الطلاق في نكاح المماليك
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا كانت زوجة العبد حرة أو
أمة لغير مولاه فالطلاق بيده وليس لمولاه إجباره؛ ولو كانت أمة لمولاه كان التفريق إلى المولى، ولا يشترط لفظ
الطلاق.
فإذا كانت زوجة العبد التي تزوّجها بإذن سيّده ابتداءً أو استدامةً حرّة أو أمة لغير مولاه، فالطلاق بيده، وليس لمولاه إجباره عليه على الأشهر الأظهر.
للنبوي العامّ: «
الطلاق بيد من أخذ بالساق»
. وللمعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوّج الحرّة أو أمة قوم، الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال: «الطلاق إلى العبد»
. ونحوه الصحيحان المرويّان عن كتاب
عليّ بن جعفر. ونحوها الموثّقات الثلاث وغيرها
، المعتضدة بالشهرة العظيمة وصراحة الدلالة.
وليست مخالفةً للكتاب (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)
فقد ورد في بعض الأخبار أنّه في طلاق العبد أمة مولاه التي زوّجها إيّاه، ففيه: عن العبد هل يجوز طلاقه؟ فقال: «إن كانت أمتك فلا؛ إنّ
الله عزّ وجلّ يقول (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)، وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة جاز طلاقه»
.
وليس في سنده سوى المفضّل بن صالح، وقد روى عنه ابن فضّال المجمع على تصحيح رواياته، فيُجبر به مضافاً إلى الشهرة ضعفه، وهو مع ذلك ظاهر في المدّعى، بل صريح فيه، بعد ضمّ
الإجماع إليه؛ بناءً على دلالته على جواز طلاق العبد، وهو ملازم لعدم جوازه من المولى؛ لعدم القول بالتشريك بينهما؛
إذ الأقوال في المسألة ثلاثة:
أحدهما: ما مرّ، وهو المشتهر بين
الطائفة.
عدم اختياره أصلاً، وثبوته للمولى خاصّة، كما عن
الإسكافي والعماني.
للصحاح المستفيضة، منها: «المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلاّ بإذن سيّده» قلت: فإنّ السيّد كان زوّجه، بيد مَن الطلاق؟ قال: «بيد السيّد (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)
.
وليست ناصّة في المطلوب، بل غايتها العموم المحتمل لأن يراد منه طلاقه لأمة مولاه، ولا خلاف فيه كما سيأتي، بخلاف ما مرّ، فإنّها ناصّة بالتفصيل. ومقتضى الأُصول المسلّمة بناءً على حصول التكافؤ بينهما؛ لاعتضاد الأولة بالكثرة والشهرة العظيمة الجمع بينهما بالتخصيص، وصحّة
السند مشترك بينهما وإن تُوهِّم عدم وجود صحيح في الأولة
، ومع ذلك فالشهرة العظيمة لا يقاومها شيء من المرجّحات المنصوصة والاعتباريّة، إلاّ على الندرة، فلا يعارضها ظاهر
الآية؛ مع ما عرفت ممّا ورد في تفسيرها من
الرواية المعتبرة الصريحة في المراد منها.
وليس في المرويّ في
تفسير العيّاشي بسنده فيه عن
الحسين بن زيد، أنّ عليّ بن جعفر بن محمّد بن عليّ: قال: كان
علي بن أبي طالب (علیهالسّلام) يقول: «(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) الآية، يقول: للعبد لا طلاق ولا نكاح، ذلك إلى سيّده، والناس يروون خلاف ذلك إذا أذن السيّد لعبده، لا يرون له أنّ يفرّق بينهما»
.
دلالة على شمول الآية لطلاق العبد زوجته التي ليست أمة مولاه، بل هو مطلق يحتمل
التقييد بغيره، كما أفصح عنه الخبر المتقدّم، ومعه لا دلالة على كون اختيار الطلاق إلى العبد مطلقاً مذهب
العامّة؛ لاحتمال اختصاصه بالصورة المتّفق عليها بيننا، وهي التي استند (علیهالسّلام) فيها إلى الآية المخصَّصة بها فيما قدّمناه من
الخبر. وأخبارهم: يكشف بعضها عن بعض، فتأمّل.
وعلى التسليم، فلا يعارض الشهرة المخالفة للتقيّة إن تمّت إذ لم يذكرها أحد، سوى نادر من الأجلّة
؛ لتوهّمه إيّاها من الرواية المتقدّمة بناءً على رجحان الموافقة للشهرة عليها؛ لثبوت اعتبارها بالنصّ والاعتبار، دون مخالفة
التقيّة؛ لاختصاص المثبت لاعتبارها في الأول، وبعد تعارض معتبرهما منه والتساقط يبقى الاعتبار المثبت لها سليماً عن المعارض. وتمام التحقيق موكول إلى محلّه.
