الشاهد في الشهادة بالملك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قيل يكفي في
الشهادة بالملك مشاهدته يتصرف فيه، وبه
رواية، والأولى
الشهادة بالتصرف لأنه دلالة الملك وليس بملك؛ الثانية: يجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرفه المتبايعان.
قد مرّ جواز الشهادة بالملك بالاستفاضة، وهل يفتقر إلى مشاهدة اليد والتصرف معها إن لم تفد العلم بالملكية؟ قولان، يبتنيان على الخلاف المتقدم في اشتراط إفادتها
العلم في الشهادة على الملك بها، أم لا، فيفتقر إلى الضميمة على الأوّل، ولا على الثاني.
ولا إشكال في الاكتفاء بها من دون الضميمة إذا أفادت العلم، كما لا إشكال في جواز
الشهادة بها مع ضميمة الأمرين مطلقاً، بل ولا خلاف فيه أيضاً على الظاهر، المصرَّح به في
الكفاية، بل في
التنقيح والمسالك دعوى الوفاق عليه، وهو الحجة، المعتضدة بما سيأتي من الأدلة على كفاية الضميمة وحدها في الشهادة على الملكية، فمع الاستفاضة أولى.
وبالجملة: فلا إشكال ولا خلاف يعتدّ به في شيء من ذلك، وإنّما هو في الاكتفاء بالضميمة إذا لم تكن للعلم بالملكية مفيدة.
فقيل: إنّه يكفي في جواز
الشهادة بالملك مشاهدته أي مشاهدة الشاهد لذي اليد يتصرف فيه مكرّراً بنحو من البناء
والهدم والإجارة وغيرها بلا منازع.
والقائل هو
شيخ في
الخلاف والحلبي والقاضي والحلّي
، وهو ظاهر
الكليني والصدوق حيث رويا في
الكافي والفقيه ما يدل عليه من غير معارض، مع أنّ الثاني قال في صدر كتابه: إنّه لا يروي فيه إلاّ ما يفتي به ويحكم بصحته
. وعليه عامّة المتأخرين، مدّعياً جملة منهم
الشهرة المطلقة عليه
.
ويظهر من
الماتن في
الشرائع عدم الخلاف فيه؛ فإنّه قال: لا ريب أنّ المتصرف بالبناء والهدم والإجارة بغير منازع يشهد له بالملك المطلق، أمّا من في يده دار فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد، وهل يشهد له بالملك؟ قيل: نعم، وهو المروي، وفيه إشكال
. إلى آخر ما ذكره. وذلك لتخصيصه نقل الخلاف باليد الغير المتصرفة، معرباً عن عدمه فيها.
ونحوه غيره
، ونسبه في
المبسوط إلى روايات الأصحاب
، مشعراً بدعوى الإجماع عليه، وبه صرّح في الخلاف
، وهو
الحجة.
ومع ذلك وردت به رواية قصور سندها أو ضعفها منجبر برواية المشايخ الثلاثة لها معتمدين عليها، وبالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل
إجماع في الحقيقة كما عرفت حكايته. وفيها: عن رجل رأى في يد رجل شيئاً أيجوز له أن يشهد أنّه له؟ قال: «نعم» قلت: فلعلّه لغيره، قال: «ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك: هو لي، وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك (من) قِبَلِه، ولو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق»
.
وقريب منها الصحيح المروي في
الوسائل عن
علي بن إبراهيم في تفسيره في
حديث فدك: «إنّ
أمير المؤمنين (علیهالسّلام) قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟! قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وبعده، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟!»
الخبر. ولو لا أنّ لليد أثراً في إفادة الملك لما كان لذكره وجه، فتدبّر.
وقريب منها النصوص الكثيرة الواردة في تعارض البيّنات الدالة على ترجيح بيّنة ذي اليد أو الخارج
.
إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في دلالة اليد على
الملكية، وهي على تقدير تسليم عدم وضوح دلالتها على ذلك فلا ريب في كونها مؤيّدات قويّة للرواية.
