السهو في الصلاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(و) اعلم في مباحث
الشك في الصلاة : أنه (لا
سهو ) ولا حكم له (على من كثر سهوه) بلا خلاف أجده، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة، ففي الصحيح وغيره : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك»
وزيد في الأول : «فإنه يوشك أن يدعك
الشيطان ».
وهل المراد بالسهو فيهما وفي غيرهما من الفتاوي خصوص الشك، كما عن صريح المعتبر وظاهر الفاضل في
التذكرة والنهاية والمنتهى
؟
أو ما يعمّه والسهو بالمعنى المقابل له، كما في صريح
الروضة وروض الجنان،
وعن ظاهر جماعة
؟
وجهان، بل قولان :
من عموم ما دلّ على لزوم
الإتيان بمتعلق السهو وموجبه، مع سلامته عن معارضة هذه النصوص؛ لاختصاص جملة منها بالشك، والاتفاق على إرادته من لفظ السهو فيما عداها. وإرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي، وهو أمر مرغوب عنه عند المحققين.
وارتكاب عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص، ولم نجدها، والاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص.
وبالجملة : الاتفاق على إرادة الشك في الجملة، أما أنها على الخصوص أو من حيث العموم، فأمر غير معلوم، واحتماله لا يوجب الخروج عن العموم المتقدم المقطوع، سيّما مع كونه مرجوحا، لاتفاق المعمّم صريحا بل مطلقا ـ كما قيل
ـ على بطلان الصلاة بالسهو عن
الركن مطلقا، ووجوب تدارك غيره فيها أو بعدها كذلك، فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو له كما صرّح به أيضا، وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا، مع أنّ الموجود في الصحيح وغيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة، وهو غير مناف لوجوب السجدتين بعدها، فكيف يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.
ومن قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك، وله بالمعنى الأخص؛ لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة؛ فهو الدليل عليه، ولا وجه لمنعه.
والحكم بوجوب تدارك المسهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص نفي السهو؛ إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه، وإنما السبب عموم أدلته، وسببية السهو ليست إلاّ بالنسبة إلى سجود السهو، فلا يجب مع الكثرة وليس فيه تخصيص بالمرة.
بالجملة : المراد من السهو المنفي موجبه، وليس إلاّ خصوص سجود السهو، وإلاّ فالمسهوّ عنه ما وجب أداء وتداركا إلاّ بعموم أدلة لزوم فعله، وكذا فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.
فهذا القول أقوى وإن كان الأول أحوط (وأولى).
وحيث تعيّن
الشك أو كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقض أو تدارك أو سجود سهو؟ أو ما يعمّه وغيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز المحل، أو في النافلة، أو مع رجحان الطرف في الأخيرتين أو مطلقا ثمَّ شك شكا يترتب عليه حكم لسقط؟
وجهان، بل قيل : قولان،
ولعل الأجود : الأول كما اخترناه في الشرح، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم حكم الشك على المتيقن من النص، وليس إلاّ الشك الكثير الذي له حكم.
(و) كذا (لا) حكم للسهو (على من سها في سهو) بلا خلاف؛ للصحيح : «ليس على الإمام سهو، ولا على من خلف الإمام سهو، ولا على السهو سهو، ولا على
الإعادة إعادة».
ولكن في العبارة إجمال؛ لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين معناه المعروف خاصة، أو الشك كذلك، أو الأول في الأول والثاني في الثاني، أو بالعكس.
وعلى التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف، وحذفه من الموجب بالفتح، فالصور ثمان.
وظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من النص أجمع.
وهو مشكل؛ لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها، والخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل.
هذا، مع ظهور سياق النص والعبارة ـ كغيرها ـ في كون المراد من السهو في المقامين هو المعنى الثاني، وربما يظهر من الفاضل وغيره عدم الخلاف فيه، وأن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو الشك نفسه أو موجبة بالفتح.
قال في
المنتهى : ومعنى قول الفقهاء : لا سهو في السهو، أي لا حكم للسهو في
الاحتياط الذي يوجبه السهو، كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه يصلي ركعتين احتياطا، فلو سها فيهما ولم يدر صلّى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك. وقيل : معناه أنّ من سها فلم يدر سها أم لا لم يعتدّ به ولا يجب عليه شيء، والأول أقرب.
وأظهر منه كلام
التنقيح ، فإنه قال بعد نقل العبارة : وله تفسيران، الأول : أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط وسجود السهو. الثاني : أن يشك هل شك أم لا، قال : وكلا هما لا حكم له، ويبني في الأول على الأكثر، لأنه فرضه.
ونقلهما في أمثال ذلك حجّة، وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا، لما مضى. وعليه فيندفع أكثر وجوه
الإجمال ويبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين.
ولا ريب في مطابقة الثاني لمقتضي الأصل فلا يحتاج إلى النص وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه. وإنما المحتاج إليه إنما هو الأول؛ لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، ولا يتم إلاّ مع عدم الشك؛ مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا، فتأمل.
وحيث إن النص يحتمله والثاني، لا يمكن التمسك به لإثباته، إلاّ أن يرجح إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو، بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له، وليس إلاّ على تقدير التفسير الأول.
مع اعتضاده بما في المعتبر والمنتهى وغير هما
من الاعتبار، وهو أنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا ولا يتخلص من ورطة السهو؛ ولأنه حرج فيسقط اعتباره؛ ولأنه شرّع لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.
وممّا ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين، كما هو ظاهر كلام التنقيح المتقدم، وهو لازم لكل من اختار التفسير الأول، لموافقة الثاني للأصل.
والمتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم الفساد، وإلاّ فعلى المصحّح، كما مرّ في كثير الشك، وبه صرّح جمع؛
لمقتضى التعليلات المتقدمة.
خلافا لنادر من متأخري المتأخرين،
فاحتمل البناء على الأقل، وهو ضعيف.
رياض المسائل، ج۴، ص۱۴۷-۱۵۰ و ۱۵۲-۱۵۴.