اعتبار الإيمان في الكفاءة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هل يشترط التساوي في
الإيمان الخاصّ؟ المراد منه: الإقرار
بالأئمّة الاثني عشر بالشرط المتقدّم، الاظهر: لا، لكنه يستحب ويتأكد في
المؤمنة وهو المشهور بين الطائفة؛ نعم لا يصح
نكاح الناصب ولا الناصبة بالعداوة
لاهل البيت (عليهمالسلام).
فيه أقوال، ثالثها: اختصاصه بالزوج دون الزوجة، وهو المشهور بين الطائفة، بل حكي على الأول الإجماعات المستفيضة عن
الخلاف والمبسوط والسرائر وسلاّر والغنية؛ وهي
الحجّة فيه.
كالنصوص المستفيضة:
منها
الصحيح: «تزوّجوا في الشكّاك ولا تزوّجوهم؛ لأنّ
المرأة تأخذ من
أدب زوجها، ويقرّها على دينه»
.
وفي معناه
المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة والإجماعات المستفيضة.
والدلالة واضحة؛ لاستلزام المنع من تزويج الشكّاك منع
التزويج من غيرهم من المعتقدين لخلاف ما عليه الفرقة المحقّة بالأولويّة المؤكّدة بالعلة المذكورة، وهي الوجه في دلالة الصحيح: «ولا يتزوّج المستضعف مؤمنة»
.
ومنها:
المستفيضة المشترطة للدين المرضيّ في الأمر بالمناكحة
، الظاهر في
الإباحة، دون الندبيّة، حتى يقال: غاية الشرطيّة انتفاؤها بانتفاء الشرط، لا الإباحة.
وليس في إدراج الخلق مع
الدين في بعضها كالصحيح: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، (إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)
قرينةٌ على الندبيّة بالإضافة إلى الدين، بناءً على اتحاد سياق العبارة مع
الإجماع عليها بالنسبة إليه؛ لتوقّفه على كون المراد منه السجيّة والطبيعة، وليس بمتعيّن؛ لاستعماله في الملّة كما عن أهل اللغة
، فيحتمل إرادتها منه هنا، فلا قرينة فيه بالمرّة.
ومنها
المرسل كالموثّق بل
الموثّق؛ لإرساله عن غير واحد، الملحق مثله عند جماعة بالمسند
، مع كون المرسِل من المجمع على تصحيح رواياته ـ: «إنّ العارفة لا توضع إلاّ عند العارف»
.
ومنها المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده: إنّ لامرأتي أُختا عارفة على رأينا، وليس على رأينا بالبصرة إلاّ قليل، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟ قال: «لا، ولا نعمة، إنّ الله عزّ وجلّ يقول (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)
»
.
وما يقال: بأنّ قصاراها الدلالة على
النهي الغير الملازم للفساد المترتّب عليه الشرطيّة.
مدفوعٌ بالإجماع على التلازم هنا؛ بناءً على عدم القول بالتحريم المجرّد عن الفساد، بل كلّ من حرّم أفسد، وكلّ من أحلّ صحّح.
هذا، مضافاً إلى إشعار التعليل في ذيل الأخير بالكفريّة؛ من حيث إطلاق
الكفر عليهم، المستلزم إمّا لكفرهم حقيقةً كما عليه جماعة
أو اشتراكهم مع المتّصف به في الأحكام، التي منها
حرمة النكاح وفساده، إن قلنا بالمجازيّة كما عليه جمهور الطائفة، واستفيد من
النصوص الآتية لوجوب الحمل على أقرب المجازات إذا تعذّر الحقيقة.
ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال بالنصوص المطلقة عليهم الكفر
، وهي كادت تكون
متواترة.
وهذه الأخبار عدا ما ابتني فيه وجه الدلالة على إطلاق الكفر عليهم مشتركة في اختصاص المنع فيها بتزويج المخالف بالمؤمنة، بل صرّح بعضها بتزويج المؤمن بالشكّاك
، وأشعر تعليل المنع في بعضها بأخذ المرأة من أدب زوجها
، بالجواز هنا؛ لمطلوبيّته فيه قطعاً، وقريب منه إشعار تخصيص المنع بالزوج؛ فتدبّر.