مضافاً إلى قوتها بما مضى من حكاية الإجماع المتقدمة والشهرة العظيمة، بل لم أقف على مخالف لها، عدا ما يستفاد من
الأصحاب من كونه قولاً، ولكن لم يسمّوا له قائلاً، ولعلّهم أخذوه من المبسوط حيث نقله من دون تصريح بكونه منّا
، وربما نسب إليه جماعة
التردّد في المسألة، حيث حكى القولين فيه من غير ترجيح، لكن سياق عبارته ومنه نسبته القول الأوّل إلى روايات الأصحاب ربما يشعر بتقويته الأوّل، وبذلك صرّح
الفاضل في
المختلف.
وبالجملة: المخالف منّا غير معلوم عدا الماتن هنا حيث قال: والأولى الشهادة بالتصرف دون الملكية لأنّه أي التصرف دلالة على الملك، وليس بملك.
وفي التعليل ما لا يخفى؛ إذ بعد تسليم الدلالة على الملكية لا وجه للمنع من الشهادة به عليها، وإن هو حينئذ إلاّ كالاستفاضة، فكما تجوز الشهادة على الملكية بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة دونها، فكذا هنا، ولعلّه لذا قطع بجواز الشهادة على الملكية بالتصرف في الشرائع، وإنّما استشكل في جوازها بمجرد
اليد الخالية عنه، قائلاً: إنّه من حيث إنّ اليد لو أوجب الملك لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال: ملك هذا لي
.
وهذا كسابقه في الضعف جدّاً؛ لورود النقض عليه أوّلاً بالتصرف مع عدم خلاف المعارض فيه.
وثانياً بالحل، بأنّ دلالة اليد ظاهرة، والإقرار بالملك قاطع، والصرف عن الظاهر بقرينة جائز بخلاف القاطع والقرينة هنا موجودة، وهي ادّعاؤه بها، والمفروض أنّ
الظن كاف في الشهادة، كما يشير إليه جواز الشهادة بالتصرف الذي غايته إفادة المظنة، ويكفي في الظن دلالة اليد الظاهرة بلا شبهة.
وعلّل المنع في كل من اليد والتصرف أيضاً زيادةً على ما مرّ في كلامه بحصول كل منهما من غير المالك
كالوكيل والمستأجر والغاصب والموصى له بالمنفعة وغيرهم.
ونصر هذا التعليل
المولى الأردبيلي وصاحب الكفاية، فقال بعد ذكر استدلال الشيخ والجماعة على جواز الشهادة على الملكية باليد المتصرفة من قضاء العادة بأنّ ذلك لا يكون إلاّ بالملك، وجواز شرائه منه، وأنّه متى حصل عند
المشتري جاز له دعوى الملكية، ولو ادّعي عليه فأنكر جاز له
الحلف ـ ما صورته:
وفيه إشكال؛ لأنّ العادة لا تقضي على وجه يوجب العلم، وجواز
الشراء لا يقتضي الحكم بملكية البائع قطعاً؛ لجواز الشراء من الوكيل والعاقد فضولاً والغاصب مع عدم العلم، ودعوى الملكية بعد الشراء لا تقتضي جواز الشهادة على ملكية البائع أوّلاً، وجواز الحلف على بعض الوجوه لا ينفع مطلقاً في محل المنع، ولو سلّم فغير دال على المطلوب
.
وفيه نظر: فإنّه إن أُريد بذكر الاحتمالات المزبورة في اليد والتصرف من كون كل منهما من الوكيل والمستأجر إنكار حصول المظنة بالملكية بهما، فهو مكابرة صرفة، بل إنكار للبديهة، ولذا نفى في الكفاية بها العلم خاصّة.
