الاستقبال (المراد بالقبلة)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستقبال (توضيح) .
لا خلاف بين الفقهاء بل ادّعى بعضهم
الاتّفاق على أنّه ليس المراد من
القبلة خصوص بناء
الكعبة المشرّفة، بل محلّها وجهتها من تخوم
الأرض إلى عنان السماء،
بل على ذلك ضرورة
الدين، ولذا لا تصحّ الصلاة إلى بنائها لو نقل إلى مكان آخر،
بينما تصحّ إلى جهتها حتى لو انهدم بناؤها وزال أثرها،
وكذا تصحّ صلاة الواقف على
جبل مرتفع أو
بئر منخفض إذا كانت صلاته تجاهها.
ويدلّ
عليه قول
الإمام الصادق عليه السلام: «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا».
وقوله عليه السلام أيضاً في رواية
عبد اللَّه بن سنان : «إنّها قبلة من موضعها إلى السماء».
إلّاأنّه وقع البحث في أنّ الكعبة هل هي قبلة للداني والنائي كما هو مختار جملة من الفقهاء
بل نسب ذلك إلى المشهور،
أم أنّها قبلة لمن كان في
المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان خارجه،
والحرم قبلة لمن كان خارج الحرم كما صرّح به جماعة،
ونسبه بعضهم إلى الأكثر
وآخر إلى المشهور،
بل ادّعى
الشيخ عليه
الإجماع .
واستدلّ للأوّل بروايات مستفيضة
بل متواترة،
حيث وصفها بالمتظافرة.
منها: ما رواه عبد اللَّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ للَّه عزّوجلّ حرمات ثلاثاً... وبيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجّهاً إلى غيره...».
واستدلّ
للثاني بمرسلة
الحجال عنه عليه السلام أيضاً قال: «إنّ اللَّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا».
وقد حاول بعضهم الجمع بين الاتّجاهين
بإرجاع الثاني إلى الأوّل، خصوصاً مع اشتراكهما في أنّ قبلة النائي الجهة، فيكون التأكيد في القول الثاني على أنّ المسجد قبلة لمن كان خارج المسجد، والحرم قبلة لمن كان خارجه؛ لوقوع القبلة بهذا الاتّجاه.
لكن هذه المحاولة لا يساعد عليها ما ذكره الشيخ الطوسي من أنّ الكعبة قبلة لمن كان في
المسجد الحرام ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم، والحرم قبلة لمن كان خارجاً عنه، ثمّ قال: «وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: القبلة الكعبة لا غير، ثمّ اختلفوا فمنهم من قال: كلّف
الإنسان التوجّه إلى عين الكعبة، ومنهم من قال: إلى الجهة التي فيها الكعبة، وكلا القولين لأصحاب
الشافعي ».
وعلى أيّ حال، فقد اختلف أصحاب الرأي الأوّل اختلافاً كبيراً في المقصود من الجهة التي يتوجّه إليها المكلّف في صلاته،
إلّاأنّ كلّ ما ذكروه لا يكاد يسلم من الخلل، وهو في نفس الوقت قليل الجدوى؛ لاتّفاقهم على أنّ فرض البعيد استعمال العلامات المقرّرة والتوجّه إلى السمت الذي تشير إليه هذه العلامات حال استعمالها.
ولابدّ من
الإشارة إلى ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ الأرض لمّا كانت كرويّة فكثيراً ما لا يمكن أن يكون بين المصلّي والكعبة خط مستقيم، بل خطّ منحني، والمقياس في
الاستقبال حينئذٍ أن يختار أقصر خطّ من الخطوط المنحنية بينه وبين القبلة، فمن كان يبعد عن الكعبة ويقع في شمالها على نحو تفصله عنها مسافة بقدر ربع محيط الكرة الأرضية، مثلًا إذا وقف إلى جهة الجنوب كان مستقبلًا، وإذا وقف إلى جهة الشمال لم يكن مستقبلًا؛ لأنّ الخطّ المنحني الذي يفصله عن الكعبة في الحالة الاولى يساوي ربع محيط الكرة، والخطّ المنحني الذي يفصله عن الكعبة في الحالة الثانية يساوي ثلاثة أرباع المحيط، فالخطّ الأوّل أقصر، وبه يتحقّق الاستقبال.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۱۲۲-۱۲۵.