التحري لطلب الماء قبل التيمم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
حكم الشارع بلزوم فحص المسافر- الذي لا يجد ماء في رحله- في جوانبه عن الماء بمقدار غلوة سهم أو سهمين، رعايةً للطّهارة المائيّة.
وتوضيحه على
الإجمال : أنّ المسافر الذي لا يجد الماء في أوّل الوقت في رحله، حيث يجب عليه الصلاة مع الطهارة المائيّة- مع الإمكان- فمقتضى القاعدة أنّه لا يجوز له الصلاة متيمّماً إلّا مع صدق عدم وجدان الماء، وهذا لا يصدق إلّا بطلب الماء في جميع الجوانب والصبر كذلك إلى أن يضيق الوقت؛ لأنّ الواجب إنّما هو طبيعة الصلاة بالطهارة المائيّة بين الحدّين- أي الزوال والمغرب- وهذا هو
الاحتياط والتحرّي للقطع بإحراز امتثال المأمور به.
ولكن عدل عنه فقهاؤنا- تبعاً للنصوص- فحكموا بكفاية الفحص في الجوانب المحتملة بقدر غلوة سهم في
الأرض الحزنة وسهمين في السهلة، وإن كان في لزوم الصبر إلى آخر الوقت أو جواز البدار خلاف.
قال
الشيخ المفيد قدس سره: «ومن فقد الماء فلا يتيمّم... ثمّ يطلبه (أي الماء) أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كانت الأرض سهلة، وإن كانت حزنة طلبه في كلّ جهة مقدار رمية سهم، فإن لم يجده تيمّم في آخر أوقات الصلاة عند
الإياس منه».
قال
الشيخ الطوسي قدس سره: «فإن لم يتمكّن من ذلك أخّر الصلاة إلى أن يجد ماءً فيتوضّأ أو تراباً فيتيمّم، ولا يجوز التيمّم إلّا في آخر الوقت وعند الخوف من فوت الصلاة... والطلب واجبٌ قبل تضيّق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف».
ومستند التحديد المزبور رواية
السكوني عن
جعفر عن أبيه عن
عليّ عليه السلام قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة، وإن كانت سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر من ذلك».
ولكن
المحقّق الحلّي قدس سره لم يحكم بهذا المضمون في المعتبر؛ لضعف رواية السكوني عنده، ولرواية
زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت»؛
حيث لم يتعرّض فيه للتحديد المزبور (أي الغلوة والغلوتين). قال في
المعتبر : «والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني وهو ضعيف غير أنّ الجماعة عملوا بها. والوجه أنّه يطلب من كل جهة يرجى فيها
الإصابة ولا يكلّف التباعد بما يشقّ، ورواية زرارة تدلّ أنّه يطلب دائماً ما دام الوقت حتّى يخشى الفوات، وهو حسن والرواية به واضحة السند والمعنى».
لكن رواية السكوني- كما صرّح به المحقّق نفسه- قد عمل بها الأصحاب، مضافاً إلى وثاقته، فلا محذور في العمل به، ولذلك أفتى بمضمونها الأصحاب، بل وحتّى المحقّق قدس سره في
الشرائع قائلًا: «ويجب عنده الطلب، فيضرب غلوة سهمين في كل جهة من جهاته الأربع إن كانت الأرض سهلة، وغلوة سهم إن كانت حزنة».
وقال
السيد الحكيم قدس سره: «وإن احتمل وجوده (أي الماء) في الفلاة وجب عليه الطلب فيها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة في الجهات الأربع إن احتمل وجوده في كل واحد منها...». وقال أيضاً: «إذا طلب الماء فلم يجد فتيمّم وصلّى، ثمّ تبيّن وجوده في محلّ الطلب من الرمية أو الرميتين أو الرّحل، أو القافلة صحّت صلاته، ولا تجب
الإعادة ولا القضاء»،
نعم، احتاط بعضهم لزوماً بالإعادة دون القضاء كالسيد الخوئي والشهيد الصدر،
ولعلّه لرواية زرارة الماضية. كلّ ذلك إذا لم يعلم المكلّف وجود الماء خارج الفلاة بما يتمكّن من الوصول إليه، وإلّا فيجب عليه الخروج للطلب ولو تعدّى السهمين؛ وذلك لأنّه واجد للماء حينئذٍ فيجب عليه الوضوء.
قال السيد الحكيم: «إذا علم بوجود الماء في خارج الحدّ المذكور وجب عليه السّعي إليه- وإن بَعُد- إلّا أن يلزم منه مشقّة عظيمة».
وأضاف إليه
الشهيد الصدر في تعليقته على هذه المسألة: «أو يكون الماء بعيداً بدرجة لا يصدق معها الوجدان».
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۱۹۰- ۱۹۲.