العدد في صلاة الجمعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو من شرائط صلاة الجمعة وأقله خمسة،
الإمام أحدهم.
(وفي أقلّه روايتان:
أشهرهما) على الظاهر، المصرّح به في كثير من العبائر
أنه (خمسة،
الإمام أحدهم). ففي الصحيح : «يجمّع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم».
والجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه لا التخييري. ولا إشعار في قوله في الذيل : «فلا جمعة لهم» بأن المراد بها إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني والتخييري، فلا دلالة لها على الأول، لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين، وهو ممنوع، بل هي تلازم الأوّل حيث لا مانع منه كما نحن فيه، فتدبّر.
وفي آخر : «لا يكون الجمعة والخطبة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط، الإمام وأربعة»
ومفهومه ثبوتها على الخمسة، ولفظة «على» ظاهرة في الوجوب العيني كالأمر بل أظهر منه. وفي الموثق : «فإن كان لهم من يخطب به جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر»
والتقريب فيه كالأول، بل أظهر، لفقد ما يوهم
الإشعار فيه بالخلاف. هذا مضافا إلى الاتفاق فتوى ونصّا على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة فتجب، لعموم ما دلّ على وجوب الجمعة الصحيحة من الكتاب والسنّة المتواترة، خرج منها ما إذا لم يكونوا خمسة بالإجماع والرواية، وبقي الباقي تحتها مندرجة، فتأمل.
الصحيح : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة».
وأظهر منها الصحيحة المتقدمة،
لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة. ونحوها الصحيح المروي في
الفقيه ، وفيها : على من تجب الجمعة؟ قال : «على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقلّ من خمسة من
المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم».
وظاهره كون السبعة شرطا للوجوب العيني والخمسة للتخييري، كما هو خيرة الشيخ والقاضي و
ابن زهرة فيما حكي عنهم، وبه حملوا الوجوب في الروايات السابقة على التخييري. مضافا إلى الموثق كالصحيح بأبان : «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه».
وقريب منه الصحيح في
صلاة العيدين : «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة».
وإليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين.
وهو مشكل أوّلا بفقد التكافؤ،
لاشتهار تلك واعتضادها بإطلاقات الكتاب والسنّة و
الاحتياط في الشريعة دون هذه. وثانيا بإمكان الجواب عن الصحيحة الأولى : بأنّ دلالتها بالمفهوم، وتلك بالمنطوق، وهو مقدّم عليه على المشهور. وعن الثانية : بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها، ولم يقل به أكثر القائلين بهذه الرواية، بل ربما كان مخالفا للإجماع، وخروج بعض الحديث عن الحجية وإن لم يقدح في حجية باقية إلاّ أنه معتبر في مقام
التعارض فيوجب مرجوحية ما اشتمل عليه. وعن الثالثة : بأن قوله : «ولا جمعة لأقلّ من خمسة» إلى آخره يحتمل كونه من الفقيه كما صرّح به بعض الأفاضل حاكيا الجزم به عن بعضهم،
ومع هذا
الاحتمال يرتفع الاستدلال إلاّ من حيث مفهوم العدد في قوله «سبعة» وهو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أجيب به عن سابقتها. وعن الموثقة : بعدم معلومية متعلق
الإجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عينا فيصير مفاد العبارة : يجزي في عينية وجوبها سبعة أو خمسة؟ أو وجوبها تخييرا؟ أو صحتها مطلقة؟ ولا يتم
الاستدلال بها على الأوّل بل هي عليه بالدلالة على الخلاف أشبه. وعلى الثاني مخالفة للإجماع، لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينيا لا تخييريا. وعلى الثالث لا كلام فيها، للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.
وتقدير العيني بالنسبة إلى السبعة والتخييري بالنسبة إلى الخمسة موجب للتفكيك المتوقف على الدليل، وهو مفقود، اللهم إلاّ أن يجعل لفظة «أو» الموجودة فيها، إذ لا وقع لها إلاّ على تقديره. وفيه نظر، لاحتمال كون الترديد فيها لغير ذلك، وهو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني حيث حصل وعدم
انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله «سبعة» لو ترك قوله بعده : «أو خمسة» وإنما لم يكتف بقوله «خمسة» المفيد للمرام من غير
احتياج إلى ترديد رافع للوهم في المقام، لندرة تحقق مصر لا يكون فيه سبعة، كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه.
وبمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة، مع أن الحكم المشروط فيها بالعدد هو
الوجوب العيني بمقتضى الصيغة والنسبة إلى عدد السبعة، فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك. مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة،
لاستلزام الحكم فيها ثبوته في السبعة بطريق أولى. وبالجملة : قول الأكثر لعلّه أقوى، ومع ذلك هو أحوط وأولى.
واعلم : أن هذا الشرط يختص
بالابتداء دون
الاستدامة ، بلا خلاف فيه بيننا أجده، وجعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال : لا نصّ لأصحابنا فيه، قال : دليلنا أنه قد دخل في
صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز إبطالها إلاّ بيقين.
ومقتضاه الصحة ولو انفضّ العدد بمجرد التلبس بالتكبيرة كما هو المشهور. خلافا لمحتمل
نهاية الإحكام والتذكرة،
فاشترط
إتمامهم ركعة، لمفهوم : «من أدرك ركعة».
ويضعف : بأن الباقي بعد
الانفضاض مدرك لركعة بل للكل، وإنما لا يكون مدركا لو اشترط في
الإدراك بقاء العدد وهو أوّل المسألة. واحتمل في الأوّل آخر وهو الاكتفاء بركوعهم، لكونه حقيقة إدراك ركعة. وفيه وفي
التذكرة ثالثا، وهو العدول إلى الظهر إذا انفضّ العدد قبل إدراك الركعة، لانعقادها صحيحة فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة. وعلى المشهور هل المعتبر تلبّس الجميع بالتكبيرة. أو يكفي تلبّس
الإمام خاصة؟ قولان، مقتضى ما تقدّم من الدليل : الثاني.
رياض المسائل، ج۳، ص۳۲۱- ۳۲۶.