مع أنّ النصوص بجواز تزويجه بالبله منهنّ والمستضعفات مستفيضة.
ففي الصحيح: «عليك بالبله من النساء اللاتي لا تنصب، والمستضعفات»
.
والصحيح: «ما يمنعك من البله من النساء؟! قلت: وما البله؟ قال: «هنّ المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه»
، ونحوهما الموثّقان
وغيرهما
.
ولا خلاف في مواردها بين الطائفة، وكذلك ما عداه على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن
التذكرة، وصرّح بعدم الخلاف بعض الأجلّة
؛ وهو
الحجّة فيه بعد ما تقدّم، وعموم النصوص الآتية المصرّحة بـ: أنّ بالإسلام تحلّ المناكحة.
خلافاً لسلاّر، فمنع عمّا عدا البله والمستضعفات
، بل ظاهره الإجماع عليه. ولا ريب في ضعفه جدّاً.
وبهذه الأدلّة يقيّد ما أطلق فيه عليهم الكفر.
و الأظهر عند المصنّف تبعاً للمفيد
وابن سعيدأنّه لا يشترط
الإيمان في الزوج أيضاً لكنّه يستحبّ مطلقاً ويتأكّد
الاستحباب في المؤمنة أمّا الاستحباب فلشبهة أدلّة المنع؛ وأمّا الجواز فللأصل، والعمومات، وخصوص النصوص المستفيضة:
منها الصحيح: عن جمهور الناس، فقال: «هم اليوم أهل هدنة، تُردّ ضالّتهم، وتؤدّى أماناتهم، وتُحقَن دماؤهم، وتجوز مناكحتهم وموارثتهم»
.
ومنها الحسن: «
الإسلام: ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء»
.
والخبران، في أحدهما: «الإسلام:
شهادة أن لا إله إلاّ الله، والتصديق
برسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكحة والمواريث، وعلى ظاهره عامّة الناس»
ونحوه الثاني
. وليس فيها كما ترى مع قصور أسانيد أكثرها صريحٌ بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف، وغايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس؛ لتصريح الأخبار المتقدّمة بالمنع من الأول، فتعارض الأخبار تعارض العموم والخصوص، واللازم حمل الأول على الثاني.
نعم، في الصحيح: بِمَ يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته؟ وبِمَ يحرم دمه؟ فقال: «يحرم دمه بالإسلام إذا أظهر، وتحلّ مناكحته وموارثته»
.
وهو غير قابل للتخصيص من هذا الوجه، إلاّ أنّ «الإسلام» فيه وفي الحسن السابق يحتمل المعنى الأخصّ، المرادف للإيمان بالمعنى المصطلح.
ويحتملان كباقي الروايات الضرورة من
تقيّة وغيره، كما أشعر بها الصحيح السابق.
أو أنّ المراد بـ: «جواز مناكحتهم» مناكحة بعضهم في بعض.
ومع جريان هذه الاحتمالات فيها، كيف يمكن صرف ظواهر المستفيضة المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، والإجماعات المنقولة، وقوّة الدلالة من وجوه عديدة، الناشئ بعضها عن التعليلات الواردة فيها، الموافقة للاعتبارات العقليّة؟!
وحيث إنّ المصنّف اكتفى بالإسلام، الذي هو الإقرار بالشهادتين، وربما كان يتوهّم شموله لمطلق من صدر عنه
الإقرار بهما، أراد إخراج من أجمع على كفره وإن صدر عنه ذلك، فقال: نعم، لا يصحّ
نكاح الناصب ولا الناصبة لعداوة
أهل البيت: لكفرهم إجماعاً؛ لإنكارهم الضروريّ من
الدين، فيشملهما عموم أدلّة المنع من مناكحة الكفّار.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة، كالصحيح: «لا يتزوّج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك»
ونحوه الصحيح في منع المؤمنة عن التزويج بالناصب
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۲۸۳-۲۸۹.