الاستصباح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى إيقاد
المصباحبالزيت .
الاستصباح-
لغة - إيقاد المصباح وهو
السراج ، يقال: استصبح به، إذا أسرجه،
واستصبح بالزيت ونحوه أي أمدّ به مصباحه،
كما في
الخبر المروي عن
الإمام الصادق عليه السلام: «... والزيت يستصبح به»،
ومعنى ذلك يشعل به السراج.
واستعمل في كلمات
الفقهاء بنفس
المعنى اللغوي .
لا
إشكال في
جواز الاستصباح
بالزيت في نفسه إلّا أنّ الفقهاء يبحثون عن الاستصباح بالزيت
النجس أو
المتنجس تارة من ناحية
حكمه التكليفي واخرى من
حكمه الوضعي نوردهما فيما يلي:
يختلف
حكم الاستصباح باختلاف ما يستصبح به في
الطهارة والنجاسة والمكان الذي يستصبح فيه، فإن كان ما يستصبح به طاهراً فلا إشكال في جواز الاستصباح حينئذٍ في حدّ ذاته كالاستصباح
بالدهن المتّخذ من
الحيوان المذكّى .
وأمّا إذا لم يكن
طاهراً بل كان متّخذاً من
الميتة النجسة فيحرم الاستصباح على ما هو
المشهور والمعروف من
حرمة الانتفاع بالميتة مطلقاً في الاستصباح أو غيره.
ولكنّ المستفاد من كلام غير واحد من الفقهاء جواز الاستصباح بدهن الميتة النجسة؛ لأنّه انتفاع في غير الجهة المحرّمة وهو
جائز .
وأمّا إذا كان ما يستصبح به متنجّساً- وهو ما كان طاهراً في حدّ ذاته كالدهن المتّخذ من
النباتات الطاهرة ولكن أصابه النجس- فيجوز الاستصباح به بلا خلاف،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
كما أنّ النصوص صريحة في ذلك، مثل ما ورد في
صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا وقعت
الفأرة في
السمن فماتت فيه، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك».
ومقتضى إطلاق هذا الصحيح ونحوه بل
وأصل البراءة - بعد عدم دليل صالح للتقييد- جواز الاستصباح بالمتنجّس مطلقاً ولو لم يكن تحت
السماء ، كما صرّح به غير واحد من
الفقهاء ،
إلّا أنّ المشهور والمعروف تقييده بكونه تحت السماء.
واستدلّ على ذلك بامور:
۱-
الشهرة الفتوائية على حرمة الاستصباح تحت
السقف .
ويرد عليه: أنّها وإن كانت
مسلّمة إلّا أنّها ليست
بحجّة .
۲- ما أرسله
الشيخ الطوسي في
المبسوط من جواز الاستصباح به تحت السماء.
ويرد عليه: أنّه على تقدير تسليم كون العبارة المذكورة رواية لا يجوز العمل بها؛
للإرسال .
۳- إنّ الاستصباح تحت
الظلال يوجب تنجيس السقف؛ لتصاعد بعض الأجزاء الدهنيّة قبل إحالة
النار إيّاه إلى أن تلاقي السقف فهو
حرام .
ويرد عليه:
أوّلًا: أنّ
دخان النجس
كرماده ليس بنجس؛
للاستحالة ، ومجرّد احتمال صعود الأجزاء الدهنيّة إلى السقف قبل الاستحالة لا يمنع عن الإسراج به تحت الظلال؛ لكونه مشكوكاً.
وثانياً: أنّ
الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنّ الدخان قد لا يؤثّر في السقف، إمّا لعلوّه، أو لقلّة الزمان، أو لخروجه من الأطراف، أو لعدم وجود دخان فيه.
وثالثاً: لا دليل على حرمة تنجيس السقف. نعم، لا يجوز تنجيسه في
المساجد والمشاهد ، وعليه فلا وجه
للمنع عن الاستصباح به تحت السقف من جهة حرمة تنجيسه.
ثمّ إنّ الدخان الناتج عن الاستصباح بالنجس أو المتنجّس طاهر؛ للاستحالة، فإنّ الدخان ليس نفس الدهن، بل جسم آخر مستحيل منه، فالموضوع غير باقٍ حينئذٍ.
نعم، لو علم ببقاء أجزاء الدهن الصغيرة وتصاعدها مع الدخان يحكم بكونه نجساً؛
لفرض عدم تحقّق الاستحالة الموجبة لتبدّل الموضوع.
هذا إذا لم تكن الأجزاء صغيرةً جدّاً بحيث يحتاج في دركها إلى المكبّرات، وإلّا فلا يحكم بالنجاسة. نعم، لو اجتمعت تلك الأجزاء وصارت مقداراً محسوساً ولو كان صغيرة تكون نجسة؛ لعدم الاستحالة، وعدم كون الصغر موجباً
للطهارة .
المعروف حرمة
المعاوضة على بعض
الأعيان النجسة وعدم صحّتها، ومن جملتها الميتة، من دون فرق بين أن تكون لها
منفعة محلّلة مقصودة أو لا، وعلى هذا فالمعاوضة على الدهن المتّخذ من الميتة النجسة للاستصباح حرام وغير صحيح.
إلّا أنّ بعض الفقهاء ذهب إلى جواز المعاوضة عليها؛ للمنافع المحلّلة،
وعلى هذا تجوز المعاوضة على الدهن المتّخذ من
الميتة للاستصباح.
وأمّا الدهن المتنجّس فقد ذهب بعض الفقهاء
إلى صحّة
بيعه مطلقاً، ومن دون اعتبار شيء في ذلك، أي سواء اشترط على
المشتري أن يستصبح به أو لا، وسواء قصد المشتري الاستصباح به أو لا.
ولكن هناك وجوه أو أقوال اخرى، وهي كما يلي:
جواز بيعه إذا اشترط على المشتري الاستصباح به، كما استظهره
الشيخ الأنصاري من عبارة
ابن إدريس في
السرائر .
جوازه مع قصد المتبايعين الاستصباح وإن لم يستصبح به بالفعل، كما استظهره الشيخ الأنصاري من كلام
الشيخ الطوسي في
الخلاف .
جوازه
بشرط عدم قصد المتبايعين المنافع المحرّمة وإن كانت نادرة، سواء قصدا مع ذلك المنافع المحلّلة أو لا.
جوازه بشرط
قصد المنفعة المحلّلة، إلّا إذا كانت شائعة فلا يعتبر فيه ذلك القصد. وقد اختار الشيخ الأنصاري هذا الوجه في أوّل كلامه، حيث قال: «يمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح»، إلّا أنّه اختار في آخر كلامه الوجه الثالث، حيث قال: «نعم، يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرّمة».
اشتراط تحقّق الاستصباح به خارجاً في
جواز بيعه، كما استظهره
المحقق الإيرواني من عبارتي الخلاف والسرائر،
وجعلهما أجنبيّتين عمّا ذكره
الشيخ الأنصاري .
وتفصيل البحث في ذلك موكول إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۶۵-۳۶۸.