وإن أُريد به ما ذكره فيها دون نفي المظنة فحسن لو لم يقم على اعتبارها دليل في المسألة، والحال أنّه قد قام؛ لما عرفت من الرواية المنجبرة بما مرّ إليه الإشارة وحكاية الإجماع المتقدمة، وهي وإن اختصت باليد المتصرّفة، إلاّ أنّ
الرواية كافية في
الحجية في اليد الخالية عنه؛ لعمومها لها، أو ظهورها فيها، ويكون شمول حكمها حينئذ لليد المتصرفة بطريق أولى، هذا.
مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة وما بعدها من الأخبار المعاضدة ولو لم تكن بنفسها حجة مستقلة.
والشهرة الجابرة للرواية كما تحققت في اليد المتصرفة محققة ومحكية في كلام جماعة كما عرفته، فكذلك هي هنا متحققه؛ لإطباق جمهور المتأخرين على الحكم هنا أيضاً عدا الماتن هنا وفي الشرائع، وحكى الأكثرية على ذلك بينهم في المسالك والكفاية
هذا.
مضافاً إلى مناقشات أُخر ترد على صاحب الكفاية ليس في ذكرها هنا فائدة مهمة بعد وضوح المأخذ في المسألة بحذافيرها، والحجةِ من
الفتوى والرواية، بل ربما يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرفة بل مطلقاً الملكية، وعليه بناء
الفقهاء بل والمسلمين كافّة، كما يقف عليه المتتبع لأكثر
الأحكام الشرعية بل كلّها غير هذه المسألة من المسائل المتعلقة بأحكام اليد.
ولو تعارضت الاستفاضة المجردة عن الضميمة من التصرف أو اليد معهما فالترجيح لهما على الأقوى؛ لعموم الرواية، فتأمّل. وبه صرّح جماعة
كالفاضلين في الشرائع
والتحرير والقواعد والشهيد في
الدروس.
تجوز الشهادة على ملك لا يعرفه الشاهد إذا عرّفه له المتبايعان يعني البائع والمشتري بصفات يتوافقان عليها ويكون شاهداً على إقرارهما بتلك الصفات كما هنا وفي
السرائر والتحرير والدروس
، ولا خلاف فيه على الظاهر، ومستنده مع ذلك واضح.
وفي المكاتبة الصحيحة: في رجل باع ضيعة من رجل آخر، وهي قطاع أرضين، ولم يعرف الحدود في وقت ما أشهده، وقال: إذا أتوك بالحدود فاشهد بها، هل يجوز له ذلك، أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقّع (علیهالسّلام): «نعم يجوز، والحمد لله تعالى».
وكتب: هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل القرية إذا كانوا عدولاً؟ فوقّع (علیهالسّلام): «نعم يشهدون على شيء مفهوم معروف».
وكتب: رجل قال لرجلين: اشهدا أنّ جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلّها لفلان بن فلان، وجميع ماله في الدار من المتاع، هل يصلح للمشتري ما في الدار والبيّنة لا تعرف المتاع أي شيء هو؟ فوقّع (علیهالسّلام): «يصلح له ما أحاط به الشراء بجميع ذلك إن شاء الله تعالى».
وكتب إليه: هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من أهل تلك القرية فشهدوا أنّ حدود هذه القرية التي باعها الرجل هذه، وهل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة ولم يسمّ الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة وشهدوا له، أم لا يجوز له أن يشهد وقد قال لهم البائع: اشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟ فوقّع (علیهالسّلام): «لا يشهد إلاّ على صاحب الشيء وبقوله إن شاء الله تعالى»
.
قيل: والمنع عن الشهادة في هذا الجواب الأخير إلاّ على صاحب الشيء محمول على أنّه لا يشهد إلاّ بقول المالك مجملاً، ولا ينسب التفصيل الذي عرفه من غيره إليه، بل يخبر بالصورة، أو يشهد إجمالاً، أو محمول على عدم تعيين المالك للذي يأتي بالحدود فيبقى على جهالته ويكون
الإقرار مبهماً؛ أو على عدم عدالتهم
.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۸۹-۳۹۶.