدي حيث عرّف القليلة بأن تتلوّث القطنة بالدم من غير غمس فيها، والمتوسّطة بأن يغمس الدم في القطنة ولا يسيل إلى خارجها من الخرقة، والكثيرة بأن يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة.
وببيان أوضح: إن تلوّثت القطنة بدم لا يسيل منها ولا يستوعبها فهي مستحاضة صغرى، وإن غمر القطنة كلّها أو جلّها دون أن يسيل منها فهي وسطى، وإن نفذ الدم من القطنة وسال إلى الخرقة أو الفخذين أو أيّ طرف من بدنها أو ثوبها فهي كبرى.
وأمّا ما ورد في النصوص فهو الثقب والنفوذ والظهور على الكرسف،
ومن الواضح أنّ هذه العناوين أعمّ من الغمس، إلّا أنّ بعض الفقهاء صرّح بأنّ الملاك هنا هو الغمس، والمراد بهذه العناوين هو الغمس فإنّها غير منفكّة عنه عادةً؛ وذلك لأنّ الدم لا يكون ثاقباً بمقتضى العادة إلّا بعد
إحاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ الدم فيها شيئاً فشيئاً إلى أن ترتوي القطنة فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة، فيكون الثقب ملازماً للغمس، كما أنّ المراد بالظهور على القطنة- كما ورد في بعض التعابير- هو
الاستيلاء والغمس، فإنّ كلّاً منهما ملازم للآخر، وأيضاً لا ينفكّ ظاهراً رشح الدم من الجانب الآخر عن غمس الدم في القطنة.
والحاصل: أنّ المراد من هذه التعابير الواردة في النصوص وكلمات الفقهاء هو الغمس، وعلى هذا فالمناط في القليلة هو غمس الدم في القطنة، وفي المتوسّطة غمسه فيها من دون سيل، وفي الكثيرة غمسه فيها مع السيل.
وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الملاك هو الثقب وعدمه لا الغمس وعدمه، فالملاك في القليلة عدم الثقب والنفوذ، كما أنّ الملاك في المتوسّطة الثقب والنفوذ من دون سيل، وفي الكثيرة الثقب مع السيل. واستدلّ على ذلك بما ورد في النصوص من عنوان
الثقب والنفوذ والظهور على الكرسف، والظاهر أنّ الثقب وإن كان أعمّ من عنوان النفوذ إلّا أنّه لا إشكال في أنّ المراد من هذه العناوين شيء واحد وهو الثقب والنفوذ في القطنة بحيث لا يظهر الدم عليها، من دون فرق في ذلك بين ما إذا غمس الدم فيها أو لا، فلو نفذ الدم فيها ولم يغمسها كانت
الاستحاضة متوسّطة لا قليلة.
وأمّا دعوى ملازمة الثقب للغمس فغير تامّة؛ لأنّ القطنة الموضوعة على المحلّ تكون نقطتها المحاذية لمخرج الدم أسرع انفعالًا من سائر أطرافها، ويكون الدم بمقتضى طبعه- خصوصاً في المحلّ الذي تكون حرارة الدم فيه محفوظة- نافذاً في وسط القطنة وثاقباً لقطرها قبل غمسها و
ارتوائها ، وأمّا توصيف دم الاستحاضة بالبرودة في الأخبار وكلمات الفقهاء فإنّما هو في مقابل الحرقة والحرارة القويّة في دم الحيض، وإلّا فلا شكّ في عدم كونه كالماء البارد حتى لا يكون نافذاً في مثل القطنة. وعلى هذا فالميزان في الاستحاضة القليلة هو عدم الثقب والنفوذ إلى الجانب الآخر، وفي المتوسّطة هو الثقب والنفوذ إلى الجانب الآخر ولو مع عدم الغمس.
وأمّا تقسيم الاستحاضة إلى الأقسام الثلاثة المتقدّمة فهو المشهور كما تقدّم؛ وذلك لأنّهم قد ذكروا لكلّ قسم من هذه الأقسام حكماً خاصّاً به. وبعبارة اخرى: أنّ منشأ قول المشهور بتثليث الأقسام هو تثليث الأحكام عندهم؛ إذ تقسيم الاستحاضة هنا إنّما هو باعتبار ما يعتريها من الأحكام. ويظهر من جماعة من الفقهاء
انحصار الاستحاضة في قسمين؛ لأنّهم اقتصروا على بيان حكمين: حكم يختصّ بأحد الأقسام المتقدّمة، وحكم آخر يشترك فيه قسمان آخران منها.
ومن هؤلاء
ابن الجنيد حيث حكي عنه أنّه قال: «المستحاضة التي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكلّ صلاتين...، والتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرّة واحدة»،
فإنّ ظاهره أنّ الاستحاضة منحصرة في قسمين: أحدهما:ما إذا لم يثقب الدم الكرسف، والآخر: ما إذا ثقب سواء سال أي كانت الاستحاضة كثيرة، أو لم يسل أي كانت متوسّطة.
وهناك من ذهب إلى عدم تثليث الأقسام أيضاً كابن أبي عقيل- فيما حكي عنه
- وبعض
الأعلام في تعليقته على
العروة الوثقى ،
وسيأتي الكلام في ذلك. بينما يظهر من بعض آخر أنّ الاستحاضة ليست إلّا قسماً واحداً، وأنّ لها حكماً واحداً فقط، وهو وجوب الغسل سواء كانت الاستحاضة قليلة أو متوسّطة أو كثيرةً.
هذا، وقد ذهب
المحقّق الخراساني إلى تثليث الأقسام كالمشهور ولكن لا بالترتيب الذي ذكروه بل بترتيب آخر هو: أنّ ما تراه
المرأة من دم الاستحاضة إمّا يكون دماً وإمّا يكون صفرةً، والدم ينقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يثقب القطنة فيجب عليها حينئذٍ الأغسال الثلاثة، والآخر: ما لا يثقبها فيجب عليها الغسل مرّة واحدة في كلّ يوم، وكذا
الوضوء لكلّ صلاة. والصفرة أيضاً تنقسم إلى قسمين: قليلة عرفاً فلا يجب معها غسل بل يجب الوضوء لكلّ صلاة، وكثيرة فتجب حينئذٍ الأغسال الثلاثة.
وعلى هذا فيجب الوضوء في قسم من الاستحاضة لكلّ صلاة فقط، وهو فيما إذا كان الدم أصفر وقليلًا عرفاً. وفي قسم آخر يجب الغسل مرّة واحدة في كلّ يوم والوضوء لكلّ صلاة، وهو فيما إذا كان الدم أحمر ولم يثقب القطنة. وفي قسم ثالث تجب الأغسال الثلاثة، وهو فيما إذا كان الدم أحمر وثقب أو كان أصفر وكثيراً عرفاً.
وعليه فالأقسام ثلاثة ولكن بهذا الترتيب لا بالترتيب الذي ذكره المشهور. وسيتّضح الكلام في تثليث الأقسام وعدمه خلال البحث عن حكم الاستحاضة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۹۰- ۹۴.