إتباع العمرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستحب أن يعتمر في كل شهر مع
الإمكان فقد روي أنه يجوز أن يعتمر كل عشرة أيام .
(ويصح
الإتباع ) أي إتباع عمرة بأُخرى (إذا كان بينهما شهر) وفاقاً لجماعة، ومنهم : الشيخ في أحد قوليه وابن حمزة والحلبي وابن زهرة،
لكنّهما قالا : في كلّ شهر، أو في كل سنة مرة، وهو يحتمل التردّد والتوقف في جوازها في كل شهر. ولا ريب في ضعفه؛ للصحاح المستفيضة وغيرها بأن لكل شهر عمرة، كما في جملة منها،
وفي جملة اخرى : إنّ في كل شهر عمرة.
ولا معارض لها سوى الصحيحين بأن
العمرة في كل سنة كما في أحدهما،
ولا تكون عمرتان في سنة كما في ثانيهما.
ولقصورهما عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى، أعظمها كثرتها عدداً، واشتهارها فتوًى، حتى كاد أن يكون الفتوى بها ولو في الجملة إجماعاً ممن عدا
العماني على الظاهر، المصرَّح به في المختلف،
دونهما، مع عدم صراحتهما في العمرة المفردة، وقوةِ
احتمال اختصاصهما بالمتمتّع بها، أُوجب حملهما عليها، دون المفردة، جمعاً بين الأدلة وتعادياً من طرحهما بالكلّية. وعلى هذا الجمع
اتفاق من عدا العماني، كما قيل.
وربما حملا على
التقية ؛ لأنه رأى بعض العامة،
أو على أنّ المراد فيهما إني لا أعتمر في كل سنة إلاّ مرّة، وفي الأول تأكد
استحباب الاعتمار في كل سنة، ولا بأس بها وإن بعدت غايته.
وبالجملة : لا إشكال في جواز الاعتمار في كل شهر مرّة، وإنّما هو في المنع عن الزيادة فيه عنها، كما هو ظاهر العبارة وباقي الجماعة؛ لعدم وضوح دليل عليه من الأخبار السابقة؛ إذ غايتها الدلالة على جواز
الاعتمار في كل شهر وأن لكلّ شهر عمرة، وهو لا يدل على النهي عن الزيادة، وقد اعترف بذلك من المتأخرين جماعة.
ويعضده الخبر : «لكل شهر عمرة» قال : فقلت له : يكون أقلّ من ذلك؟ قال : «لكل عشرة أيام عمرة».
فإنّه مع التصريح في صدره بأنّ لكل شهر عمرة لم يفهم الراوي المنع عن الزيادة، بل سأل عنها على حدة، وهو عليه السلام قد قرّره على فهمه، ومع ذلك فقد أجاب في الذيل بأن لكل عشرة عمرة.
(و) لأجله (قيل) بصحة الإتباع إذا كان بينهما (عشرة أيام) والقائل جماعة كالشيخ في قوله الثاني،
بل جميع كتبه كما قيل،
والمهذّب والجامع
والإصباح، وهو خيرة الفاضل في التحرير و
التذكرة والمنتهى والإرشاد.
ولا بأس به لو صحّ السند، لكن ليس فيه دلالة على المنع عن الاعتمار فيما دون العشرة، بل سبيله سبيل الأخبار السابقة، إلاّ أن يقال : إنّ سوق السؤال والجواب فيه يقتضيه، وهو غيره يعيد، إلاّ أن السند ضعيف.
(وقيل) كما عن العماني
خاصة أنه (لا يكون في السنة إلاّ عمرة واحدة) لما عرفته مع الجواب عنه مفصّلاً، فلا نعيدهما.
وهنا قول رابع أشار إليه بقوله :
(ولم يقدّر
علم الهدى بينهما حدّا) من الحدود الثلاثة ولا غيرها، بل جوّز الاعتمار في كل يوم مرة فصاعداً،
ووافقه الديلمي والحلّي كثير من المتأخرين.
وعزاه في
الناصريات إلى أصحابنا،
مؤذناً بدعوى
الإجماع عليه، واستدل عليه بالنبوي : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»
قال : ولم يفصّل عليه السلام بين أن يكون ذلك لسنة أو سنتين، أو شهر أو شهرين.
وفيه : بعد
الإغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما مجمل غير واضح الدلالة، فإن إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة، لا لتحديد المدة، وبذلك أجاب عنه جماعة،
وبه يمكن الجواب عن الإطلاقات الأُخر في الندب إليها إن وجدت. وممّا ذكر ظهر أن المسألة محل إشكال؛ لعدم وضوح دليل على شيء ممّا فيها من الأقوال، فلا يترك فيها
الاحتياط على حال. نعم، ينبغي القطع بجوازها في كل شهر، ويبقى الكلام في العشر فما دونها؛ لضعف المستند فيهما، فتركها فيهما أحوط وأولى. ولا يجوز المسامحة هنا في
الفتوى باستحبابها فيهما؛ لوجود القول بالتحريم والمنع عنهما.
رياض المسائل، ج۷، ص۲۰۷- ۲۱۱.