الإكتساب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
السعي في طلب الرزق واكتساب المال.
من كسب واكتسب، أي طلب الرزق والمعيشة، واكتسب المال: ربحه.
والمكاسب: جمع مكسب، وهو مفعل من الكسب، إما مصدر ميمي بمعنى الكسب أو التكسّب، أو اسم مكان من الكسب.
وذكر بعضهم أنّها بمعنى ما يكسب ويكتسب، لا ما يكتسب به.
واستعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي.
وهو ما يتحرّاه
الإنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ ككسب المال.
والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره؛ ولهذا قد يتعدّى إلى مفعولين، فيقال: كسبتُ فلاناً كذا، والاكتساب لا يقال إلّا فيما استفدته لنفسك، فكلّ اكتساب كسب وليس كلّ كسب اكتساباً.
وقال
سيبويه : كسب: أصاب، واكتسب:
تصرّف واجتهد.
ففي الاكتساب مزيد إعمال وتصرّف؛ ولهذا خصّ في قوله سبحانه وتعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»
بالسيّئات، دلالةً على أنّ العبد لا يؤاخذ من السيّئات إلّا بما عقد الهمّة عليه وربط القلب به، بخلاف الخير، فإنّه يثاب عليه كيفما صدر منه.
من احترف، أي اتّخذ
حرفة، وهي الصناعة وجهة الكسب.
وقد تقدّم أنّه من باب الافتعال وفيه معنى الطلب، فهو بمعنى طلب حرفة للمكسب واتّخاذها.
وقيل: إنّه الاكتساب أيّاً كان، سواء باتخاذ حرفة أم بغيره.
وقد يميّز بينهما بأنّ الاحتراف من وسائل الاكتساب، فقد يكتسب الإنسان بحرفة النجارة، وقد يكتسب بلا حرفة، فيكون الاكتساب أعمّ.
وبهذا يظهر الفرق بين الاكتساب والعمل؛ لأنّه من وسائل الاكتساب، كما أنّه أعم من جهة؛ إذ ليس كلّ عمل اكتساباً أو مقدّمة له.
وهي انتقال شيء
مملوك من شخص إلى آخر بعوض مقدّر على جهة التراضي،
أو أنّها خصوص
البيع والشراء،
أو يكون ذلك لغرض الربح.
وعلى هذا فهي أخصّ
عرفاً من الاكتساب؛ لشموله لغير البيع ونقل الأموال عبر ثمن ومثمن.
وقع الكلام بين
الفقهاء في حكم الاكتساب والتجارة تكليفاً، وأنّه يقع
محرّماً ومكروهاً ومباحاً ، أو يضاف كذلك
الوجوب والاستحباب ، وأنّ مورد القسمة في الثلاثة ما يكتسب به، ومورد الخمسة الاكتساب، وأنّ الاكتساب- الذي هو فعل
المكلّف - من شأنه أن يقبل الأقسام الخمسة،
وبيان ذلك
إجمالًا كما يلي:
ذهب الفقهاء إلى وجوب الاكتساب في موارد:
يجب الاكتساب لتحصيل المؤنة الواجبة للمكلّف نفسه ولعياله الواجبي
النفقة عليه، من
الزوجة والولد والوالد ، أو بعض
النفوس المحترمة ، أو لبعض الامور الملتزمة، إلى غير ذلك من الواجبات الموقوفة عليه، ولا وجه له من مال أو
استعفاء أو تخلّص بطلاق ونحوه يدفع به الواجب عن نفسه سوى الاكتساب والمتجر.
قال
العلّامة الحلّي : «إنّ التكسّب واجب إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه وقوت من تجب نفقته عليه، ولا وجه له سواه».
وقال
المحقّق النراقي : «قد يجب إن اضطرّ إليه في إبقاء مهجته ومهجة عياله ومن يجري مجراها...».
وتدلّ عليه جملة من الأخبار:
منها: رواية
علي بن غراب عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال [[|رسول الله]] صلى الله عليه وآله وسلم:
ملعون مَن ألقى كَلّه على الناس».