ومع ذلك، ما عدا الصحيح المتقدّم منها غير واضحة الدلالة؛ إذ قصاراها الحكم بتوقّف طلاق العبد على إذن السيّد، لا أنّ طلاقه بيده، وربما جمع بين الأخبار بذلك، فقيل بوجوب استئذان العبد مولاه في الطلاق
.
وهو مع أنّه يأباه بعض النصوص إحداث قول، ولعلّه
أحوط.
فإذاً القول بذلك ضعيف كضعف الثالث المحكيّ عن
الحلبي، من الموافقة للمشهور في إثبات الطلاق للعبد، والمخالفة لهم في عدم تجويز إجبار السيّد له فيه؛ حيث جوّز ذلك مستنداً إلى لزوم الإطاعة
.
والكلّية ممنوعة، وإلاّ لانتقضت بطلاق الولد لو أمره أحد أبويه، ولم يقل به أحد، ومع ذلك تردّه النصوص المتقدّمة، سيّما الخبر بل الحسن كما قيل
: «إنّ علياً (علیهالسّلام) أتاه رجل بعبده، فقال: إنّ عبدي تزوّج بغير إذني، فقال
عليّ (علیهالسّلام) لسيّده: فرّق بينهما، فقال السيّد لعبده: يا عدوّ الله طلّق، فقال عليّ (علیهالسّلام): كيف قلت له؟ قال: قلت: طلّق، فقال عليّ (علیهالسّلام) للعبد: الآن فإن شئت فطلّق، وإن شئت فأمسك» الخبر
.
ألا ترى إلى إثباته (علیهالسّلام) المشيّة له في الطلاق بعد أمر السيّد له بذلك؟! ولو صحّ الإجبار ووجب كما ادّعاه لكان اللاّزم إيجاب الطلاق عليه، لا تخييره فيه.
ولو كانت زوجة العبد
أمة لمولاه المزوّج إيّاها منه كان التفريق إلى المولى إجماعاً حكاه جماعة
للنصوص المستفيضة مضافاً إلى ما مر.
منها الصحيح: عن قول الله عزّ وجلّ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)
قال: «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته، فيقول: اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثم يحبسها عنه حتى تحيض، ثم يمسّها، فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير
نكاح»
.
والحسن: «إذا زوّج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها، قال له: اعتزلها، فإذا طمثت وطِئها، ثم يردّها عليه إن شاء»
.
ويستفاد منها سيّما الخبرين المذكورين وكذا من الأصحاب حتى القائلين بكون تزويجه نكاحاً أنّه لا يشترط في الفراق لفظ
الطلاق بل يكفي فيه كلّ ما دلّ عليه من الأمر بالاعتزال والافتراق.
وهو على ما اخترناه فيما مضى من أنّ تزويج السيّد عبده أمته ليس عقداً، بل هو إمّا
إباحة محضة يكتفى فيها بكلّ لفظ دلّ عليها، كما عن
الحلّي؛ أو لا بدّ فيها من صيغة مضى إليها الإشارة في النصوص المتقدّمة، كما اختاره
العلاّمة وجماعة
واضح؛ لارتفاع الإباحة بكلّ لفظ دالّ على الرجوع عنها.
وأمّا على القول بكونه عقداً، فلأنّ مقتضى النصوص كون رفع هذا
العقد بيد المولى، فلا يقدح في ارتفاعه بغير الطلاق، كما يرتفع النكاح بالفسخ ونحوه في مواضع كثيرة.
ولو أتى بلفظ الطلاق انفسخ النكاح؛ لدلالته على إرادة التفريق بينهما، لكنّه لا يعدّ طلاقاً شرعيّاً، ولا يلحقه أحكامه ظاهراً مطلقاً على المختار.
وقيل: إنّ الفسخ الواقع من المولى طلاق مطلقاً، ويعدّ من الطلقات
.
وقيل: إنّه كذلك إن وقع بلفظ الطلاق، فيبطل باختلال شيء من شرائطه لا مطلقاً
.
وهما مع مخالفتهما الأصل، سيّما الأول لا دليل عليهما يعتدّ به، لكن في
الروضة: ولو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقداً فظاهر الأصحاب لحوق أحكامه واشتراطه بشرائطه؛ عملاً بالعموم
.
وظاهره الإجماع، لكنّه ينافيه احتماله العدم فيما بعد؛ معلّلاً بأنّه إباحة وإن وقع بعقد.
والاحتياط سبيله واضح.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۴۱۵-۴۲۱.