الإحصان (شرطية التمكن من الوطء)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصان (توضيح) .
يعتبر في تحقّق
الإحصان أن يكون حال الزنا متمكّناً من قضاء وطره بالزوجة أو المملوكة وكونها في
اختياره مهما أراد، فلو كان حال الزنا بينهما
افتراق - بأن كان أحدهما مسجوناً أو غائباً أو نحو ذلك- فلا يرجم، بل يجلد. وهذا في الجملة ممّا لا خلاف فيه.
وتدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق أدلّة جلد الزاني- النصوص الخاصّة:
قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «المغيّب والمغيّبة ليس عليهما الرجم، إلّا أن يكون الرجل مع
المرأة والمرأة مع الرجل».
روى عن
أبي جعفر عليه السلام ، قال: قلت: ما المحصن رحمك اللَّه؟ قال: «من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن».
روى عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم، ويضرب حدّ الزاني»، قال: «وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرّة في بيته في المصر، وهو لا يصل إليها، فزنى في السجن، قال: عليه الحد، ويدرأ عنه الرجم».
ثمّ الظاهر من التمكّن هو التمكّن عرفاً، فيكون ذكر السجن والسفر والمرض ونحوها من باب المثال.
قال: «المحصن الذي يجب عليه الجلد ثمّ الرجم هو الذي له زوجة أو ملك يمين يستغنى بها عن غيرها ويتمكّن من وطئها، فإن كانت زوجته مريضة لا يصل إليها بنكاح أو صغيرة لا يوطأ مثلها أو محبوسة أو غائبة لم يكن محصناً بها».
قال في الخلاف: «الإحصان لا يثبت إلّا بأن يكون للرجل الحرّ فرج يغدو إليه ويروح متمكّناً من وطئه... ومتى لم يكن متمكّناً منه لم يكن محصناً، وذلك بأن يكون مسافراً عنها أو محبوساً أو لا يكون مخلّى بينه وبينها».
وقال في
الرياض : «يغدو عليه ويروح، أي يكون متمكّناً من وطئه متى أراد».
بل هو صريح جماعة منهم،
قال في
مجمع الفائدة : «والظاهر أن لا حدّ للغيبة، بل العرف، والتمكّن من الوصول إليه بسهولة كلّما أراد، ويحتمل الوصول إليه غدوة وعشيّةً».
نعم، الظاهر من بعضهم لزوم التمكّن في كلّ يوم غدواً ورواحاً، بحيث لو لم يتمكّن منه في أحدهما لم يرجم وإن صدق التمكّن عرفاً.
قال: «والمحصن عندنا من كان بالغاً كامل العقل، له فرج إمّا ملك يمين أو زوجة بعقد دوام، متمكّن من وطئه، يغدو إليه ويروح من يومه».
قال في شروط الإحصان: «سابعها: كونه متمكّناً منه غدواً ورواحاً، فلو كان بعيداً عنه لا يتمكّن منه فيهما- وإن تمكّن في أحدهما دون الآخر، أو فيما بينهما- أو محبوساً لا يتمكّن من الوصول إليه لم يكن محصناً».
وقد مرّ احتمال
المحقّق الأردبيلي له.
بل ظاهر إطلاق
ابن سعيد الحلّي في قوله: «وإن سافر أحد الزوجين أدنى ما يقصّر في مثله فزنى حدّ ولم يرجم»
كون الحكم كذلك حتى مع التمكّن عرفاً منه بالعود غدواً ورواحاً.
ومنشأ هذا الاختلاف هو
الاختلاف في تعابير النصوص، وفي كيفية
الاستفادة منها، ففي بعضها: «ما يغنيه»، كصحيح حريز قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المحصن، قال: فقال: «الذي يزني وعنده ما يغنيه».
وفي بعض آخر: «كون امرأة عنده يغلق عليها بابه»، كخبر أبي بصير، قال: «لا يكون محصناً إلّا أن يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه».
وفي بعض ثالث: (المعيّة)، كرواية محمّد ابن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «المغيّب والمغيّبة ليس عليهما رجم، إلّا أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل».
وفي بعض رابع: «يغدو عليه ويروح» كصحيحة إسماعيل بن جابر
السابقة. وفي رواية
عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: «إذا قصّر وأفطر فليس بمحصن».
