الافتراء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي بمعنى
الكذب المفسد .
الافتراء- لغةً-:
الكذب أو العظيم من الكذب، وافترى الكذب بمعنى اختلقه، وقد تكون
الفرية بمعنى
القذف أيضاً.
أنّ الكذب قد يقع على سبيل
الإفساد ، وقد يكون على سبيل
الإصلاح كالكذب للإصلاح بين المتخاصمين، أمّا الإفتراء فإنّ
استعماله لا يكون إلّا في الإفساد، فيكون أخصّ من الكذب.
والكذب يطلق على
الإخبار على خلاف الواقع، وإن تخيّل المخبر أنّه واقع.
أمّا الافتراء فقد اخذ فيه علم المفتري بأنّه كذب، وقد ذكر بعض اللغويين أنّ الأصل في الافتراء القطع ثمّ استعير للكذب مع
العمد .
وذكر فرق آخر أيضاً وهو: إنّ الافتراء الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنّه قد يكون في حق المتكلّم نفسه، ولذا يقال لمن قال (فعلت كذا) مع عدم صدقه: أنّه كاذب، ولا يقال: إنّه مفترٍ.
وليس لدى
الفقهاء معنى خاصاً للافتراء، وإنّما استعملوه في نفس المعنى اللغوي.
نعم، يطلقونه على القذف ويعبّرون عنه بالفرية.
وهو الكذب،
أو أسوأ الكذب وأبلغه، وقيل: هو
البهتان .
ويترادفان- أي
الإفك والافتراء- على تقدير أن يكون معناهما معاً مطلق الكذب أو أبلغه.
وهو من البهت بمعنى الكذب، والافتراء، ويأتي بمعنى
الحيرة والتعجّب ،
يقال: بهت الرجل يبهته بهتاً: قال عليه ما لم يفعله.
والبهتان:
الباطل الذي يتحيّر من بطلانه، وهو من البهت أي التحيّر.
وبُهِت الخصم: استولَت عليه الحجّة، وفي التنزيل العزيز: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ»
أي انقطع وسكت متحيّراً.
ويقصد به في الاصطلاح ذكر الإنسان بما يسوؤه في غيبته مع أنّ
العيب غير موجود فيه،
كما في
الرواية عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّة
لأبي ذر قال: «... اعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد أغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه».
والنسبة بينه وبين الافتراء أنّ الافتراء أعم منه، وذكر بعضهم في وجه الأعمية أنّ البهتان هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه
المكابرة ، بخلاف الافتراء الذي هو الكذب في حقّ الغير سواء واجهه به أم لم يواجهه.
تعرّض
الفقهاء للافتراء في مواضع متعدّدة من
الفقه كصلاة الجماعة والصوم والحدود .
ويمكن تصنيف حديث الفقهاء عن الافتراء ضمن حالات ثلاث:
من الواضح أنّ الافتراء من
المحرمات الكبيرة، فيكون منافياً
للعدالة التي هي شرط في
إمامة الجماعة وغيرها.
وقد استدلّ عليه بقوله سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ»،
فجعل الكاذب المفتري غير مؤمن بآيات اللَّه كافراً بها.
وتدلّ عليه
الروايات الكثيرة أيضاً.
بل حيث إنّه نوع خاصّ من الكذب فيدلّ على حرمته الأدلّة الدالّة على
حرمة الكذب، وهي كثيرة.
وقد عدّ
العلّامة الحلّي ممّا نصّ
الشارع على تحريمه عيناً الكذب على
المؤمنين .
وقال الشيخ
كاشف الغطاء : «يحرم الكذب عليهم (أي على المؤمنين) حرمة مضافة إلى حرمة أصل الكذب؛ لتضاعف
الوزر بتضاعف القدر».
وانطلاقاً ممّا ذكره الشيخ كاشف الغطاء، يحرم الافتراء على اللَّه
ورسوله والأئمّة المعصومين عليهم السلام، بل هو من الكبائر.
قال
الشيخ المفيد : «الكذب على اللَّه عزوجلّ وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك الكذب على أئمّة الهدى عليهم السلام، فهذه كبائر».
وكذلك عدّ السيّد
بحر العلوم ذلك من الكبائر؛
مستدلّاً بقوله سبحانه وتعالى: «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ».
وبقوله عزّوجلّ: «قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَايُفْلِحُونَ• مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ».
وقد استدلّ عليه أيضاً برواية
أبي خديجة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من قال
عليَّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار»».
وإضافةً إلى تحريم الكذب عليهم، اختلف
الفقهاء في أنّ الافتراء على اللَّه ورسوله والأئمّة المعصومين عليهم السلام
مفطر للصوم أيضاً أم لا؟
ذهب بعضهم إلى أنّه مفطر،
وذهب آخرون إلى أنّه غير مفطر، وأنّه موجب- فقط- لنقص
الثواب ،
وحرام في نفسه.
وتجدر الإشارة إلى أنّه لم تعيّن
عقوبة محدّدة في
الشرع للافتراء على الناس أو
المؤمنين أو
المعصومين عليهم السلام، من هنا ذكروا أنّ المتعيّن فيه
التعزير ؛ لأنّ كل
معصية لا
حدّ فيها يثبت فيها التعزير.
وهو حرام؛ إذ
اتّهام أحد
بالزنا أو بما يوجب الحدّ من الكبائر التي ورد
الحديث عنها في
القرآن الكريم.
ويترتب عليه إقامة الحدّ على المفتري
القاذف .
نعم، ذكروا أنّ الافتراء على
أهل الذمة والكتاب لا يوجب الحدّ بل فيه التعزير؛
عملًا
برواية إسماعيل بن الفضل ، قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الافتراء على أهل الذمة وأهل الكتاب هل يجلد
المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال: «لا، ولكن يعزّر».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۶۰-۲۶۳.