ومنها: قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ملعون ملعون مَن يُضيّع مَن يعول».
ومنها: ما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام:
«كفى بالمرء
إثماً أن يضيّع مَن يعول».
ومنها: رواية
علي بن عبد العزيز ، قال: قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام «ما فعل
عمر بن مسلم ؟» قلت: جعلت فداك، أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: «ويحه! أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له...».
ومنها: رواية
أيّوب أخي
أديم بياع الهروي ، قال: كنّا جلوساً عند
أبي عبد الله عليه السلام إذ أقبل العلاء بن كامل فجلس قدّام أبي عبد اللَّه عليه السلام فقال: ادع اللَّه
[۱۸] أن يرزقني في دعة، قال: «لا أدعو لك، اطلب كما أمرك اللَّه عزّوجلّ».
ذهب جملة من الفقهاء إلى وجوب التكسّب على المدين المعسر لأداء الدين،
وإن نسب إلى المشهور القول بعدم وجوبه.
قال
الشهيد الأوّل : «يجب التكسّب لقضاء
الدين على الأقوى بما يليق بالمديون، ولو كان إجارة نفسه، وعليه تحمل الرواية عن
علي عليه السلام».
وقال
المحقّق النراقي : «إنّ قضاء الدين على كلّ متمكّن منه واجب، والقادر على العمل والتكسّب متمكّن، فيجب عليه، ولازمه وجوب العمل والكسب من باب المقدّمة».
ومنه مطلق
التجارة من الاكتسابات التي يتم بها نظام النوع الإنساني؛ فإنّ ذلك من
الواجبات الكفائية وإن زاد على المؤونة، وقد يعرضها
الوجوب العيني إذا انحصر من يقوم بها بشخص خاص، فإنّ الصنائع التي تجب لم يتعلّق الأمر بها ابتداءً بحيث تكون واجبات نفسية، بل إنّما تجب لحفظ النظام.
يجب الاكتساب لتحصيل المكنة لأداء
الواجب المطلق الذي تحقّقت تمام شروط وجوبه
كالحجّ بعد فقد الاستطاعة مع التقصير، والماء
للطهارة ، والساتر للعورة، ونحوها، كما ذكر ذلك بعض الفقهاء.
التكسّب وتحصيل المعيشة محبوب عند اللَّه تعالى، وقد رغّب
الشرع إليه أكمل ترغيب، وحثّ عليه بأبلغ ما أمكنه، خصوصاً فيما إذا كان للتوسعة في المعاش فإنّه يستحبّ بلا خلاف ظاهر.
وكذا فعل الخيرات والمبرّات، ونفع
المؤمنين ومطلق المحوجين، وإعانة من لا تجب عليه نفقته، أو غير ذلك من الامور الراجحة ما لم تصل إلى حدّ الوجوب، بأن تكون مع حصول قدر الحاجة الموجبة بغيره.
وكذلك تحصيل ما يتوقّف عليه من العبادات المستحبّة
كالصدقة ،
والحجّ المستحبّ،
والعتق ، وبناء
المساجد والمدارس ونحوها.
وذلك لما ورد في الأخبار المستفيضة:
منها: رواية
موسى بن بكر ، قال: قال لي
أبو الحسن موسى عليه السلام: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله، كان
كالمجاهد في سبيل اللَّه...».
ومنها: ما رواه عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: قال رجل لأبي عبد اللَّه عليه السلام: واللَّه، إنّا لنطلب الدنيا، ونحبّ أن نؤتاها، فقال: «تحبّ أن تصنع بها ماذا؟» قال:
أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدق بها، وأحجّ وأعتمر، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة».
إلى غيرهما من الروايات،
وهو ما اشتمل على وجه نهى
الشارع عنه نهي تنزيه علم من طريق
العقل أو النقل، إلّاإذا وجب عيناً أو كفاية أو تخييراً، فإنّه لا كراهة فيه كما تقتضيه القواعد في الحسن والقبح. ومعنى كراهيتها رجحان تركها مطلقاً.
الفقهية، ج۱۶، ص۲۰۳-۲۰۷