فاستفاد جماعة منهم من مجموع الروايات أنّ المعتبر هو التمكّن العرفي، ولم يجمدوا على ظاهر الأخيرتين
ولو بقرينة سائر الأخبار. ولكن ظاهر الشهيد
الجمود على ظاهر صحيحة إسماعيل بن جابر، كما أنّ ظاهر ابن سعيد
الجمود على رواية ابن يزيد.
ثمّ الظاهر منهم عدم مانعية الأعذار الشرعية- كالحيض والصوم والإحرام- من تحقّق الإحصان، فإنّ هذه المسألة وإن كانت غير محرّرة في كلمات الفقهاء، إلّا أنّ سكوتهم عنها في مقام بيان جميع ما يشترط في الإحصان- خصوصاً فيما يكثر
ابتلاء الناس به كالمقام- كالصريح في عدم المانعيّة، وكأنّه من المسلّمات عندهم قديماً وحديثاً؛ ولذلك نسب السيّد المرتضى التفريق بين الحيض والغيبة في المقام إلى الفقهاء. قال قدس سره: «وفرّقوا بين الغيبة والحيض؛ لأنّ الحيض لا يمتدّ، وربّما امتدّت الغيبة، ولأنّه قد يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض، وليس كذلك الغائبة».
قال: «الظاهر عندنا هو أنّ الممنوعية بالعرض لا تمنع عن تحقّق الإحصان؛ وذلك لأنّ قوله عليه السلام: «من كان له فرج يغدو عليه ويروح»
يراد به أن يكون قد أعطاه اللَّه ما يقضي به وطره على ما قرّره الشارع وفي المواقع التي أباحه اللَّه تعالى فيها، فإذا كانت له زوجة دائمة يتمكّن من وطئها ولا مانع له عن ذلك، فهذا كافٍ في صدق الإحصان، فيرجم بالزنا وإن كان قد زنى حينما كان ممنوعاً شرعيّاً عن وطء زوجته لأجل الحيض مثلًا. وعلى الجملة، فالحيض أو الصوم أو الإحرام لا يمنع تحقّق الإحصان وإجراء حدّ الرجم عليه».
قال قدس سره: «والحاصل
اعتبار كون الرجل عند امرأته في طرفي النهار حتى في يوم فجوره، بحيث لو كان في ليلة ضيفاً عند أحد فزنى في تلك الليلة أن لا يثبت له الرجم لعدم غدوّه على الفرج المملوك له فغير محتمل، ولا يساعده ظاهر ما تقدّم بحسب المتفاهم العرفي، ولذا قيّد في الجواهر بأنّه يغدو عليه ويروح إذا شاء. فلا يبعد أن يقال: مقتضى ملاحظة ما تقدّم من الروايات- مع ملاحظة المتعارف بين الرجال والنساء-
اعتبار كون الرجل متمكّناً من الوصول إلى زوجته أو مملوكته، وكونهما تحت اختياره أيضاً زمان فجوره عرفاً بأن لا يكون هو غائباً أو زوجته غائبة، بحيث لم يمكن له الوصول إليها إلّا بعد مدّةٍ من الزمان بأن يصدق عرفاً أنّه غائب عن أهله، وكذا فيما كان محبوساً، ومنه أيضاً ما إذا كانت زوجته مريضة بحيث لا يمكن له الاستمتاع منها عند ما هاجت به شهوته، ولذا يمكن التفرقة بين حيض المرأة ومرضها بالنحو المزبور حيث يمكن
الاستمتاع بها في الأوّل دون الثاني».
نعم، من استظهر من النصوص اعتبار التمكّن بالفعل بأن لا يكون هناك أيّ مانع من مقاربتها مطلقاً، فلا إحصان عنده مع الموانع الشرعية أيضاً.وكيف كان مع الشكّ في أنّ المراد من النصوص هذا أو ذاك فالمرجع فيه إطلاق الآية في تعلّق الجلد.نعم لو كان المانع الشرعي بحيث يمنع عن الوطء أبداً- كما إذا وطأ زوجته الصغيرة فأفضاها- فإنّه لا يثبت معه الإحصان؛ لأنّ من شرطه التمكّن من الوطء وهو مفقود هنا؛ لمكان الحرمة الأبديّة، بل في الحقيقة أنّه لا يملك فرجاً كما صرّح به بعضهم،
وقد مرّت عبارة
الشيخ التبريزي في المرض إذا كان بهذه المثابة.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۱۲۳- ۱۲۷.